مرضى السيدا بين سجناء روميه يستنجدون بـ”أحوال” لإنقاذهم
لم تسلم السجون من وباء كورونا، ومن بينها سجن روميه المكتظ بأكثر من سعته أساساً، فيما الطامة الكبرى هم أصحاب الأمراض المستعصية، الذين يؤثر عليهم الوباء أكثر من غيرهم بكثير؛ هم مرضى يُعدوّن بيئة حاضنة للوباء، ونعني هنا مرضى السيدا، الذين لا يملكون أي مناعة تمكنهم من محاربة أي فيروس بشكلٍ عام وفيروس كورونا بشكل خاص.
ويوجد في سجن روميه عدة سجناء مصابون بالسيدا وحالتهم مأساوية في بلدٍ بالكاد يحصل فيه المواطن النموذجي على أدنى حقوقه، فكيف يكون حال السجين الذي تراه الدولة عبئاً عليها؟
وفيات داخل السجن والضابط “آخر همه”
ليس غريباً على أحد اكتظاظ سجن روميه وفقدان أدنى المعايير الإنسانية فيه، وما انتشار وباء كورونا إلا مفاقمة معاناة على السجناء، وتحديداً أولئك الذين يعانون من أمراضٍ مستعصية، وأحد هذه الأمراض هو السيدا. وقد تواصل أحد السجناء مع موقع “أحوال” مناشداً كل من يستطيع أن ينظر إلى قضيتهم.
السجين م.غ أحد السجناء المصابين بالسيدا دخل الشهر الخامس عشر مضرباً عن تناول دواءه احتجاجاً على الأوضاع في السجن، ومطالباً الدولة والقضاء والمنظمات أن يلقوا نظرة “إنسانية” على أحوال سجناء الأمراض المستعصية، إن كان بتسريع محاكمات أو تخفيض المحكومية أو حتى عفو خاص مع انتشار وباء كورونا. فيما نعى م.غ أصدقاءه الثلاثة الذين توفوا منذ بداية انتشار الوباء وهم ر.ي، ص.د و م.ط، مناشداً المسؤولين بتحكيم ضميرهم.
ويطالب ذوو السجين المتوفي م.ط بتحقيقٍ حول ملابسات وفاة إبنهم، حيث أنه تم تسريحه من المشفى وهو بحالٍ سيئة بالكاد يستطيع الوقوف، وعندما حاولوا مراجعة القوى الأمنية، كان جواب الضابط “أخر همي إذا بيرجع” بكلام نابي، ليتوفى ابنهم بعد هذا التسريح بفترة قصيرة.
غياب المباني وتباطؤ القضاء
رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى أكّد المعلوم بشأن سوء حالة السجون في لبنان، واعتبر أن المشكلة تعود إلى سببين:
أولاً، عدم وجود مبانٍ مهيئة لتكون سجوناً في لبنان، عدا عن سجن روميه الذي يعاني من اكتظاظٍ أكبر من سعته بكثير. ويتم توزيع السجناء على نظارات وسجون صغيرة، وهذا الأمر أدى إلى إهمال السجناء وغياب القدرة على إعادة تأهيلهم.
ثانياً، بطء المحاكمات؛ وهذا أمر يحتاج إلى مطبخٍ قضائي كبير لتسريعها، وعدم استسهال التوقيف من قبل القضاة، والتعاطي بما يقتضي الحال تحديداً أننا في مواجهة وباء كورونا.
أما عن مرضى الأمراض المستعصية، فأكّد موسى أنَّ الإجراءات تكون على قدر المستطاع؛ وقد تم تأمين مكان حجر خاص لهم في حرم السجن، وفي حال تدهورت حالة أحدهم يتم نقله إلى مستشفى ضهر الباشق للمعالجة.
حلول مستعجلة
هناك سعي جدي يجري العمل عليه لتفعيل عمل القضاء من أجل حل أزمة السجون حسب ما يقول موسى، وقد تم التواصل مع مختصين من أجل تسريع المحاكمات، وتفعيل المحاكمات عن بعد؛ ويجري التواصل بين لجنة حقوق الإنسان والقضاء والقوى الأمنية للوصول إلى هدف تخفيض عدد السجناء. وأردف موسى أنَّ هناك فكرة ثانية تقضي بتشغيل مبانٍ حكومية ممكن حراستها أمنياً كسجون، وذلك بسبب غياب الحلول الطويلة الأمد على المدى المنظور، أي السجون النموذجية.
