منوعات

ناجي صفير لـ”أحوال”: لبنان ليس دولة مفلسة وهذا مصير ودائع اللبنانيين

مع تزايد المخاوف حول مصير أموال المودعين العالقة في المصارف اللبنانية في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية على أكثر من مستوى وتفشي أزمة سيولة غير مسبوقة في البلاد، يستمرّ حبس الأنفاس مع توالي المؤشرات الاقتصادية السلبية وآخرها تقرير للبنك الدولي أكّد فيه أن لبنان يعاني من ركود شاق وطويل وتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الحقيقي إلى -19.2% في 2020.

ومع عودة ملف الاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان الى واجهة القضايا الملحّة، صرّح الخبير الاقتصادي الدكتور ناجي صفير في مقابلة خاصة لـ “أحوال” أنّ “مصرف لبنان بدأ بالفعل يصرف من الاحتياطي الالزامي، لأنّ حاكم مصرف لبنان كان أعلن منذ شهر ونصف الشهر أنّه ما زال متبقياً من احتياطي المصرف المركزي مليار ونصف مليار دولار، فيما أنّ قيمة الدعم تتراوح بين 400 و435 مليون دولار شهرياً، وبالتالي إنّ مبلغ المليار ونصف المليار دولار نفذ، مع الأخذ في الاعتبار التزامات مصرف لبنان المالية في الداخل. لكننا اعتدنا على عدم شفافية من حاكم مصرف لبنان بعدم إفصاحه عن الأرقام الحقيقية، ففي بداية عام 2019 قال إنّ إحتياطي مصرف لبنان يبلغ 43 مليار دولار، فيما كنّا نقول إنّ لديه 22 مليار دولار، والآن تشير الحسابات بالأرقام الى أنّ الاحياطي الذي يملكه لا يغطّي الدعم. وحين كنا نقول أنّ هناك أموالاً قابلة للاستعمال وأخرى غير قابلة للاستخدام، نفوا ذلك، فيما أنّهم اعترفوا الآن أنّ ما هو غير قابل للاستعمال هو الاحتياطي الالزامي، فهم لا يفصحون عن كلّ شيء ولا شفافية في التعاطي مع اللبنانيين”.

ما هو مصير ودائع اللبنانيين؟

وعن مصير ودائع اللبنانيين في المصارف، يقول صفير: “وفق عملية استنتاجية، التي تجري انطلاقاً من فرضية معينة توصل الى نتيجة محددة، والفرضية التي ننطلق منها هي أنّه لم يعد هناك في لبنان سيولة، وإنّ فقدان السيولة من السوق اللبنانية تختصر مشكلتنا، وسببه عوامل عدة، هي: العجز في الموازنة، الفساد المالي وعوامل خارجية مثل الضغوطات المالية والعقوبات ووقف تبييض الأموال في لبنان وأن يكون سكة تمرّ فيها الأموال. وإنّ فقدان السيولة أدّى الى انهيار الدولار، وبالتالي لن تُحلّ أزمة الناس والودائع في المصارف إلّا إذا عادت السيولة”.

ويؤكّد: “لن تتبخر ودائع الناس، إذ هناك حلولاً، فإذا تعثّر أحد المصارف، يُمكن لمصرف لبنان أن يضع يده على هذا المصرف وينقذ ودائع الناس، فيعمد الى تسييل المصرف واسترداد الأموال، وهذا الأمر حصل سابقاً في انكلترا واليابان وسنغافورة. لكن المشكلة في لبنان لا تكمن في مصرفٍ واحد، بل هناك تعثُّر عام في البلد في السيولة، وبالتالي نحن مجبرون على تأمين السيولة. إلّا أنّ الأموال كحسابات في المصارف لن تتبخر، ولا يُمكن لأحد انتزاعها. ومن الخطأ استخدام مصطلح أنّ لبنان مفلس فهو ليس دولة مفلسة، إذ إنّه يملك موجودات تُقدّر بنحو 400 مليار دولار، يمكنه في أي وقت تحريكها وضخ السيولة في السوق. وبالتالي إنّ لبنان غير مفلس لكي يُفلس الناس والدولة وينهار الجميع. لكن لبنان دولة تُسرَق وبالتالي سُرقت السيولة ويجب إعادتها الى السوق. وطالما أنّ هذه السيولة غير موجودة ستبقى أموال الناس عالقة في المصارف”.

نصيحة لأصحاب الودائع بالدولار

وعن النصيحة التي يمكن أن يوجهها لا سيما لأصحاب الودائع العالقة بالدولار، يقول:” لا أنصح الناس ببيع ودائعهم في المصارف مقابل مبالغ مالية أقل، فحتى لو أنّ الوضع سيء، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ الأموال ستتبخّر، بل إنّها عالقة في المصارف الى أجل غير مُسمّى. وكلّ من يقول عكس ذلك يكون يتحدث وفق غايات سياسية، إذ إننا لسنا في وضع إفلاس لكي تتبخر الودائع”.

حلول للخروج من الأزمة

وعن الحلول التي ما زالت متبقية للخروج من الأزمة الاقتصادية، يقول: ” ما زال هناك حلول، فلا أزمة بلا حلّ، لكن هناك إمّا عدم رغبة في الحلّ أو عدم قدرة على الحلّ، وفي لبنان هناك عدم قدرة على الحلّ لأنّ الطبقة الحاكمة الفاسدة لن ترضى بإجراء الاصلاحات لأنها ستصيبها، كذلك هناك عدم إرادة للحلّ لأنّ أحداً لا يريد في الداخل حلّ الأزمة لأنّه سيُستهدف أيضاً، كذلك لا إرادة لدى الخارج لإنتاج حلّ لأنه يستخدم الوضع الاقتصادي في لبنان للتضييق السياسي، وهذا لا يبرّي المسؤولين اللبنانيين”.

ويضيف: ” الحل الآن يكمن في معالجة العجز في الموازنة وأماكن العجز معروفة، وتكمن في تضخمّ عدد الموظفين في القطاع العام، في الهدر المالي المخيف في انتاج الكهرباء، وفي الفساد الموجود في لبنان “.

ويتابع: ” يجب اتخاذ الإجراءات الآتية: الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتضييق مصاريف الدولة التي لا حاجة اليها من رواتب وأجور ومبانٍ مستأجرة، فهل يُعقل في بلد مثل لبنان أن يبلغ راتب بعض الموظفين في القطاع العام 25 ألف دولار، مثل رؤساء هيئات الاتصالات والكهرباء والنفط. الى ذلك، يجب تكبير حجم الإقتصاد وإقرار “كابيتتال كونترول”، الذي يتحدثون عنه بطريقة خاطئة، فهو ليس منع خروج الأموال من لبنان نهائياً، بل حدّ من هذا الخروج وعلى أمور معينة وبطريقة محددة ولأسباب واضحة، لفترة معينة، وبالتالي يُمكن خلال سنتين أو سنتين ونصف السنة إعادة السيولة المطلوبة بالحد الأدنى الى الإقتصاد اللبناني لكي تعود العجلة الى مسارها الطبيعي”.

ويشرح: “على سبيل المثال إنّ قطاع الاتصالات بين رخصتي الخلوي ورخصة ثالثة، يُدخِل بين 9 و10 مليارات دولار. ولا يوجد أي قطاع اتصالات في العالم بيد الدولة إلّا في لبنان. كذلك، هناك عقارات يمكن بيعها أو استثمارها، لا تُحصى ولا تعد في أملاك الدولة. وبالتالي بين وقف عجز الكهرباء وبيع الاتصالات الخلوية وبيع قطاع الكهرباء، يُمكن تأمين بين 15 و18 مليار دولار للدولة، ما هو كافي للخروج من الأزمة. لكن هذا الأمر سيُواجه ممّن يقول إننا نريد بيع ممتلكات الدولة وهذا كلام فارغ، ومن السياسيين الذين سيتحججون بالأمن القومي، وهي حجة ساقطة إذ بات بالإمكان الآن التجسس إن كانت الاتصالات مع الدولة أو غيرها، فمن خلال مواقع التواصل الاجتماعي دخلت كلّ الدول على كلّ الهواتف في العالم”.

ويعترف: “لكنهم لن يقوموا بهذه الإجراءات، بسبب الذين وظفوهم في الاتصالات والكهرباء، حيث هناك خدمات وتوظيف سياسي. ويُشار الى أنّ 32 في المئة من اليد العاملة في لبنان تعمل في القطاع العام فيما أنّ المعدل العالمي هو 9 في المئة، أي أنّ هناك بين 170 ألف و200 ألف موظف في القطاع العام في لبنان، لا يجب أن يكونوا موجودين، ولا يؤثرون على الانتاجية. ومن خلال الخصخصة سيُصرفون لأن لا عمل لهم، إلّا أنّ المسؤولين اعتادوا استخدام الدولة وسيلةً للإغراء السياسي ولشراء التبعية السياسية”.

رنا أسطيح

صحافية لبنانية، كتبت في شؤون الفن والمجتمع والثقافة في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. قدّمت برامج إذاعية وقامت بإعداد العديد من البرامج الفنية والاجتماعية في أكثر من محطة تلفزيونية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى