كوفيد مستمر بضرب الاقتصاد العالمي حتى عام 2030
بعد أن تم العمل لمدة عقدين من الزمن لإحراز تقدم للحدّ من الفقر المدقع في العالم، والقضاء عليه من باب أحد أهداف التنمية المستدامة، أتت جائحة كورونا بانعكاساتها الحادة لتنسف جهود سنوات من التقدم في هذا المجال. كورونا لم تكن وحدها، بل امتزجت مع حالة الطوارئ المناخية والديون المتزايدة في العالم.
في هذا السياق، يحذّر البنك الدولي من زيادة غير مسبوقة في مستويات الفقر هذا العام، ويدعو إلى تجديد الدعوات لإعفاء الدول من الديون؛ ويترافق ذلك مع تحذير الخبراء الاقتصاديين من أزمة متنامية في مجالات متعددة من التعليم إلى التوظيف، ومن المرجح أن تستمر لسنوات قادمة.
البنك الدولي: ارتفاع نسبة الفقر
وبينما كان البنك الدولي متشائمًا بالفعل، فقد قام في يناير/ كانون الثاني الماضي، بتحديث توقعاته للعدد المتوقع للفقراء الجدد هذا العام (من 88 إلى 115 مليونًا)، إلى نسبة جديدة تتراوح بين( 119 و 124 مليونًا). وقد شهد الفقر العالمي انخفاضًا هائلاً منذ الستينيات – عندما كان حوالي 80٪ من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع. وكان قد انخفض هذا العدد إلى ما يقرب 10٪ في السنوات الأخيرة. إلاّ أنّه من المتوقع أن ترتفع الأرقام في العام المقبل، ولن تطال فقط أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر البالغ 1.90 دولار (1.30 جنيه إسترليني). فقد لاحظ الخبراء ارتفاعًا مقلقًا في أعداد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 3.20 دولارًا (2.35 جنيهًا إسترلينيًا) بين يونيو من العام الماضي ويناير 2021.
من ناحية أخرى، تم في الأشهر الأخيرة، تسليط الضوء على الأزمة المتنامية في تقارير متعددة تبحث في مؤشرات انخفاض التعليم في العالم النامي، إلى انخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة، بسبب الوباء، الذي أدّى إلى إغلاق أماكن العمل والمدارس والحدود، وألحق ضررا بالاقتصاد العالمي. ومن بين أولئك الذين أصدروا تحذيرات، منظمة العمل الدولية التي قالت إنّ العمال العالميين خسروا 3.7 تريليون دولار من الأرباح خلال الوباء.
وتشير التقديرات إلى أنّ عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع سيرتفع إلى 750 مليون خلال عام 2021.
تقرير منظمة العمل الدولية
في تقريرها السنوي للأجور العالمية، الذي صدر في أواخر العام الماضي، أفادت منظمة العمل الدولية أنّ الأجور انخفضت أو كانت تنمو بشكل أبطأ في جميع المجالات في الأشهر الستة الأولى من عام 2020. وحذّرت من أنّ أزمة كوفيد من المرجح أن تفرض ضغوطًا هبوطية هائلة على الأجور في المستقبل القريب، مع تأثر النساء والعمال ذوي الأجور المنخفضة بشكل غير متناسب بالأزمة.
وحذّر التقرير بحسب The Guardians، من أنّه حتى في ثلث الدول التي يبدو أن متوسط الأجور فيها قد ارتفع، كان هذا نتيجة لفقدان أعداد كبيرة من العمال ذوي الأجور المنخفضة وظائفهم. لكن الآثار طويلة المدى والأقل وضوحًا هي التي تثير قلق الكثيرين؛ وليس أقلّها، التأثير على التعليم.
ومن بين أولئك الذين أعربوا عن قلق متزايد “أكسل فان تروتسنبرغ”، المدير الإداري للعمليات في البنك الدولي؛ الذي قال: “قلقنا هو أننا نشهد مع هذه الأزمة انعكاسًا في الانخفاض المستدام للفقر المدقع.” لافتاً إلى أنّ التقديرات الحالية تبلغ 150 مليوناً إضافياً بنهاية هذا العام. وتابع، “هذه الأزمة أظهرت مدى هشاشة التطوّر الحاصل، ومقدار الجهد المطلوب لإعادة البناء، وليس أقلها مواجهة إضافة تحديات قائمة مثل تغيّر المناخ.”
ولفت التقرير إلى الزيادة في عدد الفقراء والعاطلين الآخرين خارج تعريف الفقر المدقع، مشيراً إلى أنّها علامة واضحة على أنّ هذه الأزمة تُحدث بالفعل تداعيات خطيرة. وتطرّق إلى الأطفال خارج المدارس والذين بلغت أعداهم حوالي مليار طفل، فيما التعليم عبر الإنترنت غير متاح للعديد من الأطفال في البلدان النامية.
أزمة كوفيد إلى ما بعد 2030
وبينما أثّر الوباء على البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، يرى المدير الإداري للعمليات في البنك الدولي، أنّ التحديات التي تواجه البلدان الفقيرة أكثر عمقًا. “يتمثل أحد التحديات الرئيسية في البلدان النامية في أنّ غالبية العمالة تعمل في القطاع غير الرسمي.”
وأبدى هومي خاراس، الخبير في الاقتصاد العالمي والتنمية، قلقه أيضاً بالنسبة للعديد من فقراء العالم، وقال من المرجح أن يستمر تأثير أزمة كوفيد إلى ما بعد عام 2030.
وفي تقرير صدرالعام الماضي، بينما كان يجادل بأن بعض الفقر “سيتم تعويضه عندما تبدأ الاقتصادات في التعافي في عام 2021” ، أضاف أنه “بحلول عام 2030، قد تظل أرقام الفقر أعلى من خط الأساس بمقدار 60 مليون شخص “.
وفي حديثه في كانون الثاني (يناير)، سلط بورغ بريندي، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، الضوء على قضية مهمة أخرى للنهوض من الأزمة. ولفت إلى أنّه “إذا كنا سنذهب إلى مستويات ما قبل كوفيد للناتج المحلي الإجمالي العالمي، فسنحتاج إلى بدء الاستثمار في بلدان بعضنا البعض من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر- الذي انخفض بشكل كبير في العام ونصف العام الماضي.”
وأضاف: “نعلم أيضًا أنّ سلاسل القيمة العالمية والتجارة تكافح من أجل العودة إلى مستويات ما قبل كوفيد. ونعلم أن التجارة كانت محرّكًا للنمو، وقد أخرجت ملايين الأشخاص من الفقر المدقع في العقود الثلاثة الماضية “.