منوعات

تحويلات حاكم مصرف لبنان المالية إدانة لمافيا الفساد

بشكل لافت، انتشر خبر أوردته وكالة رويترز العالمية نقلاً عن وزيرة العدل اللبنانية، مفاده “طلب تعاون قضائي من السلطات القضائية في سويسرا يتعلّق بتقديم مساعدة قضائية بشأن ملف التحويلات المالية التي تخص حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة”.

وفي رده على هذا الخبر، أصدر رياض سلامة بياناً يؤكد فيه “أنّ كل الإدعاءات عن تحاويل مالية مزعومة قام بها إلى الخارج سواء باسمه أو باسم شقيقه أو باسم معاونته، إنّما هي فبركات وأخبار كاذبة لا أساس لها، وستكون موضع ملاحقة قضائية بحق كل من نشرها وينشرها بقصد التمادي في الإساءة، فاقتضى التوضيح”.

ونلاحظ أنّ الحاكم لم ينفِ أصل الخبر، وهو طلب المساعدة القضائية من السلطات القضائية في سويسرا، وإنّما نفى قيامه بتحويلات مالية. ونحن هنا أمام فرضيتين:

التحويلات جريمة موصوفة

الفرضية الأولى: وهي صحة خبر التحويلات هذه؛ وهي الأقرب إلى الصحة والتصديق، وبذلك نكون أمام جريمة موصوفة ارتكبها حاكم مصرف لبنان، نظراً لطبيعة موقعه والمهام الملقاة على عاتقه؛ ولو كانت القوانين العادية لا تمنع المواطن العادي بنقل أمواله إلى الخارج حتى في ظل الأزمات، وهي من خصائص النظام الاقتصادي اللبناني، والتي حفظها الدستور اللبناني_ ولكن حاكم مصرف لبنان ليس مواطناً عادياً لنحكم على تصرفاته بطريقة عادية.

وبالعودة إلى قانون النقد والتسليف، الذي يجب أن يُحاكم الحاكم على أساسه وبحسب المادة 70، فإنّ مهمة المصرف المركزي وبالتبعية حاكمه: “المحافظة على سلامة النقد اللبناني، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، والمحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي، وتطوير السوق النقدية والمالية”. وبالتالي، يكون حاكم مصرف لبنان قد أخلّ بواجباته الوظيفية في الحفاظ على سلامة النقد اللبناني، وعلى سلامة أوضاع النظام المصرفي خاصة في ظل الأزمة الخانقة والمستفحلة التي يشهدها النقد الوطني والمالية العامة؛ لأنّ هذه الأموال المحوّلة وعلى فرضية شرعيتها، والتي تبلغ ببعض التقديرات الصحفية 400 مليون دولار، كانت لتساهم في القطاع المصرفي لناحية الاستقرار النقدي بسسب زيادة العرض، والسيولة النقدية من الدولارات، وكذلك تغطي حوالي 60% من مجمل الودائع المصرفية.

ولطالما دعا رياض سلامة المواطنين إلى عدم تحويل أموالهم إلى الخارج وإبقائها في الداخل اللبناني، عندئذ تنطبق عليه الآية القرآنية:” لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”. والسؤال المشروع للحاكم: من أين لك هذا؟ وهل يستطيع موظف فئة أولى أن يجمع هذه الثروة بطريقة شرعية طوال فترة وظيفته مهما بلغ دخله؟ هذا إذا نسينا زفاف ابنه الذي كلّف 5 مليون دولار. وإذا كان جواب الحاكم أنّه منخرط بأعمال خاصة، كما صرّح مرة؛ فإنّه بذلك أيضاً يخالف المادة 20 من قانون النقد والتسليف التي تنص على ما يلي:”على الحاكم ونائبي الحاكم أن يتفرّغوا بكليتهم للمصرف، ولا يمكنهم أن يجمعوا بين وظائفهم، وأيّة عضوية نيابية أو وظيفة عامة أو أي نشاط في أية مؤسسة، مهما كان نوعها أو أي عمل مهني سواء كان هذا النشاط أو هذا العمل مأجوراً او غير مأجور، ويحظر عليهم خلال مدة ولايتهم أن يحتفظوا أو أن يأخذوا أو يتلقوا أية منفعة في مؤسسة خاصة”.

دعاوى من قبل الدائنين

الفرضية الثانية: وهي كذب خبر التحويلات. عندها التساؤل الكبير: لماذا جهات دولية مثل سويسرا والاتحاد الأوروبي طلبا من السلطات القضائية اللبنانية القيام بهذه التحقيقات؟ قد يدخل في هذا الإطار، تهيئة الأجواء والتمهيد لاستبدال رياض سلامة، وهي أحد مساعي الرئيس الفرنسي بمبادرته، كالإتيان بسمير عساف مثلا. والخشية أن تكون إثارة الموضوع من قبل جهات دولية، لإثارة الدائنين وفتح شهيتهم لرفع دعاوى أمام محاكم دولية ومنها سويسرا وأهمها محكمة نيويورك، لحجز ورهن أصول الدولة وأملاكها وذهبها، كما حدث مع بلدان عدة أعلنت تعثرها عن سداد ديونها الخارجية.

إنّ الإشكالية الكبرى في هذا الموضوع هي قدرة السلطات القضائية اللبنانية على القيام بالتحقيقات المناسبة كمرحلة أولى؛ حيث أنّ التحقيق يتطلّب معلومات مصدرها مصرف لبنان. وبالتالي من الطبيعي، أن لا يقوم حاكم مصرف لبنان بتوفير المعلومات التي تدينه كما فعل سابقاً، وشركة ألفاريز والتدقيق الجنائي شاهدان على ذلك؛ إضافة إلى أنّ مافيا الفساد بكل أجهزتها وأفرادها المتغلغلة في السلطات كافّة، ومنها القضائية، لن يسمحوا بإدانة الحاكم لأنّها ستطاولهم عندئذ.

وإذا كانت بعض الأصوات تنادي بتحييد حاكم مصارف لبنان عن الصراعات والتجاذبات المحلّية وإخراجه من دائرة المحاسبة، بحجة الحفاظ على سعر الصرف وعدم تدهوره إلى مستويات قياسية تتجاوز العشرات الآلاف، نقول إنّ الأزمة الحالية أثبتت فشل وعقم هذه النظرية؛ إذ حصل هذا التدهور مع بداية الأزمة، ووجود الحاكم لم يقدّم أو يؤخّر شيئاً في هذه المسألة، وهي مرتبطة بقرارات سياسية وعقوبات دولية خارج قدرة الحاكم على الحلّ.

ويبقى المواطنون وحدهم، عند كل قضية، يسألون سؤالهم المشروع والمقلق: “أين ودائعهم المصرفية بالدولار وجنى عمرهم؟”

د. أيمن عمر

 

أيمن عمر

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية له العديد من الأبحاث والمؤلفا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى