منوعات

المودعون يستعدّون للنزول إلى الشارع.. هل ينجحون بالضغط لاستعادة أموالهم؟

جمعية المودعين ورابطة المودعين دعتا إلى تحرّك مركزي يوم الجمعة القادم في ساحة رياض الصلح

كثيرة هي الأزمات التي يُعاني منها لبنان، من تشكيل الحكومة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مروراً بانفجار المرفأ وتداعياته التي ما زالت تُلقي بظلالها على اللبنانين. ولكن إلى جانب هذه الأزمات، ثمّة معاناة لا تقل قسوةً عن كل ما ذُكر.

الأزمة التي نتحدّث عنها قد تكون آخر ما توقعه اللبنانيون، فهي بكل بساطة تتمثّل بفقدانهم لأموالهم في المصارف -ولنكون أكثر دقة- فقدان الجزء الأكبر من قيمتها بعد أن بات حصول المودعين على أموالهم بالعملات الصعبة أشبه بضرب من الخيال، وكل ما يمكن أن يجنوه هو سعر المنصة الذي لا يتعدّى -في أحسن الأحوال- نصف القيمة الفعلية لهذه الأموال.

أمام هذا الواقع، قرّر بعض المودعين إنقاذ ما تيسّر من هذه الأموال عبر بيع الشيكات المصرفية في السوق السوداء بنحو 30% من قيمتها الفعلية، أي أن الشيك المصرفي البالغ 100 ألف دولار يُباع بسعر لا يتجاوز الـ 30 ألف دولار، مع الإشارة إلى أن هذا السعر يتراجع بشكل شبه يومي.

ولكن على المقلب الآخر، اتخذت جمعية المودعين ورابطة المودعين قرار المواجهة بطريقة أُخرى، حيث دعتا إلى تحرّك مركزي يوم الجمعة القادم في ساحة رياض الصلح عند الساعة الثالثة ظهراً.

يؤكد أحد محامي الرابطة، فؤاد الدبس، في حديث لـ”أحوال” أن الرابطة تُحاول الضغط في أكثر من اتجاه، موضحًا أن الدعوة للتحرك الشعبي هي واحدة من تلك الطرق، فضلاً عن الدعاوى القضائية، ويتابع: “منذ بدء الأزمة، تبنّينا كرابطة أكثر من 300 دعوى قضائية، بالإضافة إلى إخبارين للنيابة العامة”.

من هنا، يوضح الدبس أن المطلب الأساسي هو استرجاع الودائع، “خصوصًا أن هناك الكثير من الأموال حُوّلت إلى الخارج ويجب إعادتها، بالإضافة إلى ضرورة وضع خطة اقتصادية تسمح باستعادة الودائع”، خاتمًا كلامه لموقعنا بالتشديد على أن المطلوب هو تنظيم المودعين ورفع المزيد من الدعاوى القضائية والضغط من خلال التحركات.

في سياق متصل، يلفت مؤسس جمعية حقوق المودعين ورئيسها، حسن مغنية، في حديث  لـ”أحوال” إلى أن الجمعية سبق أن قامت بتحرّك في تموز الماضي، إلا أن انفجار بيروت وتداعياته أوقفت التحركات، “فهول الجريمة التي خلفت أكثر من 200 شهيدًا لم تعد تسمح بالمطالبة بأمور أخرى”، بحسب قوله، مضيفًا: “كما أن تلك الفترة شهدت تفاوضًا مع جمعية المصارف ومصرف لبنان ولجنة المال والموازنة، لكن هذه الأطراف الثلاثة يبدو أنها لا تعيش في لبنان، إذ أنها لا تفعل شيئاً سوى تقاذف المسؤوليات”.

من جهة أخرى، فالواقعية تفرض الأخذ بعين الاعتبار أن الأموال المودعة لم تعد موجودة، وبالتالي فإن المطالبة بها قد يكون مطلبًا غير قابل للتنفيذ. لذا، يؤكد مغنية لموقعنا أن تحركهم يهدف للمطالبة بحقهم باسترجاع أموالهم، “أما في حال عدم وجود تلك الأموال، فنريد خطة زمنية واضحة لاستردادها”، بحسب قوله، مضيفًا: “ولكن من غير المنطقي أننا بعد عام ونصف على الأزمة، لا يوجد حتّى اعتراف رسمي بالودائع”.

من هنا، يلفت مغنية إلى أن الجمعية حصلت على تعهّد من لجنة المال بسحب المادة في الموازنة والتي تُشير إلى إمكانية سحب جميع الايداعات الجديدة، إذ أنها تُشرّع بطريقة ما عدم القدرة على سحب الودائع القديمة، مؤكدًا أنه وفي حال عدم الاستجابة لمطلبهم، فإن جميع الخيارات مفتوحة “وسنتجه نحو التصعيد، كما يمكن أن نصل إلى مرحلة العصيان المدني”، بحسب تعبيره.

مسارات قضائية

الجدير ذكره في هذا الإطار، أنه سبق التحرك الشعبي المنتظر الكثير من الدعاوى القضائية ضد المصارف، والتي تركزت بشكل أساسي، بحسب المحامي حسن بزي، على أربع مستويات، وهي: إيفاء قروض عن المودعين بالليرة اللبنانية، طلب سحب نقدي بالعملات الأجنبية، دعاوى إقفال الحسابات التي يجريها المصرف، ودعاوى تقوم على الاحتيال، “حيث يوقّع المودع على أوراق بطريقة “احتيالية” من قبل المصرف، يحوّل من خلالها ودائعه لسندات خزينة”.

ويشرح المحامي بزي، الذي توكل عن عشرات القضايا من هذا النوع، أن لكل دعوى طبيعة قانونية تفرض مسارها وتحدّد المحكمة المخصصة لها، موضحًا في حديث لموقعنا أن دعاوى إيفاء القروض مثلًا، تشمل مسارين: الأول من خلال مراجعة النيابة العامة المالية، إذ أن المصرف يُخالف بهذه الحالة المادة 2 و7 من قانون النقد والتسليف، بينما المسار الثاني هو من خلال تقديم دعوى لإثبات صحة عقد الإيداع.

ويُكمل بزي: “الأحكام بمجملها تصدر لصالح حق المودع بالإيفاء بالليرة اللبنانية، وفي حال تمنّع المصرف عن تلقي سداد القرض، نلجأ لوضعها لدى كاتب العدل من خلال دعوى جديدة، والتي عادةً ما تعتبر الإيفاء صحيحًا”.

أما فيما يتعلّق بدعاوى السحب أو التحويل، فيلفت بزي لموقعنا إلى أن التقدّم بها يكون لدى قاضي الأمور المستعجلة، “وكنا في السابق نحتاج لتبرير طلب السحب أو التحويل، إلا أن الاجتهاد القضائي تطوّر، فوصلنا الى أحكام قضائية تسمح للمودع بطلب السحب بالعملة الأجنبية ونقداً دون أي سبب”، بحسب قوله، مضيفًا: “معظم هذه الأحكام يتم استئنافها بحيث توقف المحكمة التنفيذ لحين البت بالاستئناف، وفي بعض الحالات لم توقف المحكمة التنفيذ، فقمنا بالحجز على أموال المصرف المعني، ما دفع هذه المصارف للتفاوض مع المودع لإيجاد حل يرضي الطرفين”.

وفي الختام، يُشير بزي إلى أن قرارات الإقفال العام أثّرت سلباً على هذه المسارات، إذ أنها دفعت المحاكم إلى تأجيل الجلسات، مؤكداً أن المسار القضائي لا بدّ أن يصل إلى مكان ما. وتعقيباً على دعوة التظاهر، يقول لـ”أحوال”: “هناك مساران يجب أن يسيران معاً، هما الشارع والقضاء؛ إذ أن هذين المسارين هما اللذين يمكن أن يساعداننا في الوصول إلى وضع أفضل من الوضع القائم حالياً”.

مهدي كريّم

مهدي كريّم

صحافي وكاتب لبناني يهتم بالقضايا السياسية والإقتصادية. حائز على ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى