سياسة

من السويداء إلى الجنوب… المسألة واحدة: البقاء

بقلم - د. هشام الأعور

لم تكن مشاهد الحصار والتضييق والاختراقات الأمنية التي تعيشها محافظة السويداء السورية مفاجئة، لمن تابع مسار الحرب على سوريا منذ بدايتها. اليوم، يتعرض أبناء طائفة الموحدين الدروز ، كما تعرض من قبلهم المسيحيون في الموصل والإيزيديون في سنجار، والعلويون في الساحل السوري لمحاولة استنزاف وجودي من قبل بقايا المجموعات التكفيرية، وسط صمت دولي وتواطؤ إقليمي، وغياب شبه كامل لمؤسسات الدولة السورية.

وهنا، في لبنان، يتكرر السؤال العبثي والمشبوه ذاته: متى نزع سلاح حزب الله؟ والجواب، اليوم أكثر من أي وقت مضى: هذا السلاح ليس موضع مساومة، بل هو ضمانة مصير في وطنٍ تتآكله الانهيارات من الداخل، وتترصده الأخطار من الخارج.

إن من يرى في ما يحدث في السويداء مجرد تطور سوري داخلي، يغفل عن فهم جوهر المشروع الذي يستهدف الأقليات في المنطقة، والذي يتغذى على انهيار الدول وتسليح الجماعات المتطرفة، بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي والسكاني لما تبقى من دول الطوق.

في هذا السياق، يصبح سلاح حزب الله – برمزيته وقدرته وتنظيمه – السد الأخير أمام سيناريو التهجير الطائفي والتفريغ السكاني الممنهج. فكما حمى الجنوب من العدوان الإسرائيلي، وكما تصدّى للإرهاب في الجرود، فإنه اليوم يردع أعداء الداخل والخارج معًا، ويحول دون تكرار المأساة التي حلّت بغيرنا.

ما لا تقوله “السيادة” المعلبة

كثيرًا ما نسمع من بعض الجهات السياسية في لبنان خطابات “سيادية” معلبة، تدعو إلى نزع سلاح المقاومة، وكأن الدولة قائمة، وجيشها قوي، ومؤسساتها فعالة! هؤلاء يتحدثون عن السلاح وكأنه عبء على البلاد، فيما هو ما تبقى من كرامة هذا الوطن، وما يمنع تحوّله إلى مشاع أمني وملعب مفتوح لكل أجهزة العالم.

السؤال هنا ليس: “متى نزع سلاح حزب الله؟”
بل: “كيف يُحمى لبنان من مصير السويداء؟ من الذي سيردع التكفيريين؟ من الذي سيمنع التهجير حين تسقط الدولة؟”

الإجابة واضحة: لا أحد، سوى هذا السلاح.

-حين يصبح السلاح دولةً في غياب الدولة

قد يكون سلاح المقاومة خارج المؤسسات الرسمية، لكنه لم يكن يومًا خارج المصلحة الوطنية. في لحظة الانهيار الكامل، لم يغادر الجنوب، لم يُهاجر، لم يتخلَّ عن مسؤولياته. بل وقف في الساحة، مع الناس، يحمي بيئته ويحرس التوازن، ويمنع الانزلاق إلى الفوضى.

أما من يطالبون بنزعه اليوم، فهم إما واهمون، أو شركاء في المشروع الأكبر الذي يريد رأس هذا البلد، بدءًا من تجفيف مصادر قوّته، مرورًا بتركيعه اقتصاديًا، وانتهاءً بإعادة هندسته ديمغرافيًا.

لا حياد في معركة البقاء

ما يحدث في السويداء ليس حدثًا عابرًا، بل جزء من خارطة تُرسم للمنطقة بأكملها، فيها يُمحى الضعفاء وتُفكك الهويات ويُعاد تشكيل الوجود. في هذا المشهد، من يمتلك السلاح يمتلك القدرة على البقاء.

أما لبنان، فإما أن يتمسك بما تبقى له من عناصر قوة، وعلى رأسها سلاح المقاومة، أو يفتح أبوابه لمصير يشبه ما يحدث على بعد كيلومترات منه، في سهول السويداء… وسهول الذبح القادمة.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى