ظواهر اجتماعية جديدة بسبب الفقر في لبنان منها الهجرة وبيع الأعضاء
السرقات ارتفعت بنسبة 45 في المئة
حملت سنة 2020 الى اللبنانيين، كل الأزمات والويلات والمآسي، الى حد اعتبارهم أنّ هذه “سنة نحس”، وهم ينتظرون نهايتها علّ السنة الجديدة تحمل معها انفراجاتٍ ما. إلّا أنّ كلّ الوقائع والمؤشرات تبيّن أنّ هذه الأزمات معرضة للتفاقم إن لم يتمّ إيجاد حلول سريعة لها، خصوصاً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية. وتشير آخر الاحصاءات الى وجود أكثر من 220 ألف عائلة في لبنان تحت خط الفقر المدقع، والى ارتفاع الرغبة بالهجرة الى معدلات قياسية تلامس التسعين في المئة توازياً مع زيادة في معدلات الجريمة وخصوصاً منها السرقات بنسبة 45 في المئة…
وما بين المبالغة والقراءة الواقعية للمشهد العام على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، تبقى الأرقام الرسمية هي المؤشرات الأساسية التي باستطاعتها أن ترسم صورةً حقيقية لوضع البلد.
في هذا الإطار يتحدّث الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في مقابلة خاصة لـ “أحوال”، عن الأعداد المتداولة عن نسبة الفقر في لبنان، مؤكداً أنّ “هناك مليون لبناني (220 ألف أسرة) دخلهم لا يكفي لتوفير الحد الأدنى من الغذاء الأساسي، لكنهم لا يعانون الجوع، بل إنّ كمية الغذاء المتوافرة لهم غير صحية وغير كافية”. ويشير الى أنّ “هؤلاء يسكنون في الأرياف من عكار الى بعلبك – الهرمل، وفي الضواحي القريبة من بيروت مثل برج حمود، النبعة، المسلخ، الكرنتينا، صبرا وشاتيلا ومحيط المدينة الرياضية وغيرها من المناطق اللبنانية.. وهذه كلّها بؤر كبيرة للفقر وتضم طوائف مختلفة وخليط من اللبنانيين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة”.
أرقام غير دقيقة للهجرة
أمّا بالنسبة الى هجرة اللبنانيين الى الخارج، حيث يتم التداول بأنّ الآلاف هاجروا خلال هذه السنة، وأنّ هناك أكثر من 360 ألف لبناني قدموا طلبات هجرة في سفارات الدول الأجنبية في لبنان، فيلفت شمس الدين، الى أنّ “الهجرة كانت موجودة دائماً في لبنان، وأنّ المليون و300 ألف لبناني الذين يُقال إنّهم باتوا في الخارج، كانوا يسافرون على مرّ الأعوام الماضية، وبالتالي هذه ظاهرة قديمة، وهي تزيد في الظروف الامنية والاقتصادية الصعبة طبعاً”.
وإذ يشير الى أنّ “هناك ارتفاع في نسبة الهجرة الى الخارج”، يؤكد أنّ “النسبة الفعلية لا يُمكن أن تُحدّد قبل نهاية السنة الجارية، فالمطار مغلق نسبياً كذلك إنّ دول كثيرة لا تستقبل أحداً، وبالتالي إنّ أي حديث عن أرقام الآن هو غير دقيق وغير علمي”.
90 في المئة من اللبنانيين يرغبون في الهجرة
ويعتبر أنّ “الحديث عن هجرة عشرات الآلاف والحديث عن مئات الآلاف من طلبات الهجرة غير دقيق، فهناك رغبة كبيرة في السفر، حيث أنّ 90 في المئة من اللبنانيين يرغبون في السفر والهجرة، لكن الامكانيات غير متوافرة لأنّ عملة الدولار غير موجودة والقدرة الشرائية انعدمت، كذلك هناك مشكلات في الدول الأخرى، ولم يعد أيّ من الهجرة أو العمل في الخارج سهل ومتوافر، فضلاً عن أنّ السفارات لا تسهّل الهجرة”. ويشدّد على أنّ “الرغبة شيء والواقع شيء مختلف تماماً”.
الهجرة غير الشرعية
الى ذلك ظهرت أخيراً الهجرة غير الشرعية، خصوصاً عبر البحر، ووفقا لإحصاءات الامم المتحدة فقد غادر في الفترة الممتدة بين تموز وتشرين الاول الماضي نحو 30 مركباً ضمّت لبنانيين وغير لبنانيين غادروا من لبنان الى الخارج، وغرق البعض منهم، فضلاً عن إيقاف شبكات تهريب ومنع آخرين من الهجرة بهذه الطريقة غير الشرعية.
