منوعات

العصر الذهبي لـ”الروبوت”.. هل سيعيد الدول “النامية” أعوامًا إلى الوراء أم سيكون ملاذها للنجاة؟

ترافقت مع ظهور جائحة كورونا، حالة إغلاق تام على مستوى العالم، بهدف حماية الجنس البشري من “فيروس” لم يجد له الطب علاجًا جذريًّا حتى اليوم، الأمر الذي دفع الشعوب للبحث عن إمكانيّة تأمين عمل بديل تتوفّر فيه إمكانيّة آدائه “عن بُعد”.

وفي سياق البحث عن أعمال بديلة، بدأت شعوب العالم تجنح نحو ابتكار أساليب تكنولوجيّة، تُساعد التجّار منهم على تصريف منتجاتهم، وتُساهم في تشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة لبيع خدماتهم، إذ بدت وكأنها تخطو نحو سياسة تسويقيّة جديدة، تُنافس من خلالها كبار أصحاب رأس المال في الأسواق، أملًا في الحدّ من “الفردانيّة” التي طالما كانت بابًا للاحتكار والاستغلال. فهل يصطحبنا عالم “الأونلاين” إلى نظام اقتصاديّ أكثر عدالة وديمقراطيّة؟ أم أنَّ “الروبوت” يدخل عصره الذهبي ويشكّل بذلك خطرًا على الكثير من المهن الإنسانيّة، في ظلّ عالم تسيطر عليه سلطة المصالح والمال؟ وماذا عنه في الدول العربيّة التي لا تؤمّن حكوماتها الحد الأدنى من البدائل المعيشيّة والخطط الحمائيّة والتنمويّة والإنقاذيّة لمواطنيها؟

الناشط السياسي والخبير في مجال التنكولوجيا، علاء الصايغ، يوضح لـ”أحوال” أنَّ التحوّل الرقمي بدأ منذ عام 2010، وكان حجر أساس للعديد من الصناعات والمجالات، لافتًا إلى أن شركة WeWork على سبيل المثال، تقوم بتصميم وبناء مساحات مشتركة وخدمات افتراضيّة ومكتبيّة لأصحاب المشاريع والشركات في وقت واحد، وفي حين كانت تمتلك تلك الشركة نحو 5000 موظّفًا في أكثر من 280 موقعًا، موزّعين على 32 دولة، أعلنت في يناير 2019 ابتكارها مساحات عمل مفتوحة لأصحاب المهن الحرّة، على أن تتوفّر لديهم الكفاءة وجهاز إلكتروني.

لكنّ المفارقة اليوم هي أنّ العمل آنذاك كان محصورًا بخيار الأشخاص والشركات، أمّا تطوّر Covid19 وفرضه للحجر المنزلي، دفع بعض الشركات لممارسة الاستغلال من خلال الاعتماد على توظيف يد عاملة أجنبيّة “عن بُعد”، أقلّ أجرًا من اليد العاملة المحليّة، والأمثلة ليست خياليّة، بحسب الصايغ، فـ”إيرلندا مثلًا، توظّف هنودًا لتطوير التطبيقات الهاتفيّة، مقابل رواتب لا تغني عن الحاجة فيما لو كان الراتب مخصصًا لمواطن يعيش في البلد”.

مخاوف وإشكاليّات

ويلفت الصايغ في حديثه لموقعنا إلى أنه “نظرًا للتفاوت الحاصل بين الدول لجهة الإمكانيّات والمقوّمات، سنشهد هوّة كبيرة بين الدول المتقدّمة القادرة على مواكبة التحوّل نحو التكنولوجيا، وبين الدول التي لا تمتلك إمكانيّة إنشاء بنى تحتيّة تكنولوجيّة جيّدة كالتبريد والنقل، كما سيكون بإمكان الدول الأكثر ثراءً السيطرة على وسائل الإنتاج كما جرت العادة، ولكن هذه المرّة مع مضاعفة دور “الروبوت” على حساب الشعوب الفقيرة، الذين لا تتوفّر لديهم إمكانيّات “الأونلاين” نفسها، لناحية السرعة والجودة والأنظمة الاجتماعيّة المحيطة بهم”.

وفي هذا الصدد، يتابع الصايغ، “يبرز لبنان مثالًا واضحًا، إذ غابت، في فترات الإغلاق العام، جميع أشكال الرعاية الاجتماعيّة والتقديمات الغذائيّة للعاملين في قطاعات لا يصلح العمل فيها عن بُعد، كقطاعي الزراعة والنقل”، مضيفًا: “هذا إن لم نقارن قدرات الشركات الصغيرة بالكبيرة منها، فهي بالكاد تصمد أمامها شرط اتّباعها لمنهجيّات وآليّات العمل نفسها، وكذلك حجم الأرباح الضخم الذي سيتضاعف لدى الشركات الكبيرة، حين توفّر الكثير من مصاريفها اليوميّة والشهريّة والسنويّة نتيجة تغيّب الموظّفين، الأمر الذي يساعدها على امتلاك قدرات تنافسيّة أكبر بكثير”.

في المقابل، فالتخوّف الحقيقي الذي يطرحه الصايغ في حديثه لـ”أحوال”، يتعلّق بـ”الهيمنة الاقتصاديّة التي ستتعاظم، لأن التنافس لا تحكمه العدالة بل يحكمه تقدّم تكنولوجي منحاز للأكثر قوّة، مشيرًا إلى أنَّ التطوّر الذي كان يتحدّث عنه العلم كحدث ستشهده البشريّة بعد حوالي الـ25 عامًا، بتنا نشهده اليوم بفعل تطوّر الفيروس، فبات البقّال في القرى مثلًا مضطرًا للمشاركة في تسريع عجلة التحوّل الرقمي، من خلال تأمين خدمة “الديلفري”، وقد رأينا هذا النموذج في لبنان، وشهدنا تحوّل منع التجوّل فيه إلى آداة للقهر ولتوسيع المعاناة على الفقراء، بدل أن يكون وسيلة لحماية حيواتهم وصحّتها.

وعلى الضفّة الموازية، تُطرح إشكاليّة القطاعات والمجالات التي لم تشهد هذه الظاهرة سابقًا، وتحديدًا في الدول العربيّة، كقطاع التعليم، إذ استفاض روّاده من الطلّاب وعوائلهم وأساتذتهم، في تقديم الشكوى طوال العام الفائت، بسبب الخلل الذي أصاب الجسم التعليمي.

وضمن هذا السياق، تؤكد المدرّسة والمتخصّصة في تكنولوجيا التربية، جانا نجم، في حديث لـ”أحوال”، أنَّ السلطة اللبنانيّة لم تبذل الجهد المطلوب منها لناحية تدريب الأساتذة على التقويم الالكتروني من جهة، وتأمين البيئة التربويّة اللازمة من جهة أخرى، موضحة أن السلطات المعنية تأخّرت في طرح منصّة تعليميّة مشتركة، كما أنها حتى اليوم لم تقدّم أي تدريبات منهجيّة للأساتذة بهدف مواكبة هذا الحدث المفاجئ، أملًا بعدم تأثيره سلبًا على المستوى التعليمي أو الذهني للجيل الجديد، كما أن السلطة اللبنانيّة لم تبذل العام الفائت أي جهود تربويّة، لناحية دورها في المساهمة مع شبّان وشابات الجيل الجديد لبناء شخصيّاتهم وقدراتها على التكيّف الاجتماعي، لذا “فنحن نقف اليوم على عتبة خطرة، تحذر من مستوى العمل الذي سيكون بمقدور الجيل القادم تقديمه للبلاد”، وفقًا لنجم.

التعدّي على خصوصيّة الأفراد

وبالعودة إلى الحديث عن سلبيّات تحوّل العالم رقميًّا بشكل مفاجئ، يقول الخبير في مجال التنكولوجيا، علاء الصايغ: “ثمّة مشكلة تتعلّق بخصوصيّة الأفراد، إذ أنَّ التطبيقات سيصبح بإمكانها الحصول على بيانات وداتا الأشخاص، بعد اختراقها لمنازلهم نتيجة عملهم “اونلاين” من أجهزتهم الخاصّة”، لافتًا إلى أنها كذلك قادرة على اختراق خصوصيّة تحرّكات الناس من خلال “عمدان الإرسال”، وعلى اختراق الكثير من الحقوق المحفوظة قانونًا في أوروبا وأميركا، فـ”كورونا ستسهّل اختراقها رغم وجود القوانين”.

هذه السطوة التكنولوجيّة، وفقًا للصايغ، لا يمكن فصلها عن الاقتصاد، فـ”مع توجّه العالم بعد Covid19 نحو انهيار اقتصادي شبيه بالانهيار الحاصل عام 2009، بحسب التقارير، ستُهيمن عليه التكنولوجيا ونرى الصين مثلًا تقف في مواجهة الولايات المتحدّة الأميركيّة، وبذلك سنتحدّث عن منافسة بين الأقطاب، ويكفي أن نحصي فعل الأكثر سلطويّة بينها لإدراك خطر الأقل منها”، سائلًا: “هل نحن سائرون نحو اقتصاد أكثر حريّة وديمقراطيّة من سلطة رأس المال، أم أكثر فردانيّة وسلطويّة واستغلالًا؟”.

الفرص الأساسية على مستوى الشعوب

ولكن في المحصّلة، يبقى الأمل في التغيير موجودًا، إذ وبحسب ما يؤكد الصايغ لموقعنا، قد يكون الانهيار أو الانكماش الاقتصادي فرصة أمام الناس، لاختبار نماذج لم تختبرها سابقًا، قبل تشكّل النماذج الجديدة، خصوصًا أن الموظّف الذي لم يكن قادرًا على امتلاك فرصة خوض تجربة التجارة “أونلاين”، لأنّ عمله، رغم محدوديّة راتبه، يضمن له رقمًا معيّنًا في نهاية الشهر، بينما الآن “وبعد أن اتيحت له فرصة توظيف التكنولوجيا لصالحه، بات قادرًا على الاستفادة من الروابط الاجتماعيّة في بلادنا لخلق تجربة تعتمد على الوسائل التضامنيّة، أملًا في تحقيق استدامة عمليّة له ولغيره”.

وهذا الشكل من أشكال التنظيم، يضيف الصايغ، يُعدّ فرصة لخلق نماذج تعاونية مختلفة لا تقوم على الفردانية، والأمثلة على ذلك كثيرة، حيث كانت صفحة “ازرع” بعد أوّل موجة حجر، فرصة تعرّف من خلالها مئات المزارعين على بعضهم البعض، خاتمًا كلامه بالإشارة إلى أن تجربة التجارة “أونلاين” يمكنها أن تكون فرصة للانتظام والتعاون والانتشار، ما قد يؤسس لنظام اقتصادي آخر، قائم على نماذج اقتصادية أكثر تحرريّة وديمقراطيّة، كما أن توسّع هذا الاقتصاد قد يفرض واقعًا مختلفًا على الحكومات، يكون أكثر عدالة.

تيمة حطيط

تيمة حطيط

كاتبة وصحافيّة لبنانيّة، عملت كمعدّة ومقدّمة برامج ومراسلة في العديد من الفضائيّات العربيّة. ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المهمّشين، وحقوق المرأة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى