واقع الأزمة في لبنان.. هل هي فعلًا “أزمة مالية”؟
قد يكون من الغريب، في ظل ما يعيشه البلد اليوم، أن نتساءل بهذه الطريقة عن واقع الأزمة في لبنان، وهل هي فعلًا “أزمة مالية”؟
منذ انطلاق الحراك في 17 تشرين الأول من العام 2019، بدأ الوضع المالي لليرة اللبنانية يتدهور بشكل تدريجي ولكن غير متوازن، فتارةً يرتفع الدولار وطورًا نراه ينخفض، ولو أنَّ هذا الإنخفاض هو انخفاض بسيط حينًا وفي بعض الأحيان كان الإنخفاض سريعًا نوعًا ما.
الحراك الذي أخذ طابع محلّي مصحوب بأجواء دولية مؤيّدة له، شكّل صلب الأزمة في لبنان، فكان العنوان الأساسي “مطلبي” ويتمثّل بطرح سياسي وهو “إنتخابات نيابية مبكرة”، بهدف تغيير الأكثرية النيابية من محور إقليمي مؤيّد لمحور المقاومة، إلى محور سياسي آخر مؤيّد لمخطط الشرق الأوسط الجديد.
الحراك في بعده المحلّي يتميّز بأحقية مطالبه، والتي لا يمكن لأي لبناني عاقل ألّا يعترف بأحقيتها، ولكن قراءة ما بعد تحريك الحراك شكّل المفصل الأساسي في الحفاظ على وجه لبنان الحالي، وعدم إلحاقه بمشاريع التطبيع في منطقة الشرق الأوسط.
من هنا، يمكننا إطلاق فرضية “التحريك” في 17 تشرين من أجل أبعاد لاحقة، إذ كانت “القوة الناعمة” هي الخيار الأنسب للفاعل الأساسي في الحراك الخارجي، فضُربت الليرة اللبنانية التي تُشكّل عصب الحياة لدى الجزء الأكبر من اللبنانيين.
في المضمون، كان لا بدّ وتحريك عامل مشترك بين من نزلوا إلى الشارع للمشاركة في الحراك المطلبي، ومن صمدوا في بيوتهم رافضين التحرّك مطلبيًا في سبيل خدمة غايات سياسية. هذا الصمود منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، كان سلاحًا ذو حدّين، فمن جهة ضرب مشروع إغراق لبنان في صراع محلّي على موضوع التطبيع، ومن جهة ثانية ضرب العملة الوطنية التي شهدت أكبر مؤامرة عليها منذ نشأة لبنان.
المؤامرة التي عاشتها الليرة اللبنانية كانت واضحة المعالم، فكل حدث سياسي يقابله ضربة مالية لليرة؛ وفي الوقائع، تصريح لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، في ختام أول جلسة مناقشة للحكومة في 22/04/2020، كان فيها دياب شفافًا تجاه ما يحدث في الواقع اللبناني، فردّ على تعاميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مؤكدًا أنّها لا تتوافق مع سياسات الحكومة خصوصًا أنه لم يتم استشارة الأخيرة بالموضوع، وتوعّد دياب بأن يكون هناك رد على سياسة مصرف لبنان، إلا أن الرد الصاعق أتاه من السلطة المالية في لبنان بقفزة تاريخية للدولار في 72 ساعة، ومن هنا بدأ جرس الإنذار.
أما الإنذار الآخر فكان التلاعب بالأرقام المالية خلال لقاءات الجهات الرسمية اللبنانية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فدخلت السياسة المالية إلى عمق الحدث واشتعلت المواجهة بين الجهة الدولية الموحّدة في مطلبها، وهو الشفافية، والجهات المالية والسياسية المحلية التي حملت أرقامًا مختلفة عن بعضها وبدأت بعرضها على الجهات الدولية، فسقطت الليرة مرة أخرى أمام الصراع السياسي المالي اللبناني الذي نشر جميع الخلافات المحلية أمام المجتمع الدولي.
إن واقع الأزمة في لبنان اليوم بات واضحًا بأنه متداخل بين السياسة والمال، ولكن لو أنَّ الأزمة الموجودة كانت مالية فقط، لكان الواقع أكثر تعقيدًا ولما كان تغيُر سعر الدولار يتم بالإتجاهين، ارتفاعًا وانخفاضًا، بل لكان فقط يرتفع بشكل دائم.
زكريا حمودان