مجتمع

منظمات المجتمع المدني إلى تكاثر: دور سياسيّ أم تنمويّ؟

تتشكل “منظمات المجتمع المدني” من الجمعيات والهيئات والنقابات الموجودة في لبنان؛  وبحسب الجريدة الرسميّة، تم تأسيس الجمعيات عام 1860 حتى وصل عام 2005 إلى 6000 جمعية مسجلة.

فيما المجتمع المدنيّ،عبارة عن مصطلح، إستخدم بكثرة مؤخراً، لم يظهر إلا بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، بحسب الباحث طلال عتريسي، إلا أن الباحث أديب نعمة يرى أنه ظهر منذ ما قبل 150 عاماً. وكان البعض قد أطلق عليه إسم القطاع الثالث أيّ ما بين العام والخاص. ولا هنا بد من التمييز بين “المجتمع المدني” ومنظماته.

التمويل

لعبت الجمعيات ذات الطابع التنمويّ خلال الحرب دوراً هاماً على صعيد تمكين الناس، فساهمت بتوفير الخدمات. ورغم أنّ عددها لا يتعدّى الـ100، إلا أنّها لعبت دوراً في تقديم الخدمات الصحيّة والتربوية والتدريب والتمكين.

يوفّر الاتحاد الإوروبي والمنظمات غيرالحكومية الدوليّة مصدر تمويل هام لها؛ رغم أنّ حوالي 400 جمعية و90 مؤسسة رعاية تحصل على حصتها من وزارة الشؤون الإجتماعية. ويُصرف ما بين 70 – 80% من إجمالي موازنة الوزارة على الجمعيات والمؤسسات الرعائية، إضافة إلى التبرعات والزكاة، خاصة تلك المرتبطة بالطوائف.

التميّز

المجتمع المدنيّ ليس له تعريف نهائي، ولا يمكن حصره لأنّ البعض يُدخل فيه الجمعيات الدينية، والعشائرية، والثقافية، والخيرية. وميزة المجتمع المدني أنه يشكّل عامل ضغط على الحكومة، كدليل تراجع سيادة الدولة؛ لأنّ منظمات المجتمع المدني، ظهرت ما بعد الحرب، فكانت تقدّم مشروعها إلى المانح للحصول على تمويل ما يجعلها مرتبطة بالممّول.

وما بعد حراك 17 تشرين، خرج إلى العلن العشرات التي شاركت بالحراك دون أن تقدّم أية معلومة عن أهدافها ومموّليها.

9717 جمعية

وفي لقاء مع محمد شمس الدين، الباحث في”الدوليّة للمعلومات” أكد أنّ “العدد الكليّ للجمعيات هو 9717 جمعية، أمّا التي ظهرت ما بعد 17 تشرين فقد وصلت إلى 140 جمعية”. وبرأيه “العدد عدد ضخم جداً نسبة لعدد سكان لبنان، ومعظمها غير فعّال”.

علماّ أن الظاهر يقول العكس، فثمة أسماء ظهرت فجأة. وكانوا كثراً يتحركون تحت اسم جمعية غير موجودة رسمياً”. ولفت إلى أنّ “العدد الرسميّ لا يدل على حقيقة الأرقام، وهو ما يلاحظه المراقب، فكل يوم إسم جديد، والمُعلن عنه أكثر من المسجّل”.

تغيير الوضع القائم

وعن حقيقة دور جمعيات المجتمع المدني حاليّا في لبنان والتي ظهرت ما بعد 17 تشرين، يؤكد د. علي الموسوي، رئيس جمعية النجدة الشعبية اللبنانية، أنّ “التدخل الاجتماعيّ ظاهرة قديمة جداً. ففي لبنان كانت الجمعيات غيرالحكوميّة قبل العولمة تتوزع بين جمعيات على المستوى الوطني وبين جمعيات أهليّة محلية”.

إلا أنه بعد انتهاء الصراع بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي، “إنتشرت انتقادات لاذعة للجمعيات غيرالحكوميّة، والتي يسمّونها تهكمّاً جماعة الـNGOs، والمشكلة تكمن في النظر إلى المنظمات غيرالحكومية كمنظمات متجانسة”.

ويستنكرالموسوي النظرة التعميمية، ومن أبرز ما يتجاهله هذا التعميم هو أن “الجمعيات الفاعلة وطنيّاً التي نشأت ما قبل النيوليبرالية، ومنها “جمعية النجدة الشعبية” ومثيلاتها، تهدف إلى تغيير الوضع القائم، وأهدافها لا تقتصرعلى قضية واحدة، بل تحدد في ضوء الحاجات، كذلك يشكّل التطوع عماداً لها، مع انتهاجها الشفافيّة والمحاسبة”.

ويتابع “مع هيمنة النيوليبرالية والخصخصة، وفي ظل تزايد نسب الفقر، واشتراط الدول والمنظمات المانحة تقديم الدعم للجمعيات المرخصة، شهد لبنان طفرة ضخمة بالجمعيات غيرالحكومية مما أدّى إلى تشتيت الجهود، واشتراط أجندات خارجية، غير منتجة. كلها عوامل أدت إلى تسليع العمل الإجتماعي وجعله مصدر ارتزاق”. لذا، يؤكد الموسوي أنه “من الضروري التمييز بين الجمعيات غيرالحكومية، وعدم النظر إليها كوحدة متجانسة”.

ويختم “الجمعيات غيرالحكوميّة محكومة بعملها بين “الرهبنة” و”الشيطنة”؛ وإن كانت الشيطنة سهلة البلوغ، خصوصا لدى جمعيات الارتزاق، فإن الجمعيات الأخرى، على قلّتها، لن يبلغ أيّ منها حدّ “الرهبنة” لأسباب جديرة بالدراسة”.

لا أفق سياسي

من جهة أخرى، يرى الصحفي وفيق الهواريّ، أنّه “بعد الانتخابات النيابية عام 2018 بدأ الوضع في لبنان يسير نحو الانهيار السياسيّ والماليّ والإقتصاديّ. فأزمة العلاقة بين اطراف نظام المحاصصة إلى مزيد من الإنقسام، ولا سلطة تقدّم حلولها للمشكلات الإجتماعية”.

بالمقابل، يكشف أنه “لا معارضة جدّية ولا حركة شعبية مستقلة عن الأطراف الطائفية، بل مجموعات ورثت حراك 2015. لذا، ما حصل في 17 تشرين كان انتفاضة قامت بها جماهير يجمعها الخوف على المستقبل. وكان من الطبيعي أن تنشأ مجموعات متعددة لا أفق سياسي مشترك لها، إلى جانب بناء مجموعات تابعة لأطراف السلطة يُمكن استخدامها وقت الحاجة”.

والسلطة، برأيه، “من خلال نظامها السياسي هي في مأزق عدم القدرة على تقديم حلول، والمجموعات المستجدة لا برنامج سياسي موّحد لها”.

فهذه السلطة لم تستطع التوّصل إلى رؤية سياسية موحدة تنطلق منها لتأسيس أغلبية شعبية خارج الطائفية، بحسب الهواري. “لأن كل حركات المعارضة بقيت تشكّل أقليّة وسط النسيج اللبناني. فهذه المجموعات لم تستطع بناء نخبة فعلية لقيادة التغيير”.

ويؤكد أنه “خلال الحرب الأهليّة نشأت جمعيات إغاثية وتبشيرية كل منها تعمل في منطقة تحت سيطرة القوّة الطائفية الموجودة. وهذه المجموعات لم تكن تحمل همّا تغييريا أو توحيدياً لقوى المجتمع. وبقيت مهامها فقط تقديم المساعدات الغذائيّة والصحيّة لجمهور طائفة ما”.

أما “التبشيرية منها، فكانت تسعى من جهة لطرح مفهوم السلام من موقعها الطائفي. وهي تختلف عن المجموعات التي نشأت مؤخراً ذات اللبوس السياسي”.

ضمن قاعدة سياسيّة

وتشرح د. لينا علم الدين، رئيسة مركز الشراكة للتنمية والديمقراطية، أنّ “الجمعيات اللبنانية ليست جمعيات مدنيّة مستقلة، بل إن أكثرها ذات انتماء طائفيّ مما يوفر لها غطاءً لتستفد من الاعفاءات الموجودة، وأكثرها ذات محاصصة طائفيّة”.

وتضيف إنّ “المجتمع المدني ينقسم بين جمعيات دينية، تستفيد من الاعفاءات وتغذية النَفَس الدينيّ- وإن لم يكونوا جميعا هكذا- وتابعة للأحزاب”.

وتتأسف لأن “الجمعيات الحقوقية قليلة، مع عدم استقلاليتها، فكلهم ينضوون ضمن قاعدة سياسيّة. فقبل ثورة 17 تشرين كانت أكثرها، على المستوى السياسي، تقوم بمراقبة أداء الحكومة وتطالب بالمشاركة بالسلطة، لكن خلال الثورة صارت تتهم السلطة بالفساد. لكن اليوم وبعد الثورة، أخذت تطالب بالإصلاحات. فالخطاب تغيّر”.

وتتابع “على صعيد الإقتصاد، وخاصة بالنسبة الجمعيات التي تعمل في إطار التنمية قبل الثورة، كانت تعمل على القضايا التنموية حيث وصلت الى ما يُسمى التنمية المستدامة. لكن للأسف بعد الثورة صار هناك مطالبة بالاغاثة. فأصيبت بالتراجع”.

وتفصّل “فيما يتعلق بقضايا المرأة هناك جمعيات حقوقية معنيّة بقضايا المرأة مع انقسام حول الموضوع، ما بين حقوقية متحررة، ومترددة وخاضعة للنفوذ السياسي، وفاقدة للأمل بالتغيير”.

لكن “هذا الانقسام لم يُوصل لمحل، وهناك من اتجه للعمل نحو الـ”بزنس” ضمن العمل الإجتماعي. لكن خلال الثورة تغيّر الوضع، فالمرأة وضعت قضيتها في اطار الشأن العام”.

ومن الضروري ذكر أن “الجمعيات التي انخرطت بالثورة أصبحت جزءاً منها، وباتت تعمل على تنظيم نفسها لتقديم الخدمات في غياب للمؤسسات”.

وتختم لينا علم الدين “أنّه خلال الثورة ساند الرجل المرأة في المظاهرات، إلى أن وصلنا لأن اليوم لطرح توحيد قانون الأحوال الشخصيّة”.

سلوى فاضل

 

سلوى فاضل

صحافية لبنانية، تحمل شهادة الدراسات العليا في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، تهتم بقضايا حقوق النساء والفتيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى