منوعات

اتفاق نفطي قريب مع العراق يوفّر على لبنان 3 مليار دولار

لم تفضِ الاجتماعات الماراثونية التي شهدتها السراي الحكومي طيلة يوم أمس الإثنين إلى قرار واضح وحاسم بما خص رفع الدعم. فالإنقسام والتخبط والضياع ساد الاجتماع الوزاري الموسّع الذي انعقد على وقع الغليان الشعبي في الشارع، حيث  وجّه المواطنون إشارة تحذير للمسؤولين بأنّ رفع الدعم سيقابله انفجار اجتماعي ستمتد شرارته إلى كافة المقرّات الرئاسية والحكومية.

الاجتماع الوزاري الذي ترأسّه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وحضره الوزراء المختصون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونائب الحاكم سليم شاهين، سبقه سلسلة لقاءات تمهيدية عقدها دياب مع عدد من الوزراء بحضور فريق عمله وعدد من المستشارين، ولوحظ أن كل وزير اصطحب معه فريقه الاستشاري والمدير العام في وزارته. فكيف توزعت المواقف والنقاشات؟ وما هو التوجه الحكومي البديل عن رفع الدعم العشوائي؟

طرح الوزراء مجموعة من الإقتراحات على طاولة النقاش تم رفض بعضها سريعاً من قبل رئيس الحكومة، وحُصرت الاقتراحات المقبولة، ووُضعت قيد البحث والدرس على أن تُستكمل الاجتماعات اليوم الثلاثاء بحضور الحاكم والوزراء المعنيين لاتخاذ القرار المناسب كمهلة أقصاها الأربعاء.

وزير الصناعة: لن نقبل برفع الدعم العشوائي

أكد وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حب الله لـ”أحوال” أنّ “أيّ قرار سيُتخذ بمسألة رفع الدعم يجب أن يراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلد، سيما للطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود”. وجزم حب الله بأنّ “حكومة تصريف الأعمال لن توافق على رفع الدعم كلياً وعشوائياً، كما ترفض تخفيض الإحتياط الإلزامي في مصرف لبنان؛ لأن هذا الإحتياط ملك الناس والمودعين”.

كما كشف أنّ “اعتماد البطاقة التمويلية أو التموينية ليس مطروحاً في القريب العاجل”، مؤكداً أنّ البحث يتمحور حول ترشيد الدعم والإستيراد من خلال إختيار لائحة الدعم وفقاً للأولويات من بين السلع والمواد الزراعية والصناعية والغذائية والدوائية. وسأل حب الله  “لماذا استمر مصرف لبنان في سياسة دعم الطبقات الميسورة وذوي المداخيل المرتفعة طيلة العقود الماضية؟ ولماذا نحن كوزراء أو نواب ومسؤولين نستفيد من الدعم؟

وشرح حب الله أنّ الجهود تتركّز حول كيفية رفع الدعم من خلال إيجاد حلول علمية لترشيد استيراد الطاقة والمشتقات النفطية والسلع والمواد الأولية، وكذلك ترشيد استيراد الأدوية من خلال دعم المنتجات المحلية والأدوية البديلة “الجينريك”، والحدّ من استيراد الأدوية ذات التصنيع الخارجي”. كما شدد على أنّ لا حل لمسألة عجز الإستيراد، إلا بدعم الإنتاج الصناعي والزراعي، والإقلاع عن دعم سياسية اقتصاد الإستهلاك والإستيراد”.

وعلم “أحوال” أن كل وزارة تجري دراسة خاصة لإعداد لائحة بالمواد الأساسية والضرورية التي يجب أن يشملها الدعم، على أن تُدمج هذه اللوائح بلائحة واحدة وتُسلّم لمصرف لبنان.

اتفاقية مع العراق لاستيراد المشتقات النفطية

وفي إطار ذلك، كشفت مصادر حكومية مطّلعة لـ”أحوال” أنّ “رئيس الحكومة وفريق عمله يعملون على حلّ عملي وعلمي يراعي الطبقات الفقيرة، ويحافظ على الإحتياطات النقدية في المصرف المركزي”، مضيفة أنّ دياب يحضّر آلية لرفع الدعم تدريجياً وبطريقة علمية ومدروسة وممنهجة، وبشكلٍ لا يؤذي الطبقات الفقيرة، بعيداً عن الخيارات العشوائية التي ترمى في وسائل الإعلام”.

كما كشفت أنّ الخيار المطروح حالياً وبقوة، هو التوجه لعقد اتفاقية مع دولة العراق لاستيراد المشتقات النفطية سيما الفيول؛ ما يوفّر على المصرف المركزي والخزينة اللبنانية حوالي 3 مليار دولار سنوياً، ويمنح المصرف قدرة على الصمود لستة أشهر إضافية”. ولفتت إلى أن دعم الكهرباء يمثل “الثقب الأسود” بالنسبة لمصرف لبنان، إذ تبلغ كلفة استيراده حوالي 2 إلى 3 مليارات دولار سنوياً بحسب سعر النفط عالمياً. لذلك يجري التركيز على إيجاد حل للكهرباء أولاً.

وإذ لم تتضح آلية استيراد النفط العراقي حتى الآن، علم “أحوال” أنّ الإتفاقية عبارة عن عملية تبادل تجاري بين البلدين؛ فإمّا يسدد لبنان الثمن للعراق على شكل أقساط مالية ميّسرة، وإمّا يصدّر منتجات زراعية وصناعية يحتاجها العراق.

وعلم “أحوال” أنّ هذه الإتفاقية تُدرس وتُطبخ على نار هادئة وأُحيطت بالكتمان، كي لا تدخل جهات داخلية وخارجية على الخط وتعمل على إجهاض هذا التوجه كما حصل في وقت سابق.

وأشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إبراهيم الموسوي لـ”أحوال” إلى أنّ “حزب الله لن يسير برفع الدعم مهما بلغت شدة الأزمة وسيواجه أي قرار بهذا السياق”، ولفت إلى “أنّنا نؤيد أي خيار لا يرتّب أعباءً إضافية على كاهل المواطنين، ومن الخيارات المطروحة ترشيد الدعم وتقليص السلة المدعومة من 400 سلعة إلى حوالي 59 سلعة، أي دعم السلع الأساسية للمواطن، وبالتالي تخفيض الضغط على الإستيراد، وتقنين ما تبقى من إحتياطات مصرف لبنان ما يجعلنا نصمد لمدة أطول”. وأوضح الموسوي أن لا مانع من وضع آلية لدعم المحروقات عبر عقد اتفاقيات مع دول نفطية في المنطقة، ورفع دعم البنزين عن أصحاب السيارات المرتفعة الثمن مثلاً أو من يملكون سيارات عدة”.

 

سلامة للوزراء: لم أعد أملك الأموال للدعم

وبحسب ما علم “أحوال”، فإنّ حاكم ​مصرف لبنان​ بدا خلال الاجتماع معظم الوقت صامتاً ولا يعمد على طرح الحلول ولا النقاش، إلا إذا طُلب منه ذلك. فبادر عدد من الوزراء إلى سؤاله عن رأيه في الأزمة وكيفية الخروج منها، لكنه لم يقدم إجابات مقنعة ومتكاملة، بل عرض أرقام كلفة الإستيراد خلال عامي 2019 و2020، التي بلغت 450 مليون دولار شهرياً. كما أبلغ سلامة الحضور بأنّ “المركزي” لم يعد يملك الأموال للدعم سيّما المحروقات، مطالباً الوزراء بتحديد المواد الأساسية والضرورية جداً التي سيتم دعمها.

واشتكت أكثر من جهة مشاركة في الاجتماع من أداء سلامة، وعدم اكتراثه لخطورة الأزمة الوطنية الخطيرة التي يمرّ بها لبنان، خصوصاً وأنه قال كلمته وهمّ بالمغادرة من دون الإدلاء بأي تصريح.

وحمّلت مصادر مشاركة في الاجتماع سلامة مسؤولية الوضع الحالي، داعية إياه إلى إيجاد الحلول للأزمة الناتجة عن السياسات المالية والنقدية والمصرفية المدمّرة التي اتبعها المصرف وحاكمه على مر العقود الماضية؛ وربطت بين تلكؤ سلامة والطبقة السياسية المالية المصرفية التي تحميه، وبين تصعيد الضغوط الاقتصادية والمالية على لبنان وتعثر تأليف الحكومة.

كرامي: نحذّر من قرارات متهوّرة  

وحذّر رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي المسؤولين من اللجوء إلى أية قرارات أو خطوات متهوّرة كرفع الدعم، داعياً إلى البحث عن خيارات وطرق بديلة عن رفع الدعم سيّما عن الطبقات الشعبية الفقيرة، والتي لم تعد تستطيع تحمل أي عبءٍ إضافي. وأكد كرامي لـ”أحوال” أنّ أيّ قرار من هذا القبيل سيؤدي إلى انفجار اجتماعي لا تُحمد عقباه.

محمد حميه

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى