رأي خبير: أبرز أسباب انحراف المؤسسات المالية عن القانون
“كرّت مسبحة” انهيار الليرة اللبنانية في اليومين الأخيرين، ليزيد سعر صرف الدولار الواحد عن العشرة آلاف ليرة لبنانية. وحتّى الساعة، تُنذر المؤشرات السياسية والاقتصادية، بالمزيد من الارتفاعات ومن دون سقف محدّد. فهل يحقّ للدولة التحكّم بسعر الصرف؟ وهل قمع المنصّات والصرّافين هو الحلّ؟
في هذا السياق، يحذّر القاضي بيتر جرمانوس في حديث لموقع “أحوال”، من تغيير طبيعة الاقتصاد اللبناني من النظام الحرّ إلى نظام موجّه، واصفاً إيّاه بالعشوائي والخطير. فبرأيه، النظام الموجّه يقضي على الشفافية في السوق. وفي نظامنا الحالي، لا يحقّ للسلطة التنفيذية والقضاء بالتدخّل في تسعيرة الدولار، كما لا يحقّ حتّى لمصرف لبنان بأن يفرض تسعيرة بعيدة كل البُعد عن واقع السوق.
الخروج من السوق القانونية
منذ بداية الأزمة، تمسّك مصرف لبنان والدولة اللبنانية بتسعيرة الـ 1507 على أنّه السعر الرسمي للدولار. وهذه التسعيرة الوهمية، دفعت بالمؤسسات المالية الشرعية نحو الخروج من السوق القانونية، وخلق أسواق موازية. ففي نهاية المطاف، سبب وجود السوق السوداء للدولار، هو نتيجة سوء إدارة السوق الحقيقية.
ويرى المرجع القضائي، أنّ توقيف الصرّافين عن العمل، أمر غير قانوني، إذ أنّ الصرّافين لا علاقة لهم، فهم يعكسون السوق الحقيقي الخاضع للعرض والطلب. ويجب على الحكومة أن تتفاوض مع صندوق النقد الدولي، لضخ الدولارات في البلد، ضمن خطة اقتصادية شاملة تنقذ البلد من محنته، بدل من أن تسعى لضبط سعر السوق بالقوّة.
تجارة الشيكات المصرفية
وانطلاقًا من هذه المقاربة القانونية، فإنّ قمع العمل الصيرفي وتعطيل دور المصارف، قد أدّيا إلى الفوضى في السوق.
وتتجلّى هذه الفوضى في عمليات عديدة مرتبطة بحركة الأموال، نذكر منها ظاهرة تجارة الشيكات المصرفية. فمع استمرار حجز المصارف على أموال المودعين من جهة، وحاجة البعض الملحّة للسيولة من جهة أخرى، تزامنًا مع فقدان العملة الخضراء من الأسواق، أصبح هناك من يمتهن وظيفة الوسيط الذي يؤمّن لصاحب “الكاش” مودعاً بحاجة للسيولة. وما إن يحضر الطرفان، فالعمليّة بسيطة، يحرّر المودع شيك مصرفي لصاحب “الكاش” يفوق قيمة العملة الورقية بأكثر من ثلاثة أضعافها.
استفادة المديون على حساب المودع
يوضح الخبير الاقتصادي دان قزّي لـ “أحوال”، أنّ رواج الشيكات المصرفية يعود لثلاثة أسباب:
الأوّل، يتمّ تسديد قروض مصرفية عبر الشيكات، وهذا ما يفسّر انخفاض قيمة القروض لدى المصارف بشكل ملحوظ.
الثاني، لشراء عقار معيّن بسعر زهيد نسبيًّا ولا يطابق السعر المطلوب بالعملة الورقية.
أمّا السبب الثالث، فهو وجود أشخاص خارج لبنان تملك “الكاش”، فتشتري شيكاً مصرفياً وتودعه في المصرف، ظنًّا منها أنّها ستضاعف المبلغ عند تحرير الأموال.
والمشكلة هنا بأنّ المصرف الذي سلّف القروض على على تسعيرة الـ 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، يقوم اليوم بعملية “هيركات” على المودع بنسبة 85%. وبالتالي يستفيد المديون على حساب المودع.
فيما تزايد التداول بالشيكات المصرفية، إلى أن وصلت الحال ببعض المصارف، إلى بيع الشيكات المصرفية لقاء “الكاش” بشكل مباشر ومن دون وسيط. وبهذه العمليّة، يقوم المصرف بجمع الدولارات، ولكنّه يخسر من أسهمه ويضرّ المساهمين.
وفي هذا الإطار يسأل قزّي، لماذا يريد المصرف تجميع “الفريش ماني”؟ هل هو لتلبية قرار مصرف لبنان؟ أم لتأمين أموال المودعين؟ أم لتهريبه إستنسابيًّا؟
كيف تستفيد المصارف؟
إلى أن تتبلور الأجوبة الشافية، تجدر الإشارة إلى أنّ المصارف التي رفعت سعر دفتر الشيكات المصرفية لكونها الأكثر استخدامًا، تستفيد منها بتخفيض قيمة الإيداعات الدولاريّة، التي لم تعد تملكها، والتي كانت تبلغ 120 مليار دولار وأصبحت اليوم 110 مليار.
وتلفت مصادر مصرفية، إلى أنّ المصارف تقوم بتسييل بعض الشيكات وتسحبها لصاحبها على سعر المنصة مع فرض القيود على عملية السحب. وهذا ما يظهّر ازدياد الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية لدى المصارف، ويفاقم التضخم في البلاد، الذي قد يؤدّي إلى وقف تعامل المصارف الدولية مع لبنان، لجهة عدم قبول اعتمادات من المصارف اللبنانية.
ناريمان شلالا