كتب د. هشام الأعور – المفتي أحمد بدر الدين حسون: خطاب الاعتدال في زمن الاحتراب

في زمن باتت فيه الأصوات المعتدلة محاصرة بين صخب التطرف وضجيج السلاح، تميز الدكتور أحمد بدر الدين حسون، المفتي السابق للجمهورية العربية السورية، بموقعه الفكري والديني كـ”رجل وسط” سعى إلى تجسير الهوّة بين المذاهب والطوائف، وكرّس خطابه للدعوة إلى السلام والتعايش في بلد أنهكته الحرب.
– المفكر في محراب الاعتدال
لم يكن المفتي حسون فقيهًا تقليديًا يكتفي بإعادة إنتاج الموروث، بل قدم نفسه بوصفه داعية للنهضة الدينية، ترتكز على فهم مقاصدي للشرع، وروحاني يلامس حاجات العصر. دعا إلى تحرير النصوص من الجمود، وأكد أن الإسلام دين الحياة والعقل، لا الانغلاق والتحريم. في معظم خطاباته، برز تركيزه على فكرة “الدين الإنساني”، حيث شدد على أن جوهر الأديان جميعًا هو الرحمة، وأن التقوى ليست حكرًا على دين أو طائفة. ولعل أبرز عباراته التي لقيت صدىً واسعًا كانت:
> “سوريا ليست دولة سنية، أو علوية، أو مسيحية، بل وطن يحيا فيه الإنسان بكرامة، كما أراد له الله.”
– تهديد السلاح للفكر المعتدل
مع تصاعد الأزمة السورية منذ عام 2011، وظهور الفصائل المسلحة ذات التوجهات المتطرفة، تحول المفتي حسون إلى هدف مباشر بسبب مواقفه المناهضة للطائفية ورفضه الانخراط في خطاب العنف. وجهت له تهديدات علنية من قِبل بعض التنظيمات المسلحة التي اعتبرت خطابه “خيانة للثورة”، أو “تطبيعًا مع النظام”.
وربما كانت حادثة اغتيال ابنه “سارية” واحدة من أكثر اللحظات ألمًا في مسيرته، لكنها كانت أيضًا نقطة مفصلية عمّقت من نبرته الصلبة في مواجهة الفكر التكفيري. في إحدى خطبه بعد الحادثة، قال:
> “قتلوا ابني لأنني قلت: إن الإسلام محبة، وإن المسيحية نور، وإن الوطن للجميع.”
التهديدات لم تكن فقط على حياته، بل طالت مؤسسات دينية ورمزية، مما عكس رغبة تلك الجماعات في إسكات صوت الاعتدال لصالح هيمنة فكر الإقصاء.
– بين الدولة والروح الدينية
لم يكن المفتي حسون ناقدًا للدولة من موقع المعارضة، بل ساند بوضوح الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، معتبراً أن ما جرى مؤامرة على وحدة سوريا. هذا الموقف أدخله في دائرة الجدل، خصوصًا في الأوساط التي رأت أن المفتي تخلى عن الحياد الديني.
إلا أن حسون رأى أن دور العالم الديني لا يقتصر على النصوص، بل يمتد إلى صيانة السلم الأهلي، وهو ما دفعه للانخراط في دعم الدولة كممثل للاستقرار في ظل ما سماه “فوضى البدائل”.
– موقفه من الغرب والإعلام
شارك المفتي في عدة لقاءات دولية، خصوصًا في أوروبا، وحاول أن يقدم صورة مختلفة عن الإسلام وعن الواقع السوري. انتقد الإعلام الغربي بشدة، واتهمه بـ”تسييس الدين” وتشويه الحقائق. كما لم يتردد في توجيه رسائل قوية إلى البرلمانات الغربية محذرًا من خطر تصدير الإرهاب إلى أوطانهم.
إن المفتي الدكتور أحمد بدر الدين حسون ليس مجرد رجل دين تقليدي، بل نموذج لعالم أراد أن يمسك العصا من وسطها في زمن لا يرحم التوازنات. دفع ثمن مواقفه غالياً، لكنّه بقي ثابتًا في خطابه، متمسكًا برسالة مفادها أن الدين رحمة، والوطن أكبر من الطوائف، وأن الاعتدال ليس ضعفًا، بل شجاعة نادرة.
وفي زمن تتصارع فيه الفتاوى والرايات، يبقى صوت حسون شاهدًا على أن للفكر ثمنًا، وللاعتدال ضريبة، لا يدفعها إلا من يؤمن بأن النور أقوى من العتمة، مهما طال الليل.