منوعات

لبنان ما بين الأميركيين والفرنسيين والروس: ماذا يحمل العام الجديد؟ 

لم يكن لبنان من الأولويات الروسية في السنوات الماضية. كانت موسكو تنشغل بالمواجهات العسكرية داخل الساحة السورية، ولا تكترث بما يجري في لبنان رغم أهمية موقعه الجيوسياسية في الإقليم.

ينبع عدم القلق الروسي من وجود قوى لبنانية تُجهض مشاريع الإرهاب -التي تهدّد مصالح روسيا أيضاً- في بلد معقّد التركيبة. في المقابل، كان الأميركيون يبنون أكبر وأهم السفارات لواشنطن في العالم العربي في لبنان، بعد سفارتهم في بغداد: هي إشارة تدلّ على اهتمام الولايات المتحدة بتلك المساحة في حوض شرق المتوسط، لاعتبارات أهمها وجود إسرائيل على تماس مع لبنان، وازدياد قوّة المقاومة اللّبنانية التي باتت  فعاليتها عابرة للحدود. توالت العقوبات الأميركية بحق شخصيات ومؤسسات لبنانية تُكمل ما تقوم به واشنطن بحق السوريين والإيرانيين والروس وغيرهم من شعوب وعواصم فشلت الإدارة الأميركية في تدجينهم. لكن ماذا بعد؟.

لن يكون لبنان في عهد الإدارة الأميركية الآتية على ذات الجدول الترامبي. لا يبدو أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيعطي لبنان ذات الاهتمام الترامبي. بالكاد سيهتم بايدن بالساحات العربية الكبرى وأساسها العراق، لانشغاله بأزمات داخلية سياسية وأمنية وصحية واقتصادية في زمن الأزمات الكبرى.

لكنّ المؤشرات تفيد أنّ واشنطن البايدنية ستضايق روسيا في أي ساحة دولية. تشعر موسكو عملياً أنّ الضغوطات التي كانت تشنّها إدارة ترامب على الصين ستنتقل مع إدارة بايدن ضد موسكو التي تتهمها الدولة العميقة في الولايات المتحدة بأنّها دعمت ترامب منذ الانتخابات الرئاسية السابقة.

من هنا يعتقد المطّلعون أنّ روسيا تسعى لتوسيع دوائر الأمان في كل مساحة وصل نفوذها إليها، وفي الطليعة سوريا التي تحوّلت إلى ساحة سباق ورسائل وتصفية حسابات دولية. أمّا لبنان الذي يُعتبر الحديقة الأمامية للجمهورية العربية السورية، فسيكون محطّ اهتمام روسي بدأ عملياً بتسلّم السفير الجديد الكسندر روباكوف مهامه في بيروت، لمواكبة أي مستجدات سياسية، واستطلاع المسارات الاقتصادية للتدخّل في اللّحظة المناسبة وتفعيل اتفاقيات النفط المجمّدة. وعند سؤال الروس عن لبنان، يؤكدون أن بيروت باتت على جدول الاهتمامات الروسية، من دون ذكر أية تفاصيل أو معلومات.

فأيّ ترتيب لهذا البلد على جدول أعمال الإدارة الأميركيةأيضًا؟

في الانتظار، يقول المقرّبون من واشنطن أنّ كلّ الإدارات تتوارث مسارات دبلوماسية معيّنة في التعامل مع دول عادية، لكن لبنان سيفرض نفسه على جدول أعمال بايدن لاحقاً بسبب موقعه الجيوسياسي، وتماسه مع إسرائيل، والتصاقه بسوريا، وسباقه مع تل أبيب حول حقول الغاز الحدودية في جنوب لبنان، ووجود بيئة حاضنة لمشاريع إسلامية متطرّفة.

لذا، سيبقى لبنان على جدول الاهتمامات الدولية، لكنّ التقارب الفرنسي البايدني، سيعزّز فكرة تلزيم الإدارة الأميركية لبنان للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان بدأ مهامه في بيروت: فهل ينتظر الفرنسيون أيضاً وصول بايدن إلى البيت الأبيض لفرض حلول لبنانية تمنع الانهيار الشامل في هذا البلد؟

الروس لا يعارضون أي دور فرنسي، لكنّهم سيراقبون مسارين: الاستثمارات في حقول الغاز، و دور لبنان الإقليمي وتأثيره على سوريا: لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة الاتجاهات. لكنّ الربع الأوّل من العام الجديد سيكون كافياً لرصد المسارات واتخاذ القرارات من واشنطن إلى موسكو وما بينهما من فعالية فرنسية في لبنان.

 

عباس ضاهر

 

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى