عنصرية طاغية بحق اللاجئين السودانيين وأسرهم في لبنان
حالة مزرية تلك التي يعيشها طالبو اللجوء السودانيون وأسرهم في لبنان. فعدا عن عدم قدرتهم على توفير أدنى مقومات العيش الكريم إلا بشق النفس، فهم يعانون من عنصرية مفرطة يمارسها عليهم بعض اللبنانيين من مواطنيين عاديين ورسميين. وتزداد المشكلة تعقيداً مع عدم قدرة هؤلاء على إيصال صوتهم إلى الجهات التي من المفترض أن تخدم قضاياهم، وتعطيهم حقوفهم كاملة؛ لذلك تراهم يلجأون بين الفينة والأخرى إلى الإضرابات والإعتصامات أمام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة في بيروت المعنية بشؤون اللاجئين، علّ ذلك يتمخض حلاً لمشاكلهم الكثيرة، التي نتجت عن اضطرارهم لترك بلادهم بسبب الحروب وسياسة الجهل التي مارستها عليهم الحكومات السودانية المتعاقبة بحسب إفادتهم.
من غرفة المحرّكات الى غرفة الكفيل
إلى لبنان جاء “سعيد” من السودان عام 1993، هرباً من الحرب التي اجتاحت مساحات واسعة من بلده أولاً، وبسبب آرائه السياسية ثانياً. في لبنان اعتقد سعيد أنه سيجد الأمن والأمان والمعاملة الحسنة، ولكن سرعان ماخاب أمله. ويقول لـ “أحوال”: اعتقدت أنني سأجد هنا حياة أفضل، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً. هناك أشخاص في لبنان لا يحتملون وجود الفقراء من غير جنسيات بينهم، ويتعاطون معهم بفوقية، ويحاولون استغلالهم أبشع استغلال.
طريق طويلة وشاقة قطعها سعيد، قبل وصوله الى بيروت. البداية كانت من اللجوء الى إحدى العصابات التي تمتهن تهريب الأشخاص. “أربعون يوماً أمضيناها في الصحراء الفاصلة بين السودان ومصر؛ الجمال كانت وسليتنا للإنتقال وسط الصحراء؛ ومحطتنا الأولى كانت في القاهرة قبل أن يتم نقلنا إلى ميناء الإسكندرية”. ويتابع سعيد، من هناك تم تسفيرنا إلى اللاذقية في سوريا بواسطة سفينة شحن؛ وتم حشره في غرفة المحرّكات ومعه عشرين من رفاقه، حيث استغرق الوصول الى ميناء اللاذقية مدة ثلاثة أيام.
“في اللاذقية كانت المعاناة أشد وأصعب”، يضيف سعيد: ثلاثة أيام أمضيناها داخل أحد المستودعات على رصيف الميناء في ظلام دامس قبل أن يقوم المهربون بنقلنا إلى منطقة على الحدود اللبنانية السورية بواسطة شاحنة لنقل البضائع جرى اخفائنا في داخلها.
وصول سعيد إلى لبنان كان عن طريق منطقة وادي خالد سيراً على الأقدام وسط مسالك جبيلة وعرة، وفي ظل طقس عاصف، فيما كانت طرابلس محطتهم الأخيرة قبل الانتقال الى بيروت. “دبروا حالكم”، قال لهم زعيم عصابة التهريب بعد أن أخد كل ما لديهم من أموال بعد ايصالهم. ويضيف سعيد، الصدفة وضعت في طريقنا أحد الشبان السودانيين في طرابلس الذي قام بتأمين عملية انتقالنا الى بيروت بسيارات أجرة.
عمل سعيد في بيروت في أحد المحال التجارية الكبرى، في البداية كعامل تنظيفات بأجر قدره عشر دولارات في الأسبوع. شتائم وعبارات مهينة هي تلك كان يسمعها يومياً من مديره في العمل بحسب ما يقول: “نظف هون يا أسود” ليش مش منظف هونيك يا سوداني… ياحمار” .
معاناة سعيد تفاقمت مع إلقاء القبض عليه على أحد الحواجز الأمنية بتهمة الدخول خلسة إلى الاراضي اللبنانية. “في المخفر حضر شخص لا أعرف من أحضره وقام باصطحابي بعد أن أعلن استعداده لكفالتي”. مع خروج سعيد من المخفر، بدأ فصل آخر من فصول المأساة؛ إذ تم احتجازه من قبل الكفيل في غرفة في أحد المكاتب في منطقة حي السلم، واشترط الكفيل أن يدفع له ألف دولار أميركي لإطلاق سراحه إدعى أنّه دفعها عنه، مهدداً بإعادته إلى المخفر في حال رفض. بقي سعيد محتجزاً داخل المكتب لمدة عشرة أيام، حتى تمكّن رفاق له من أعضاء النادي السوداني في بيروت من تأمين المبلغ.
معاناة سعيد، والذي يعمل اليوم ناطوراً في أحد الابنية في “انطلياس” لم تقتصر فقط على السلطات اللبنانية، بل مع مكتب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بيروت، والتي تقدم منها بطلب لتسوية وضعه كلاجئ؛ لكن هذا الطلب تم رفضه بعد سنتين من الانتظار، وذلك بالرغم من كل المبرّرات القانونية التي ساقها لحصوله على هذا الحق. والسبب في ذلك أن لبنان غير منضم إلى اتفاقية جنيف التي عقدت عام 1951 والمتعلقة بنظام اللاجئين السياسيين.
إلى ذلك، أعلن مكتب المفوضية استعداده لإعادته إلى السودان وتعويضه بمبلغ 200 دولار اميركي؛ عرض كان من المستحيل قبوله، فهو يطالب بمعاملته كلاجئ سياسي؛ والنتيجة أنّه ما زال عالقا في لبنان و”يده على قلبه” من أن يتم توقيفه مرة أخرى.
الأطفال أيضاً معنفون عنصرياً
لا تختلف قصة عفاف السيدة السودانية التي حضرت إلى لبنان عام 2003 كثيراً عن قصة ابن بلدها سعيد. وهي أتت إلى لبنان بنفس الطريقة التي قدم فيها سعيد تقريباً.
في لبنان، تعرّفت عفاف على أحد أبناء بلدها وتزوجته وأنجبت منه ثلاثة أطفال. بعد خمس سنوات من الانتظار حصلت عفاف على بطاقة “اعتراف كلاجىء”، وهي بانتظار ترحيلها مع عائلتها إلى بلد أوروبي أو أميركي. عنصرية بامتياز هي المعاملة التي يتلقاها أطفال عفاف في المدرسة بحسب قولها. فابنها الصغير أصيب بأزمة نفسية، وبقي مدة في البيت رافضاً الذهاب إلى المدرسة؛ و السبب هو التعنيف اللفظي والمعنوي الذي كان يتعرض له من أحد الأساتذة، والذي كان يجد لذة في نعت الطفل “بالقرد الإفريقي”.
الشكوى التي تقدمت بها عفاف لإدارة المدرسة لم تأت بنتيجة، بحسب قولها. “أجابتني مديرة المدرسة: إذا مش عاجبك شيليون من عنا”. أكثر من عام أمضاه طفل عفاف في البيت رافضاً الاختلاط مع أطفال من غير لون بشرته؛ فيما تطلبت عودته للدراسة نقله إلى مدرسة أخرى.
أفضلية التوطين للأكثر حاجة
المديرة الإعلامية لمفوضية اللاجئين في لبنان والتابعة للأمم المتحدة، ليزا ابو خالد قالت لـ “أحوال”: يؤثر الوضع الراهن الذي يمرّ به لبنان على جميع السكان، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفًا، إضافة إلى اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، الذين يتأثرون بشدة كبيرة . وأضافت، “يواجه اللاجئون والمهاجرون السودانيون في لبنان العديد من التحديات، ويتم مناقشة ومتابعة وضع كل واحد منهم على حدة وبصورة دائمة. وأردفت، أثر تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي على جميع اللاجئين في لبنان، بغض النظر عن الجنسية أو البلد الذي ينتمون إليه في السنوات الأخيرة. إضافة إلى ذلك، كان من الصعب على بعض اللاجئين الحصول على إقامة قانونية، الأمر الذي يعرضهم لمخاطر متزايدة كالاعتقال والاحتجاز.
وأشارت أبو خالد إلى الدور الذي تقوم به المفوضية UNHCR وشركاؤها في مساعدة أطفال اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين على الإلتحاق بالمدارس الحكومية اللبنانية، لافتة إلى أنّ المعيار الوحيد لتقديم إعادة التوطين يقوم على قاعدة الأكثر حاجة؛ حيث يتم إعادة توطين اللاجئين السودانيين كباقي الجنسيات الأخرى. ولفتت إلى أنه بالرغم من القيود المفروضة سنويًا، وبمساعدة من المفوضية وشركائها، يغادر الآلاف من اللاجئين الأكثر حاجةً، ويتم إعادة توطينهم في بلدان مثل أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأستراليا. وفي السنوات الأخيرة، انضمت عدة دول أخرى إلى هذا العمل.
لبنان ملزم بتقديم الرعاية والحماية
بدورها، شرحت المحامية الدكتورة ريما شهيب الوضع القائم؛ وقالت لـ “أحوال” : لبنان هو عضو مؤسس في جمعية الأمم المتحدة، وينص الدستور اللبناني بشكل واضح في مقدمته على احترام لبنان للمواثيق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذي أقر في المادة الرابعة عشرة منه بحق كل فرد التماس ملجأ في بلدان في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد.
شهيب أشارت أيضاً إلى عضوية لبنان في الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي تحدد من هو اللاجئ ،ونوع الحماية القانونية التي يتمتع بها والمساعدات والحقوق الاجتماعية التي يجب أن يحصل عليها من الدول الأطراف الموقعه على هذه الاتفاقية. وعليه، فإنّ لبنان من حيث المبدأ يجب أن يلتزم تجاه اللاجئين السوادنيين بتطبيق جميع بنود هذه الاتفاقية. وتبعاً لذلك، يقع على لبنان عبء الإستضافة وتأمين ما تفرضه عليه الاتفاقيات الدولية الخاصة بشؤون اللاجئين. وأضافت شهيب، من حيث المبدأ العام للقانون الدولي، تلزم المعاهدات النافذة الأطراف فيها، التي يتعيّن عليها أن تطبقها بكل حسن نية.
هذا، ويعتبر لبنان الذي صادق على اتفاقية اللاجئين مجبراً على حماية اللاجئين المتواجدين على أراضيه وفقاً لشروط هذه الاتفاقية.
نبيل المقدم