ميديا وفنون

نشرات الأخبار وثقافة جلد المواطن…من “خليك بالبيت” إلى “سوف تموتون جميعاً”

يجمع العاملون في القطاع الطبّي في لبنان على أنّ عدوى كورونا باتت منزليّة، أي أنّ نظريّة “خليك بالبيت” باتت سيفاً ذو حدّين بعد أن أصبحت البيوت أكبر ناقل للفايروس، وأنّ المعالجة المتأخّرة للوباء لا تجدي نفعاً، وأنّه عندما يفوت الأوان يكون بالفعل قد فات.

في لبنان فات الأوان، ولا تزال نشرات الأخبار ووسائل الإعلام تتعامل مع المشاهد كما كانت تفعل في شباط 2020، حين داهمنا وباءٌ ونحن لا نعرف عن الأوبئة العالميّة إلا ما درسناه في كتب التّاريخ وشاهدناه في الأفلام، لم يخطر ببالنا يوماً أنّنا سنعيش وباءً قاتلاً، سنسعى للنّجاة بأنفسنا، قد ننجو وقد لا نفعل.

لا تزال نشرات الأخبار تتفنّن في جلد المشاهد على قاعدة “من بكّاك بكي عليك”، تتلذّذ بجعله يشعر بالذّنب، وأنّه أطبق على نفس كل مريض خسر معركته مع “كورونا”.
توفي أكثر من مليوني مريض كورونا حول العالم، وليس ثمّة من لفّ حبل المشنقة حول رقبة مواطن، وأمعن في تحميله مسؤوليّة تفشّي الوباء، إلا عندنا، حيث تسود ثقافة البحث عن شمّاعة لتحميلها مسؤوليّة الإخفاق بدل البحث عن حلول.

تشاهد نشرة الأخبار فتشعر أنّنا سوف نموت جميعاً، ثقافة بثّ الهلع على قاعدة أنّ المشاهد عندما يهلع سوف يقوم باتّقاء الوباء، لدرجة أنّ إحدى المراسلات وقفت فوق رأس مريضٍ موصولٍ إلى آلة تنفّس صناعي، وبدأت تسجّل حشرجة الموت عسى ولعلّ تصل إلى المشاهد “البلا مخ” فيخاف ويتّعظ.

أمّا الطّامة الكبرى، فهي تعامل بعض العاملين في الإعلام مع المواطن على أنّه قاصر يحتاج إلى من يمسك يده ويقوده إلى الطّريق الصّحيح، إذ قامت إحدى المراسلات بملاحقة مواطنين كسروا قرار الحجر ليفتحوا محالهم، مورد رزقهم، بعد أن أرغمتهم الدّولة على الإقفال ولم تعوّض عليهم ولو ثمن رغيف خبزٍ، فباتوا أمام خيارين إمّا تحدّي قانون الإغلاق وإمّا الموت جوعاً.

فعلى قاعدة أنّ “ما حدا بيموت من الجوع”، قامت المراسلة باقتحام محالٍ، بعضها أغلق أبوابه وجلس صاحبه خلف الباب المغلق بانتظار زبون يفتح لأجله الباب، “شفتك” تقول له المراسلة وكأنّها اكتشفت البارود، تنتظر من يصفّق لها، هي المستثناة من قرار منع التجوّل، تتجوّل وتمارس عملها وتقبض راتب آخر الشهر كاملاً، ثم تمارس الجلد على مواطن مثلها لا يريد سوى أن يعيل عائلته، ذنبه أنّه ليس من القطاعات المستثناة.

أما المشهد السريالي، فكان مع الزميل مالك مكتبي الذي حوّل قسماً من برنامجه إلى مساحة للتوعية من كورونا. داخل الستوديو وقف يحاور مواطناً خرق قرار الحجر وفتح محلّه، أخبره المواطن أنّ والدته مصابة بالسّرطان، وأنّه يحصّل قوت يومه كل يومٍ بيومه، وأنّ أي إقفال جديد يعني خسارة مصدر رزقه ودواء والدته، وبعد أن قدّم المواطن مطالعته، وقف مالك في موقف القاضي والجلاّد وأخبر المواطن أنّه بذهابه إلى عمله قد ينقل عدوى كورونا إلى والدته المريضة عندها بماذا سينفع الدّواء؟

فات مالك الموجود في الستوديو مع عشرات التقنيّين في حيّز مكاني ضيّق، أنّ كورونا ينتقل في الستوديوهات أيضاً، لكنّ الفارق أنّ مهنة الإعلام مستثناة من الإقفال.

في موقفٍ محرج يقف العاملون في مجال الإعلام، هم ملزمون بتقديم التوعية للمشاهدين، والتوعية تقول إنّ عليك التزام منزلك إلا للضرورة، لكنّهم هم أنفسهم لا يلتزمون منازلهم، ما يجعل من مشهد مذيعة بكامل أناقتها وشعرها المصفف وماكياجها الصارخ، تصرخ في وجه مواطن يلبس البيجاما ملّت منه جدران المنزل وملّ هو المنزل وجدرانه، أن إلزم منزلك لأنّك بخروجك منه تقتلنا جميعاً، مشهداً يحمل كل أنواع التناقضات.
ليس المطلوب من الإعلام أن يقوم بالتخلّي عن واجباته، لكنّ التوعية لا تعني جلد المواطن الذي يعاني ضائقة مادّية، ويقف على شفير انهيار نفسي بدأت تداعياته بالظّهور داخل المنازل المقفلة، يكفي عرض تقارير مع أطباء مختصّين، وعرض لواقع الحال، فهذا وحده يحمل دروساً وعبراً من لم يتّعظ منها حتماً لن يتّعظ من الوعظ المباشر الذي يحوّل المشاهد إلى كائن يدافع عن أخطائه، علماً أنّ وزارة الدّاخلية أخبرتنا أنّنا كمواطنين التزمنا بالحجر بنسبة 95 بالمئة، بالتالي استهتار خمسة بالمئة من المواطنين لا يبرّر هذا الجلد الجماعي. لا شيء أصلاً يبرّر الجلد الجماعي.

إيمان إبراهيم

 

إيمان إبراهيم

صحافية لبنانية، خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. كتبت في شؤون السياسة والمجتمع والفن والثقافة. شاركت في إعداد برامج اجتماعية وفنية في اكثر من محطة تلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى