انخفاض معدل الخصوبة… فأي مستقبل ينتظر أجيال لبنان؟
عام 2020 كان عام التحديّات بكافة المقاييس للّبنانيين، وكان لحفلات الأعراس نصيب منها؛ ويا فرحة لم تتم، فما إن كان العريسان يقفلان عليهما الباب، حتى يستفيقا من الحلم الأبيض، ليصحيا على الكابوس الأسود، فالإنهيار صادر كل شيء، بما فيه حقهما بالإنجاب.
وقد أثبتت تجارب عالمية، ارتباطاً وثيقاً بين البطالة وعدد الولادات، ما ينبئ بأنّ لبنان قد يشهد انخفاضاً غير مسبوق بالخصوبة، تزامناً مع تدني مستوى المعيشة فيه.
فماذا يقول المتزوجون عن خططهم الإنجابية؟ وأي مستقبل ينتظر الأجيال القادمة؟ وماذا عن الواقع الديموغرافي، في ظل استمرار إنخفاض المعدل الكلّي للولادات؟
حلا نوفل: ارتفاع متوسط عمر الزواج
تشير أستاذة الديموغرافيا والدراسات السكانية حلا نوفل في حديث لـ”أحوال”، إلى أنّ لبنان أول بلد عربي بدأت فيه الخصوبة بالإنخفاض في وقت مبكر.
ومنذ الستينيات كان معدل الولادات 5 أولاد للأسرة الواحدة، أما خلال الأعوام (2000-2004)، انخفض معدل الخصوبة الكليّة إلى ولد ونصف للعائلة الواحدة.
ولا توجد إحصاءات حديثة في لبنان عن الخصوبة؛ وتنطلق نوفل في تحليلها اعتماداً على اتجاهات سابقة، وتوضح أنّ الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية هي العامل الأساس لانخفاض الخصوبة، وهي “محدّدات مباشرة”، لكن هناك محدّدات غير مباشرة، تحرّكها.
وفي لبنان تاريخياً، محدّدان أساسيان لانخفاض الخصوبة، هما تأخر العمر عند الزواج واستخدام وسائل منع الحمل. وتتوقع الأستاذة الجامعية أن تتأجل زيجات عدة، نظراً للأوضاع الصعبة في البلاد، ما يعني ارتفاع متوسط عمر الزواج.
تراجع تأمين خدمات الصحة الانجابية
وفيما يجيز لبنان استخدام وسائل منع الحمل، تنبه نوفل إلى أنّه اذا بقيت الأوضاع على حالها، فقد يزداد معدل الولادات لدى الأسر الفقيرة، إذ لن تصلها وسائل منع الحمل، خصوصاً إذا أُزيل الدعم عن تلك الوسائل.
إلى ذلك، تتوقع نوفل تراجع تأمين خدمات الصحة والصحة الإنجابية، وسط أوضاع اقتصادية مزرية تهدّد السكان.
مسألة الإنجاب: ضغوط اجتماعية
في المقابل، تلاحظ نوفل أنّ المتزوجين اليوم لا يمتنعون نهائياً عن الإنجاب، فهناك ضغوط اجتماعية، وبعضهم يلجأ لتأجيل خطوة الإنجاب.
وتخضع عملية الإنجاب لاعتبارات، ففي الأوضاع العادية قد ينجب الأهل 3 أولاد، ويختلف المعدل بحسب المناطق الجغرافية والفئات الاجتماعية. لكن نظراً للأوضاع المعيشية الصعبة، أصبح الاهل، لا سيّما المتعلمون منهم، يفكرون ملياً قبل الإنجاب.
محرومون من الأولاد
“محرومون من الأولاد”، تقول راما لـ”أحوال”. فهي وزوجها اتخذا أقسى قرار قد يتخذه عريسان، فهما لا يجرؤان حتى على التفكير بالإنجاب.
وأي مستقبل وأي علم وطبابة تنتظر أطفالنا، وراتبنا الشهري 200 دولار! وبرأيها، “جهنم” التوتر الذي نعيش، كفيلة بتقليص فرص الحمل، لتصبح الأمومة، حقنا الطبيعي، حلماً بعيد المنال!
تؤجل ندى قرارها بالإنجاب ثانية ولا تلغيه، فالولد بحاجة لنفسية مستقرة وإحاطة بالأمان، وكلاهما غائبان!
والأهل يسعون لتأمين الأفضل لأولادهم، وعدم حرمانهم من شيئ، ومن الصعب تحقيق هذه الأمور في لبنان. وبأي لحظة قد نموت بانفجار، أو برصاصة طائشة، وإذا ساء الوضع أكثر، تصبح أنانية منا، إنجاب أطفال آخرين.
ويقول سامر لـ”أحوال”، إنّه يسعى للهجرة، مدركاً أنها قد تفرقه عن حبيبته، لكن الحب يدخل من باب البيوت الفقيرة، ليخرج من الشباك!
أما عمر، وبعد هجرته لتوفير مستقبل أفضل، أنجب طفلاً في المهجر، وهو يخشى العودة للبنان، ولا يتمناها لابنه.
أمل حرقص: تربية غير متوازنة
تصف أمل حرقص، مسؤولة فرع الشمال في التجمع النسائي الديموقراطي RDFL، في حديثها لـ”أحوال”، كيف تتأثر المجتمعات الأكثر فقراً، بالانهيار.
فقد تُرِّكت سيدات عدة حديثاً من وظائفهن، لصالح الموظف الرجل، “المعيل الأوحد” بنظر المؤسسات؛ فيما ارتفاع البطالة وازدياد الفقر يؤججان العنف بين الزوجين مما يولّد تربية غير متوازنة للأطفال. وبعض الرجال يلجؤون للمخدرات والسرقات جراء الأزمة، ما يزيد من نسب الطلاق.
والتزويج المبكر لم ينقطع في الشمال، سيّما مع تردي الأوضاع الإقتصادية. وترضخ ابنة الـ14 عاماً للتزويج كي لا تكون “عالة” على ذويها، ويشتد الفقر بعدها، فتسكن مع أهل زوجها، وتتفاقم المشاكل والضغوطات…
مكتومو القيد
وبعد فترة تطلب معظمهن الطلاق؛ ليصبحن مطلقات، تحملن أطفالاً على أيديهن، وسط خشية الأهل من التخلي عن المهر و”العودة من الصفر”.
هذه الحالات ينتج عنها المزيد من مكتومي القيد، بسبب عدم تثبيت بعض الزيجات، وترمى غالبية هؤلاء الأطفال في دور الأيتام، ويزداد التفكك الأسري. بدوره، يقوم “التجمع” بإحالات للأطفال لمراكز تهتم بهم وفق حالاتهم.
هذا، وينتج التفكك الأسري حالات عزلة ورهاب اجتماعي واضطرابات لدى الأطفال. وتختصر حرقص المشهد بالقلق الكبير على أجيال المستقبل.
الهاجس الديموغرافي
في المقابل، تطمئن الخبيرة الدولية في قضايا السكان والتنمية إلى أنّه مهما انخفض مستوى الخصوبة، فهو لا يذهب للصفر، إلا أنّ المستوى المتدني للخصوبة في لبنان ( 1.5) قد لا يؤمّن تجدد الأجيال، فتتناقص أعداد سكانه.
وفي ظل النزوح والهجرة اللبنانية، والعدول عن الإنجاب، تحذر نوفل من أنّ مسألة عدم تجدد الأجيال، تشكّل تهديداً للمجتمعات.
وفيما يتعلّق باللاجئين، يصعب التكهن بعودتهم جميع اللاجئين برأي نوفل، فالمسألة سياسية، لكن الأكيد هو أن جزءاً يسيراً منهم سيبقى.
السيناريو اللبناني
بعد الأزمة الإقتصادية الأوروبية عام 2008، وصلت معدلات الخصوبة إلى أقل من مستوى الإحلال في بعض الدول الأوروبية، فلجأ بعضها للحوافز، كبرامج دعم الأسر في فنلندا، وبعضها فتح أبوابه للاجئين كألمانيا.
ومع غياب الحوافز، والخوف من التوطين، وهجرة اللبنانيين وانخفاض ولاداتهم، فإنّ عدم تجدد الأجيال لا يعرقل النمو الاقتصادي للبنان وحسب، بل يهدّد التنوع الديموغرافي فيه، ومقومات الحياة!
وبعد انهيار نظامه الاقتصادي، وتحوّله ساحة للصراع الإقليمي، فإن الآباء في لبنان يأتون بأولادهم إلى المجهول، وسط خوف من مستقبل أسود، كلون النفط الذي يبيعوننا إياه اليوم، رغم أنه ما زال “في البحر”!
فتات عياد