التربية الإعلامية: نهج أكاديمي حديث وهذه أهميته
التربية الإعلامية مادة جديدة تعطي المتلقّي القدرة على نقد المحتوى الإعلامي وتحليله وتقييمه؛ وهي ذات دور فعّال وإيجابي خاصة لناحية تنمية القدرات الذهنية العليا عند المتلقي، سيّما الفئات العمرية الشابة، حيث تجعلهم أكثر قدرة على التحليل والتركيز والمشاركة في صنع القرار.
محاربة الإعلام السلبي
تؤكد الدكتورة ألين الجردي المتخصصة في التربية والتعليم في حديثها لـ “أحوال”، أنّ التربية الإعلامية هي نهج أكاديمي حديث يمكّن الفرد من مشاهدة المحتوى الإعلامي ونقده وتقييمه وتحليله. وتضيف، “تكمن أهمية التربية الإعلامية أنّها تنمّي القدرات الفكرية العليا أولاً، والفكر النقدي ثانياً، خصوصاً عند الطلاب. كما تنقلنا التربية الإعلامية من عملية تلقّي المحتوى الإعلامي فقط إلى مرحلة أكثر تطوراً وأهمية؛ وهي تشغيل القدرات الذهنية للمتلقي، وهذا من شأنه تخفيف الآثار السلبية لبعض المحتويات الإعلامية، وخاصة تلك التي تحتوي على مشاهد عنيفة.
وتقول الجردي: “من خلال التربية الإعلامية، أصبح بإمكاننا لفت نظر الأهل والمربين والأكاديميين في المدارس إلى أهمية المنحى الإيجابي للطلاب، وكيفية الإستفادة منه من خلال الإعلام. وتلفت أيضاً إلى أنّ التربية الإعلامية ليست مقتصرة على فئة من أبناء المجتمع دون أخرى. “فالجميع يحتاج إلى التربية الإعلامية صغاراً او كباراً؛ فالإعلام كما هو معروف مادة مهيمنة فرضت نفسها على مجريات هذا العصر.”
المسؤولية جماعية
وتضيف الجردي، “نركز في عملنا على ثلاثة عناصر، وهي الأهل والتلاميذ والاساتذة. مع العلم أنّ التركيز مع كل عنصر من هذه العناصر يتم بطريقة مختلفة عن العنصر الآخر.”
فتعريف الأهل على التربية الإعلامية مثلاً، يركز على كيفية التعاطي مع الأولاد من خلال الحوار والإشتراك سوياً في تقييم المحتوى الإعلامي للمادة، سواءً كانت مرئية او مكتوبة أو مسموعة. أما بالنسبة للمدراس، فإنّ العمل يتم مع الأساتذة حول كيفية دمج التربية الإعلامية ضمن المنهج الدراسي، ولكن في النهاية الأهداف هي واحدة. لذلك نأمل ونسعى أن نتوصّل في لبنان إلى تخصص جامعي اسمه “التربية الإعلامية”، وأن يتم دمج التربية الإعلامية في المناهج التربوية المدرسية.
تجاوز للمعايير
الدكتورة الجردي تشير أيضاً، وبحسب المعايير المحددة من قبل الأكاديمية الأميركية لطب الاطفال، إلى أنّ الإستهلاك الإعلامي لدى الأطفال يفضل أن يبدأ من عمر السنتين ومافوق، وأن يكون لوقت قصير وبمشاركة الاهل. ولكن بشكل عام يتم تجاوز هذه القاعدة، إذ يتم تعريض الاطفال للمحتوى الإعلامي في سن مبكرة قد يبدأ من عمر الستة أشهر، الأمر الذي تنتج عنه سلبيات كثيرة مستقبلاً.
وتضيف:”ونحن ننصح كمتخصصين في التربية والتعليم بأن تبدأ التجربة الإعلامية للأطفال مع بدء قدرتهم على التواصل، وهذا الأمر يتفاوت بين طفل وآخر، لذا يفضل رفع العمر إلى ثلاث سنوات، والتأكيد على مشاركة الأهل وانتقاء محتوى ذي قيمة تربوية.
وعندما يكون الشخص متلقياً فقط، هذا يعني أنّه لا يفكر ولا يحلّل. وهذا يعني أيضاً أنّه لا يستخدم القدرات الفكرية والذهنية التي أشرنا اليها خلال الحديث. فحسب تصنيف”بلوم”، إنّ مستويات التفكير تبدأ من المعرفة ومن ثم الفهم، وبعد ذلك يأتي التطبيق، ومن ثم التقييم والتحليل والصنع. ومتى وصلنا إلى مرحلة الصنع، يعني أصبحنا قادرين على المشاركة في صناعة المحتوى الإعلامي.”
التأثير على السلوك
“هالة زكريا” نائبة رئيس نقابة أصحاب دور الحضانة في لبنان والمتخصصة في علم النفس، تُعرّف التربية الإعلامية، في حديثها “لأحوال”، بالقول: “إنّها عملية تواصل مع المتلقي وتوصيل المعلومة له بوسائل متعددة، وهي لا تركّز على قناة تواصل واحدة. فاليوم مع تطوّر وسائل التواصل أصبح هناك الهواتف الذكية والانترنت.
بمعنى آخر أصبح هناك وسائل غنية ومتعددة، وكل هذه الوسائل تشملها التربية الإعلامية. وتضيف “زكريا موضحة: “اليوم باتت التربية الإعلامية جزءاً من الوعي الإعلامي. فالمقصود بالتربية الإعلامية هو امتلاك المهارات والفهم والوعي للتعامل مع وسائل الإعلام بذكاء ومسؤولية بما يسمح بفهم الرسائل المتدوالة في وسائل الاعلام بأشكالها المتعددة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والقدرة على تقييم هذه الرسائل.”
التكيّف مع واقع كورونا
لا تحبذ “زكريا” عملية إيصال المعلومة بالوسائل الذكية للإطفال، خاصة لمن هم دون السابعة من العمر. “كلما أحسن الطفل إستغلال حواسه، كلّما تحسّنت أكثر قدرته على التعلم”. وتضيف، الأطفال الذين دون السابعة من العمر بحاجة إلى مرشد ناضج بشكل دائم إلى جانبهم، وذلك للمساعدة في إيصال المعلومة لهم بطريقة خالية من الشوائب. وتتطرّق إلى التغيير المفاجئ الذي فرضه وباء كورونا على النظام التعليمي في لبنان، وتقول: جاء وباء كورونا ومن دون سابق إنذار ليفرض علينا فجأة انتقالاً سريعاً ومن دون خطة مسبقة من التعليم النظامي في المدارس إلى ما يُعرف بالتعليم التفاعلي من وراء الشاشة. كانت البداية صعبة، ولكن مع الوقت اختلط الجميع بالمكوّنات المتاحة. وأصبح هناك سهولة في تطبيقها إلى حد كبير ضمن الانظمة التربوية والتعليمية. وتضيف:” نتيجة لذلك، نحن ندعو إلى منح الإهتمام الكافي للتربية الإعلامية بما يخدم العملية التعلمية بكل مراحلها”.
التربية صناعة الإنسان
أما الدكتور”انطون سميا”، الأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، فيقول لـ “أحوال” إنّ التربية هي صناعة إلانسان، فرداً ومجتمعاً. ويتشارك في ذلك مؤسسات وظروف وعوامل عديدة: العائلة والمدرسة والمجتمع ومختلف المؤسسات الاجتماعية والسياسية. والإعلام هو إحدى المؤسسات المشاركة في العملية التربوية، والتربية أساساً وتاريخياً هي إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام.” ويضيف:” مهما يكون الشكل الذي تعتمده وسائل الإعلام من أجل تقديم رسائلها، فإنّها تؤدي دوراً واضحاً في هذا المجال سواء عن قصد أم غير قصد، لأن كل ما يُقدم بواسطتها يدخل في العملية التربوية. فالتربية الإعلامية هي عملية تأهيل المواطن على كيفية التعاطي مع وسائل الإعلام من منطلقات علمية حتى لا يقع فريسة التضليل الإعلامي، وهي أتت لتفتح أفاقاً جديدة في عالم الإعلام خصوصا لجهة الصراع القائم بين الإعلام الرسولي الذي كان يحملُ هموماً عديدة تتعلق بتثقيف المواطن وتربيته وتقديم المعلومات المفيدة لهُ، وبين الإعلام المنحاز الذي حوّل الوسائل الإعلامية إلى منابر دعائية، وهنا تؤدي التربية الإعلامية وظيفة مهمة في تحفيز المواطن على اعتماد العقل والموضوعية خلال تعرّضه للرسائل الإعلامية سواء كانت آتية من وسائل إعلامية ذات ميول وأفكار ومعتقدات متطابقة مع أهوائه أم متعارضة”.
محاربة الحقائق الوهمية وتضخيم الأحداث
يحذّر “سميا” من تأثيرات الإعلام الرديء على المتلقي، قائلاً: إنّ مجرد إستخدام صفة الرديء، ينطوي على الكثير من المساوئ والمخاطر التي يستطيع الإعلام دفع المواطن نحوها. وإذا نظرنا إلى مجريات الأحداث على مستوى العالم كله، وكيفية تعاطي المنابر الدعائية معها، نرى أنّ هذه الوسائل أو المنابر تعمل على تعمية المواطنين وإلغاء حشرية التساؤل والإستفهام والشك.” ويضيف: “تبدو دراسة قوانين إلاعلام والأخلاق الإعلامية الأساسية الأصيلة، كذلك التربية المدنية، كفيلة أكثر من غيرها في الحد من جنوح المنابر الدعائية نحو التلاعب بالرسائل الإعلامية وبعقول البشر.
ويضيف، إنّ هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على التربية الإعلامية تجاه ما يتعرّض له إلانسان عبر وسائل التواصل الحديثة؛ أولى هذه المسؤوليات هي مسؤولية تنبيه المتتبعين للرسائل الإعلامية عبر منصات التواصل الإجتماعي إلى عدم تلقف كل معلومة على أنها حقيقة مطلقة؛ اذ أنّ أغلبية هذه الرسائل هي أقرب إلى الشائعات خصوصاً أن مصدرها يبقى مجهولاً أو غير موثوق به. فيما عدم تبادل هذه الرسائل بشكل إنفعالي وفوري، هو مؤشر على صدقية صاحب الرسالة المنقولة، لأنّ إمكانية التلاعب بالصورة بلغت حداً دراماتيكيا”.
نبيل المقدم