إلّا أنّ شمس الدين يؤكد أنّ “لبنان لا يشهد ظاهرة هجرة غير شرعية، بل هناك من يسافرون من لبنان الى الدول الأخرى بطريقة شرعية، ثم يغادرون من تركيا أو إندونيسيا أو غيرها من الدول بطريقة غير شرعية”. ويؤكد “عدم وجود ظاهرة كبيرة للهجرة غير الشرعية، بل هناك بضع حالات وإنّ ما شاهدناه أخيراً من هجرة عدد قليل من الافراد لا يصنع ظاهرة”. ويشير الى أنّ “المراكب التي نقلت مهاجرين غير شرعيين، من لبنانيين وغير لبنانيين، لا يتخطى عددها الثلاثة”، مذكراً بأنّ “البحر اللبناني مراقب من القوّات الدولية”.
ظواهر كارثية
أمّا الظاهرة التي تتفاقم جراء الأزمات في لبنان فهي السرقة، ويشير شمس الدين الى أنّ “المقارنة بين الأشهر التسعة الأولى من هذا العام مع العام الماضي، تبيّن أن السرقة ارتفعت بنسبة 45 في المئة، إن لناحية سرقة السيارات أو السرقات الأخرى”. ويقول: “ربما قد نشهد ارتفاعاً في نسبة جرائم القتل أكثر في المرحلة المقبلة نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية”.
من مقايضة الثياب الى بيع الأعضاء؟!
كذلك أدّى انخفاض القدرة الشرائية لدى اللبنانيين الى عودة البعض الى اعتماد “نظام المقايضة”، وهذه الظاهرة باتت شائعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعرض لبنانيون أغراضهم وثيابهم لمبادلتها بمواد غذائية أو حليب و”حفاضات” لأطفالهم. في هذا الإطار، يقول شمس الدين، إنّ “هذه الظاهرة ملازمة لأزمة الفقر، وقد نشاهد أشخاصاً يعرضون بيع أجزاء من أجسامهم مقابل تأمين الغذاء، مثل بيع الكلية، وقد يشترط أشخاص قبض ثمن مقابل تبرعهم بالدم”. ويأمل في “ألّا نصل الى هذا الوضع وأن يكون هناك حلّ سياسي للأزمة وانفراجاً إقتصادياً وألاّ نصل الى ما هو “مخيف جداً”. فحتى الآن هناك مشكلات لكنها ما زالت مقبولة، وهناك تخوُّف من أن تتفاقم”.
رفع الدعم يهدد بفوضى اجتماعية
ويبقى الهاجس الأكبر بالنسبة الى اللبنانيين هو الوضع المعيشي الكارثي الذي قد يصبح أمراً واقعاً إذا اتُخذ قرار رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية، تحديداً الطحين والمحروقات والدواء، ما يهدّد بفوضى اجتماعية بحسب مراقبين، وذلك لأنّ احتياطي مصرف لبنان بالكاد يكفي لبضعة أسابيع. ويؤكد شمس الدين أنّ “رفع الدعم لا يمكن أن يتحمّله اللبنانيون، فهذا العامل مع ارتفاع سعر صرف الدولار يؤدّيان الى انعدام القدرة على تأمين السلع التي ما زال ممكناً تأمينها الآن، وبالتالي سيحصل نوع من الفوضى الاجتماعية التي لا يمكن توقُّع أو تخيُّل تداعياتها”. ويقول: “إذا أصبح سعر “تنكة البنزين” 70 ألف ليرة وتضاعف سعر الدواء خمس مرات وباتت كلفة المواد الغذائية ضعفي أو ثلاثة أضعاف كلفتها الآن، في حين أنّ المداخيل ثابتة إذ إنّ القطاع الخاص لن يزيد الرواتب حكماً، سنصبح أمام ظاهرة خطيرة جداً وستحلّ بنا كارثة لا يمكن توقُّع حجمها”.
في المحصلة، إنّ تعدُّد أوجه الهجرة، إضافةً الى الظواهر الاجتماعية الأخرى، كلّها تؤشر الى “انهيار وطن”، بحسب شمس الدين، ويجب تدارك هذا الانهيار قبل أن يتفاقم أكثر.