العقلية اللبنانية: عقاب بدون تأهيل
في المقابل، رأى رئيس جمعية عدل ورحمة نجيب بعقليني أنَّ عقلية الدولة اللبنانية بحاجة إلى تغيير، حيث أنها تعتبر السجن هو عقابٌ فقط، بينما يجب أن يكون مركز إعادة تأهيل وتعويض وإعادة دمج بالمجتمع. ” يُرمى السجين في بلدنا ويُهمل ليخرج ويعود إلى السجن مجدداً”. وأكّد بعقليني أنّ نصف السجناء الذين يُطلق سراحهم يعودون بعد فترة إلى السجن، وذلك مرده إلى غياب التأهيل الذي يجب أن يحصلوا عليه في السجن، بل إنَّ الأمر أسوأ بكثير حيث أنَّ العديد من السجناء يدخلون بجنحة بسيطة يخرجون ناقمين على الدولة والمجتمع فيرتكبون جرائم كبرى. ورأى رحمة أنَّ المواطن في لبنان بالكاد يحصل على أيٍ من حقوقه، “فلن يهم الدولة حق السجين”.
حقٌ المسجون على الدولة
رغم أنَّ المسجون يفقد حقوقه المدنية، إلا أنَّ له حقوقاً على الدولة أيضاً وذلك حسب المعاهدات والقوانين الدولية، يقول بعقليني. وأول هذه الحقوق هي البئية الصحية، مأكل ومشرب وطبابة وبيئة نظيفة، وهذا ليس متوفراً في السجون أو النظارت التي تستعمل بسبب الاكتظاظ الكثيف، بل إنّ حال السجون يرثى لها.
أما عن السجناء ذوي الأمراض المستعصية، فيؤكد بعقليني أنَّ حالهم في السجون سيئة، بل أحياناً لا يتوفر دواؤهم، ناهيك عن التمييز فيما بينهم من الدولة تحديداً؛ ويعطي مثالاً، مرضى السيدا؛ حيث لا يتم تقبّل حالتهم كأنهم أرادوا أن يصابوا بالمرض، و”هذا مرده إلى الذهنية الخاطئة وقلة الوعي”. أمَا من جهة تخفيض العقوبة على السجين المريض، فيؤكد بعقليني أنه لا يمكن أن تطبق على كل السجناء بل يجب درس الحالة من قبل الطبيب المختص، وعندها يتم تقديم طلب حسب حالة السجين.
الجمعيات تحاول أخذ دور الدولة ولكن
يرى بعقليني أنَّ الدولة تعرف ما هو المطلوبٌ منها لتحقيق الحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان حتى لو كان سجيناً، ولديها كامل الإمكانيات، ولكن تغيب عنها الإرادة؛ ولولا ضغوطات المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية لكانت الحال أسوأ بكثير، وكانت حقوق الإنسان لدينا منتهكة تماماً. ويؤكد بعقليني أنّ المجتمع المدني يحاول قدر المستطاع، مثلاً لجمعية عدل ورحمة نشاطات عديدة حيث تدخل السجن وتتابع مع السجناء وتحاول إعادة تأهيليهم قدر المستطاع، وأيضاً تملك مركزاً لسجناء انتهت محكوميتهم، ولكن لفظهم مجتمهم ولا يملكون مكاناً ليعيشوا فيه، فيتم استقبالهم ويجري العمل على إعادة تأهيلهم من قبل أخصائيين وتأمين نشاطات عديدة لهم، مثل الزراعة والموسيقى.
وتمنى بعقليني على المسؤولين تحكيم ضمائرهم واحترام كرامة الإنسان، الذي حتى لو ارتكب خطأ ما يخضعه للعقاب، يُفترض الحفاظ على حقوقه وعدم تجاهلها.
بدأت بعض الدول باستعمال مصطلح مركز إعادة تأهيل بدل السجن، وذلك للدلالة على أنَّ الهدف هو إعادة دمج المرتكب بالمجتمع وليس العقاب الغوغائي؛ ولكن في لبنان ما زلنا لم نصل لمرحلة السجن حتى، حيث أنّ ما لدينا هي مراكز عقابٍ أشبه بالمخيمات النازية، تفتقر لأدنى المعايير الإنسانية. ومع بطء القضاء وغياب نظام الكفالة المتطوّر، ومع الكباش السياسي الذي يمنع تحقيق العفو العام، لا يبدو أنَّ هناك حلولاً بالأفق. وهذا أمر مأساوي تحديداً مع انتشار وباء كورونا وتحديداً للسجناء الذين يعانون من أمراضٍ مستعصية. إذ يبدو أننا بحاجة إلى جيمي كريكت (الصرصار ضمير بينوكيو) ليوقظ ضمائر المسؤولين في لبنان.
محمد شمس الدين