منوعات

خمسة ابتكارات رقمية غيّرت رعاية الصحة العقليّة عام 2020

تأتي الصّحة النّفسية اليوم في طليعة حركة الصّحة الرّقمية، إذ تطوّرت بشكل ملحوظ  في وقتنا الحاضر نتيجة تفشّي “كوفيد 19” حول العالم. هذا ما يمكننا ملاحظته من خلال التّحول السّريع إلى القنوات الرّقمية في أنظمة الصّحة النّفسية وارتفاع حجم الطّلب، نتيجة الأزمة الصّحية النّفسية المتوقعة في العديد من البلدان.

التّداعيات الاقتصاديّة والإنسانيّة الكبيرة، دفعت العديد من الدّول إلى  الاستثمار في مجال الصّحة النّفسية، لا سيّما في فترات الاضطراب الاجتماعي والتّوتر الاقتصادي، تماماً كما هو الحال اليوم.  ففي ظلّ الأوضاع المأزومة التي يمرّ فيها العالم، أصبح معظم النّاس يعانون من القلق أو الإكتئاب أو غيرها من الحالات النّفسية، لكن لا داعي للحرج. عندما تكون في أسوأ حالاتك النّفسيّة، فمن حقك طلب المساعدة!

التّكنولوجيا قد تقدّم لك حلاً بديلاً؛ هناك العديد من الابتكارات في مجال الصّحة النفسية قد تساعدك على أن تكون أفضل. وللوقوف على هذه التّطورات إليكم خمس ابتكارات تقنيّة غيرت رعاية الصحة العقليّة في عام 2020.

لعبة إلكترونية: وصفة طبية

أصدرت إدارة الغذاء والدّواء الأميركية (FDA) في حزيران الماضي قراراً تاريخيّاً يصرّح للأطباء بوصف لعبة الفيديو العلاجيّة الرّقمية “EndeavorRx ” للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عاماً، المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بعد خضوع اللّعبة لسبع سنوات من التّجارب السريرية.

العلاج المبرمج في اللّعبة تمّ تصميمه علمياً لتحدّي انتباه الطّفل أثناء العلاج، ما يتطلب منه الانتباه والتّركيز على مهام متعددة في الوقت نفسه.

هذا  القرار أدخل اللّعبة التّاريخ بوصفها أوّل لعبة فيديو يمكن تسويقها بشكل قانوني ووصفها كعلاج في الولايات المتّحدة.

تقنية العلاج بالذّكاء الاصطناعي والهواتف الذّكية

نجحت خوارزميات الذّكاء الاصطناعي باكتشاف العديد من الأمراض النّفسية الخطرة في وقت مبكر، مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وذلك من خلال تحليل أنماط الكلام، وتعابير الوجه عبر تطبيقات الهواتف الذّكية.

واستطاعت خورازميات الذّكاء الإصطناعي في إحدى الدّراسات، من اكتشاف قابلية الإصابة بالاكتئاب على المدى القريب بتحليل سرعة كتابة الشّخص وعدد مرّات مغادرته للمنزل. كذلك، استطاعت تحليل مدى قوة الصّحة النّفسية للمراهقين وكشف مدى قابليتهم للإصابة بمرض الذّهان.

ورغم أن هذه التقنية لن تحلّ مكان الطبيب، إلا أنّها تساعد المريض الذي يحتاج إلى الاستشارة الطبية والمتابعة اللحظية؛  لتواجدها بجانبه على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. فتطبيقات الصّحة النّفسية الدّاعمة للذّكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل Woebot و Wysa تقوم بدور رائع فيما يخص تحسين الحالة المزاجيّة للمريض.

العلاج النّفسي عبر الواقع الافتراضي

أثبتت الدّراسات أنّه يمكن للواقع الافتراضي أن يخفّف من بعض أنواع الرّهاب ويعالج اضطرابات ما بعد الصّدمة، والقلق والتّوحد لدى الأطفال وغيرها، من خلال تعريضهم إلى مصدر الخوف في أجواء افتراضيّة.

وتقدّم تقنيّات الواقع الافتراضي نفسها بديلًا مناسباً  لهذه الحالات، إذ يمكنها أن توفّر العلاج لغير القادرين على الحصول على الاستشارة الطّبية وجهاً لوجه، كما وتُعتبر أكثر فاعلية من الطّرق التّقليدية للتّواصل عن بعد.

ويطوّر المصمّمون تجارباً أكثر تعقيداً لمساعدة النّاس في التّغلب على جميع أنواع الاضطرابات النّفسية، بداية من القلق الاجتماعي وحتى الذّهان مروراً باضطرابات ما بعد الصدمة، مثل ضحايا الكوارث والحروب. كما يُستخدم الواقع الافتراضي في إعادة التّأهيل المعرفي لمساعدة البالغين أو الأطفال المصابين بالتّوحد على تطوير المهارات اللّازمة للاستقلال، مثل كيفية عبور الطريق.

كما وأثبتت هذه التّقنية نجاحاً في علاج الأطفال المصابين بفرط الحركة.

الحبوب الرّقمية

في خبر هو الأوّل من نوعه في عالم الأدوية الصّحية، أعلنت الهيئة العامة للغذاء  والدّواء الأميركية (FAD) موافقتها على حبّة دواء رقمية عام 2017 في إنجاز هو الاوّل طبياً.

وتتيح الحبّة الرّقمية للأطباء رصد مرضاهم في تناولهم للأدوية الموصوفة.

وتقوم الحبّة بإرسال رسالة من أداة الاستشعار فيها إلى لصقة يتم ارتداؤها، تقوم بدورها بإرسال المعلومات إلى تطبيق هاتفي، بحيث يمكن للمريض تتبّع عملية بلع الحبّة على هاتفه الخليوي.

تقنية المتابعة الرّقمية للأعراض

يُعتبر تتبّع أعراض الصّحة النّفسية بشكلها التّقليدي وبالاعتماد على الأساليب الورقية طريقة غير فعّالة. إذ يتّجه العالم اليوم نحو متابعة أعراض المرضى النّفسيين رقمياً. ويسجّل مقدّمو الخدمة هذه الأعراض في سجل صحي إلكتروني، على أن يتمّ تتبّعها عبر الإنترنت من خلال مشاركة بيانات المريض يوميًا، ومن ثم تقوم خوارزمية الذّكاء الاصطناعي بتحليل تلك البيانات لتحديد الأنماط وتنبيه مقدّمي الخدمة لأي أعراض، ما يساعد على اكتشاف المشكلات النّاشئة في وقت أقرب.

 التكنولوجيا ليست البديل عن الأطباء

وعلى الرغم من الطّموح الكبير الذي تنطوي عليه هذه الابتكارات، وفي الوقت الذي يسود فيه تفاؤل واسع النطاق بشأن إمكانية أن تساعد التكنولوجيا في توفير الرعاية الصحيّة بشكل أكثر فعاليّة، هناك أيضا محاذير حيال الانبهار بتطورات الخيال العلمي. وتوضح المعالجة النّفسية الدكتورة رندا البرّاج لـ “أحوال” الى أنّ الألعاب الالكترونية التي تم اعتمادها كوصفة طبية،  تستخدم  المحفزّات الحسّيّة والتّحديات الحركيّة المتزامنة المصممة لاستهداف مناطق الدماغ، والتي تلعب دوراً رئيسياً في وظيفة الانتباه.

وتشير إلى وجود مراهقين أصيبوا بأوجاع في رأسهم وتشوّش في الأفكاربعد التوقف عن اللّعبة.

أما بالنّسبة لتقنيّة العلاج بالذّكاء الاصطناعي والهواتف الذّكية، فتوضح أنّه تم تصميم  تطبيق Wysa للمساعدة على تحدي وتغيير الأفكار والسلوكيّات غير المفيدة.

وفيما يتعلق بابتكار العلاج النفسي بالواقع الافتراضي تقول، تتطلّب عملية تشخيص الاكتئاب مثلاً  طبيبًا ماهرًا ذي خبرة كافية لتقديم تقييم منطقي، اعتماداً على استجابة الشّخص المصاب لمجموعة من الأسئلة التي تُوجّه له.

وتشرح البرّاج، عملية التّشخيص من خلال هذه التّقنية تزداد تعقيداً لأن مريض الاكتئاب يمكن أن يتمتع بشخصية عدوانية أحياناً ومنهم من يرفض العلاج والكلام.

وعن الحبوب الرّقمية تقول، إن هذه التّقنية تفرض سلطتها على الإنسان وتدفعه للعيش في عالمه الافتراضي/ معللّلة ذلك، أنّ المريض الذي يتناول الأدوية عادة أي “الذّهاني” يرفض السّلطة.

واخيراً، بالنسبة لابتكار المتابعة الرّقمية للأعراض، تشدّد البرّاج على أنّ العلاج النّفسي هو مسار يتطلّب استحضار جزءاً كبيراً من التّجارب السابقة التي حفرت علامات في اللاوعي، يتم خلالها  استحضار التّجارب الطّفولية.

وتظهر الأوّليات الدّفاعية اللاواعية عند المريض كالإسقاط التي يستخدمها  للدّفاع عن أفعاله، ويتكلّم عن رغباته اللّاواعية التي من خلالها يهرب الإنسان من واقعه، فكيف يمكن لهذه التّقنيات أن تطال ديناميّة التّنظيم النّفسي الدّاخلي للفرد مثل التماهيات والصّراعات والمآزم النّفسية؟و   كيف يمكنها الكشف عن معاني الأحلام ورموزها؟ هل يستطيع المريض مقاومة هذه التّقنيات كما يقاوم المعالج؟

 

بطبيعة الحال، لا يمكن ولا ينبغي أن تحلّ علاجات الصّحة النّفسيّة التي يقدّمها الذّكاء الاصطناعي محلّ المعالجين النّفسيين أو الأطباء النّفسيين. لا تستطيع هذه التّقنيات بعد كل شيء، التّعبير عن المعاناة الحقيقيّة. يمكن لهذه التقنيات فحص الأفراد المعرّضين لمخاطر كبيرة، مثل أولئك الذين لديهم أفكار انتحارية، ويحتمل أن يتجنبوا السّلوك المدمّر على المدى القصير. لكن على الإنسان أن يعبّر عن صدماته وإزعاجاته ووجعه، أن يعبّر عنها بالتّداعي الحر كما يقول “فرويد” وبالكلمة التي تحرّر الإنسان كما يقول “لاكان”.

 

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى