حقوق

الأزمة تطال الضّمان الاجتماعي وتقديماته في خطر

ماذا يعني أن يتوقّف الضمان الاجتماعي عن تقديم خدماته في بلدٍ لا رعايةَ صحية مجانية ولا ضمانَ شيخوخة للمواطنين فيه؟ ماذا يعني أن لا يتمكّن اللبنانيون من الحصول على الطّبابة والاستشفاء؟ الجواب حتماً لن يكون أقلَّ من كارثةٍ ستُغرق ما لا يَقلّ عن 1,160,000 من إجماليّ الشعب اللبناني، الذي يُصارع داخل حلبةٍ اجتمعت فيها ضدّه كلُّ الأزمات من حياتية ومعيشية ومالية وصحية.

هل تتوقف تقديمات الضمان؟

وصل موسُ الأزمات الى رقبة المؤسّسات الضّامنة وعلى رأسها الضّمان الاجتماعي، الذي عادت قضيتُه وأطلّت من شبّاك خطرِ توقّفِ تقديماته الصحية اعتباراً من مطلع العام 2021. هذا الخطرُ كان حذّر منه المديرُ العام للصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي محمد كركي منذ شهرين، إذا لم تُبادر الدّولة إلى سداد ديونها المتراكمة لصالح الصندوق.

وتحسباً من وقوع الكارثة، إرتفعت أصواتٌ تُحذّر من تداعياتٍ خطيرة على الأمن الاجتماعي واستقراره، ولا سيّما أن حواليّ ثلث الشعب اللبناني يستفيد من تقديمات الضّمان وتحديداً فرع ضمان المرض والأمومة.

 مستحقات الضمان:  4000 مليار ليرة

لطالما تعرّضت قضية الضّمان للإهمال من قبل الدّولة، ما أدى إلى تراكم الدين والمستحقات المترتبة عليها. هذه المشكلة قائمة منذ زمن طويل، والتراكم ليس وليدَ عامٍ أو عامين كما يؤكّد كركي في حديث مع “أحوال”، بل يعودُ إلى ما قبل العام 2003، ما يجعل حجم الدّين يصل إلى حدود 4000 مليار ل.ل مع نهاية العام الجاري؛ يُضاف إلى ذلك المُساهمة القانونية للدولة بنسبة 25% من سلفات المستشفيات المدفوعة (قيمة التقديمات الصحية) والمقدّرة ب/500/ مليار ل.ل ليُصبح إجماليّ المتوجّب على الدّولة سداده /4500/ مليار ل.ل حتى نهاية العام 2020. كلّ ذلك جعل الصّندوق يُشارف على استنفاد قُدرته على الاستمرار في تقديماته الصحية في ظلّ انخفاض الإيرادات والعجز عن تغطية النفقات.

ويطالب كركي أن تُدفَع على الأقل المتوجّباتُ الموجودةُ في الموازنة عن العام 2020، وتبلغ نحو /360/ مليار ل.ل بالإضافة إلى /400/ مليار ل.ل كدفعة من الدّيون السابقة ليصبح إجمالي المطلوب دفعه للصّندوق بحدود /760/ مليار ل.ل.

إشارة إلى أن الدولة ولغاية نهاية العام الجاري لم تُسدّد من هذه المتوجبات سوى مبلغ /50/ مليار ل.ل من أصل 4500 مليار.

تعويضات نهاية الخدمة

مع انسكاب الأزمات الواحدة تلوَ الأخرى فوق رأسه، وفي ظلّ الأخبار غير المشجّعة التي تطلّ برأسها من شبّاك الضّمان الاجتماعي، يقف المواطن على ناصية الحَيرة متسائلاً: ما مصير تعويضات نهاية الخدمة؟

هنا يُؤكّد المدير العام للضّمان “وبكلّ ثقة” أن لا مخاطر على تعويضات المضمونين الموجودة في محفظة الصّندوق وأن هذ المحفظة “مليئة”؛ وعليه، فكلّ من يرغب بتصفية تعويض نهاية خدماته يؤكد كركي أن الضمانَ جاهزٌ لدفعه “حتى ولو تقدّم جميع المضمونين دفعةً واحدة لتصفية تعويضاتهم”.

مبادرة الضمان لإطفاء خسارة قيمة التعوضيات

مع استفحال الأزمة القتصادية وخسارة الليرة اللّبنانية جزءاً كبيراً من قيمتها، خسرت الرّواتب وتعويضات نهاية الخدمة أيضاً من قيمتها. ولكن يبقى لخسارة قيمة التعويضات الأثرُ الأكبر (فقدت أكثر من 80% من قيمتها الشرائية وتحولت إلى فتات قد لا يكفي قوت أيام)، إذ إنها تُعدّ “الخميرة” التي يدّخرها الموظّف لسنيِّ تقاعده.

وتفادياً لهذه الخسارة الكبيرة، يشير كركي الى أن إدارة الضّمان تقدّمت منذ نحو ثلاثة أشهر بمبادرةٍ إلى حاكم مصرف لبنان، تقوم على تحويل تعويضاتِ نهاية الخدمة من الليرة إلى الدولار، ثم سدادها لأصحابها بالليرة وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار(أي ضرب قيمة التعويض بحوالي 2.6).  على سبيل المثال وإذا ما اعتُمد هذا الحلّ، فإن قيمةَ التعويض البالغة 10 ملايين ل.ل ستُصبح 26 مليون ليرة.

وصحيح أن حاكم المصرف المركزي وافق على التدبير، ورغم الأجواء الإيجابية التي يتحدث عنها المدير العام للضمان، إلّا أن الأمر لم يُنفّذ بعد.

ويشير كركي إلى أن الضّمان بانتظار القرار المُزمَع صدوره عن الحاكم بعد دراسةِ الحاكمية كلفة الدعم والمهل الزّمنية والأُسس المُعتمدة، وهل هي بمفعول رجعيّ أم لا، وتحديد مدّة مفعول القرار.

وعلى قاعدة “الكحل أحلى من العمى” لا يجدُ المواطنُ مفراً من القبول بهذا التدبير لتعويضِ جزءٍ بسيطٍ جداً من خسارته في ظلّ تلاعب سعر الصّرف صعوداً والارتفاع المضطرد بالأسعار.

التعثّر في فرع المرض والأمومة

المشكلة في صندوق المرض والامومة وعدم مَلاءته لا بل عجزه، يشرح كركي أنه قديم ومتواتر منذ العام 2003 تقريباً، ويشير إلى أن هذا العجز كان يُغطّى من خلال مدفوعات الدّولة لهذا الفرع. وعندما توقفت الدّولة عن الدّفع إتّخذت الإدارة تدبير الاستدانة من الفوائض الموجودة في فرع نهاية الخدمة وهو مستمرّ حتى تاريخه.

ولكنّ الاستمرار على هذا المنوال لم يعد مُمكناً، فبحسب كركي، وبعد أن استُنفِد هذا الفائض فإنّه لم يَعد بالإمكان الاستدانة منه (من فرع نهاية الخدمة) مشدداً على أن الحلّ الوحيد هو مباشرة الدّولة بسداد الدّيون المتوجّبة عليها.

وهنا، يحذّر كركي أنه في حالِ عدم دفع مبالغَ كبيرة لفرع ضمان الأمومة والمرض، فإن الإدارةَ سوف تجد نفسَها مضطرّة إلى إيجاد بعض الحلول حتى لا تقع الكارثة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  • دفع التقديمات للمضمونين وللمؤسّسات التي تقوم بتسديد الاشتراكات المتوجّبة عليها للضّمان ووقفه عن الممتنعين عن تسديد الاشتراكات والديون.
  • توزيع ما يتمّ جبايته من اشتراكات لفرع ضمان المرض والأمومة على المضمونين لهذا الفرع كما هو مُعتمد في الضّمان الاختياري.
  • وقف التّقديمات الصّحية لجميع المضمونين دفعة واحدة لحين تسديد الدّولة ما يتوجّب عليها من ديون لصالح الضّمان الاجتماعي.

العمّالي: لن نسكُت

يتابع الاتّحاد العمّالي العام هذه الأزمة التي قد تطال نحو 500 ألف عامل يستفيدون من تقديمات الضّمان. وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس الاتّحاد بشارة الأسمر لـ “أحوال” أن الضّمان يقوم بواجباته، لكنّه في المقابل لا يحصل على مستحقّاته. ومن هنا يشدّد الأسمر على ضرورة دفع الدّولة المستحقات المتوجّبة عليها ولا سيّما أن المؤسسات والشركات لم تسدّد اشتراكاتها مستفيدةً من قانون تمديد المهل.

وفيما يحذّر الأسمر من تداعياتٍ خَطَر توقّف تقديمات الضّمان، يؤكّد أن الإتّحاد العمّالي “لن يسكُت” حتى لو اضطُرّه الأمر للنّزول إلى الشارع.

أزمة غلاء أسعار، أزمة دواء، أزمة محروقات، أزمة دولار، أزمة كهرباء؛ واللائحة تطول وقد لا تسعها أوراق، يُضاف إليها اليوم رفعُ التغطية الصّحية لتكتمل مع المواطن اللبناني الغارق في بحر الأزمات من كلّ الجوانب.

منال ابراهيم

 

 

 

 

 

 

 

منال ابراهيم

صحافية لبنانية. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى