منوعات
أخر الأخبار

إكليل الجبل ثروة جمال ومال… أزهار عطرية عاسلة وفوائد لا تحصى

غياب الدراسات العلمية عن فوائده

الغطاء النباتي في لبنان ثروة جمالٍ ومال، لا بل هو الثروة الأهم إذا ما أخذنا في الإعتبار الخدمات الإيكولوجية غير المنظورة: مناخاً، جودة هواء، وتنوعاً حيوياً سِـمَتُه التجدد وعنوانه الإستدامة، فيما ثمة قيمة إقتصادية مباشرة، لا سيما بالنسبة للنباتات والأزهار العطرية والطبية. وإن كان لبنان لا زال متأخراً عن مواكبة التحوّل العالمي نحو الطبيعة، فمردّ ذلك إلى غياب الدولة تاريخياً عن دعم القطاع الزراعي، إذ لا تزال النظرة النمطية سائدة لصالح الاقتصاد الريعي، وها نحن اليوم نعيش تبعات هذا الاقتصاد، كوارث مضت وأخرى استجدت، فيما هَمُّ السلطة تركز في الآونة الأخيرة على استخراج النفط والغاز وتدمير ما تبقى من ثروات طبيعية.

وما لا يعلمه كثيرون أنّ لبنان يُعدّ في المرتبة الأولى من حيث التنوع البيولوجي استناداً إلى مساحته، وثرواته الطبيعية أكبر بما لا يقاس من النفط والغاز، ربما يظن البعض أنّ ثمة مبالغة في تقدير ثروة لبنان الماثلة في مـا تختزن أحراجه وجباله وسهوله من نباتات عطرية وطبية بينها الكثير من نباتات عاسلة.

لا دراسات علمية وافية عن إكليل الجبل

من بين هذه النباتات يأتي “إكليل الجبل” ليتربّع على عرش الأزهار البرية، قبل أن يتصدر البيوت والقصور باعتباره من نباتات الزينة أيضا، إذ “فرض” نفسه في تصميم الحدائق، كونه دائم الخضرة تنبعث رائحة عطرية من أوراقه، ومن كوكبة أزهاره الصغيرة المنثورة كنجوم صغيرة على “سماء خضراء”. ولأنّ ثروة لبنان الطبيعية شبه مهملة، لا نجد إلى الآن دراسات علمية وافية حول “إكليل الجبل” في لبنان والمنطقة العربية، باستثناء توصيفه في الموسوعات النباتية، علماً أنّ ما هو متوافر من معلومات متداولة حول “إكليل الجبل” يندرج في سياق الثقافة الشعبية والخبرات المتوارثة حول فوائده الصحية، وطرق استخدامه في مجال الاستطباب، فضلاً عن أنّه يحتل حيزاً مهماً في مجال تحضير الأطعمة كنوع من المنكهات الطبيعية، لكن أحد لم يعمد إلى دراسته وتوثيقه علمياً في دراسة لبنانية خاصة.

 

إكليل الجبل من النباتات العاسلة

مؤلف دليل “أزهار لبنان البرية العاسلة” وعضو اللجنة الفنية العليا لتربية النحل في لبنان، الباحث عبد الناصر المصري أشار لـ “أحوال” إلى أنّ غياب الدراسات “ربما يكون ناجماً عن إشكالية صعبة متصلة بأسماء الأزهار والنباتات”، لافتاً إلى أنّه تصدى لهذه الاشكالية في مؤلفه.

هذا الأمر يفترض توحيد الدراسات وصولاً إلى الإتفاق على تسمية تلغي الإلتباس بين أنواع الأزهار والنباتات البرية، وتكون مرجعاً وحيداً وموضع إجماع المراكز البحثية في العالم العربي. وبحسب المصري، فإنّ “تشابه بعض أنواع الأزهار والنباتات شكلاً ورائحة يتطلب دراسات علمية وميدانية متأنية”، وأشار إلى أنّه “عثر على أنواع من الزعتر (الصعتر) البرّي غير معروفة في شمال لبنان وتلال بلدة البِنيه – قضاء عاليه”، لا بل وجد “أعشاباّ برية لها رائحة الزعتر تماماً “، منوهاً بأهمية “إكليل الجبل” كنوع من النباتات والأزهار العاسلة في لبنان.

ورأى المصري أنّ ما يُبقي “إكليل الجبل” في دائرة الإلتباس وفرة الاسماء التي يعرف بها، ومنها: حصا البان، الحوران، حشيشة العرب، شاهي العرب، وإكليل النفساء، أما الاسم العلمي، فهو Ros marinus oficinalis ويعرف بالإنجليزية باسم Rosemary.

 

أنواع وافدة من إكليل الجبل

وأشار المهندس الزراعي والأخصائي في علم الحشرات عبد الهادي صعب لـ “أحوال” إلى أنّ “إكليل الجبل نبتة متوسطية، ومعروفة في كافة أنحاء العالم، ولبنان أحد مواطنها، لكن ثمة أنواعاً وافدة إلينا، ربما هي التي تسببت في إبقاء بعض أنواعه في دائرة التخمين، منوهاّ بإكليل الجبل البرّي “الموجود بوفرة في أحراج وغابات لبنان، وهو أقرب ما يكون إلى شجيرة لا يتعدى ارتفاعها المتر، أما الوافد منها فيتدلّى على الجدران ويتمدّد على الأرض ولا يمكن أن ينمو صعوداً. وما يثير الاهتمام أنّ كلا النوعين يتماثل زهراً ورائحة وورقاً إبرياً صغيراً، متوافراً بكثرة في محال العطارين”.

ولفت إلى أنّ “من أهم الأمراض التي تصيب إكليل الجبل المنّ والفرفور الأبيض وتعفّن الساق والبياض الدقيقي”، لافتاً إلى أنّ “نبتة إكليل الجبل تجذب عدداً كبيراً من الحشرات الـمُلقِّحة كنحل العسل، النحل الطنان، الفراشات وبعض أنواع عث الصقر”.

 

نبات دائم الخضرة

الخبيرة في مجال تصميم الحدائق المهندسة سارة أبو سعيد، قالت لـ “أحوال” “إكليل الجبل نبات دائم الخضرة ويضفي جمالاً استثنائياً وهو سريع الإنبات والنمو”، ولفتت إلى أنّ “إكليل الجبل المتدلي يستخدم في تنسيق الحدائق، أمّا الذي ينمو كشجيرات فيستخدم كنوع من الأسيجة الطبيعية من خلال تقليمه وتشكيله وفق رؤية هندسية معينة”.

وأشارت إلى أنّ “إكليل الجبل يمكن إنباته بسهولة من خلال الـ Cutting أي أن نأخذ غصناً صغيراً (كلخة) ونضعه في الماء إلى أن تظهر جذوره أو غرسه في الأرض مباشرة، فضلاً عن أنّ الأغراس متوافرة بكثرة في سوق الأغراس ونباتات الزينة”، ولفتت إلى ” أنّنا نشهد إقبالاً غير معهود على إكليل الجبل منذ سنوات عدة نظراً لفوائده الصحية وجماله ورائحته المميزة”.

إكليل الجبل… تعويذه للحب

ما تجدر الاشارة اليه هو أنّ نبتة “إكليل الجبل” معمّرة وتمتد بعد زراعتها وتنمو بشكل مضطرد، وتزخر المكتبات بمواد كثيرة عن منافعه، فهو يحتوي على زيت طيار عطري الرائحة، ويتكوّن الزيت من عدة مركبات أهمها سينول Cineole، كافور وبورنيول. كما يحتوي النبات على مواد عفصية ومواد صابونية وأحماض عضوية.

وقد استخدم القدماء نبات إكليل الجبل كعلاج لأمراض الرأس والتنفس والهضم. وقد استخدم أطباء الصين إكليل الجبل مع الزنجبيل خلطات لعلاج الصداع وعسر الهضم والأرق والملاريا.

واستُخدم في القرون الوسطى كتعويذه للحب. فإذا نقر شخص شخصاً آخر بأغصان إكليل الجبل التي تحتوي على زهرة متفتحة، فإنّه من المفترض أن يقع الاثنان في الحب.

وكان “إكليل الجبل” يوضع تحت الوسائد حيث كانوا يعتقدون أنّه يطرد الأحلام السيئة، وكان يزرع حول المنازل بكثرة من أجل دفع شرور السحرة.

في عام 1235 أصيبت الملكة اليزابيث ملكة هنغاريا بالشلل. وكما تقول الأسطورة،  قام أحد المعالجين بنقع رطل من إكليل الجبل في غالون من النبيذ لعدة أيام، ثم دلّك أطراف الملكة حتى شفيت، وأصبح هذا المزيج يعرف بماء ملكة هنغاريا. كما أنّ “إكليل الجبل” كان يستخدم من الخارج للوقاية من النقرس وقشرة الرأس والصلع وأمراض الجلد.

أما الفرنسيون فكانوا يعلّقون “إكليل الجبل” في غرف التمريض وفي المستشفيات كنوع من البخور الشافي. وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت الممرضات في فرنسا يحرقن خليطاً من أوراق إكليل الجبل وثمار العرعر في المستشفيات من أجل تطهيرها.

وأدخل المستعمرون نبات إكليل الجبل إلى الولايات المتحدة، وأوصى أحد المراجع الطبية المسمى The American New Dispensary بأوراق وأزهار العشب وماء هنغاريا لعلاج المشاكل النفسية ومشاكل الحيض والسكتات الدماغية والشلل والدوخة.

 

فوائد صحية لإكليل الجبل

زراعة إكليل الجبل في مدينة عاليه

الخبير في مجال التداوي بالاعشاب طارق أبو الحسن قال لـ “أحوال”: “إكليل الجبل ينشط الدورة الدموية والجهاز الهضمي والعصبي، ويستخدم لعلاج الصداع وعسر الهضم والاكتئاب، كما يمكن أن يستعمل كغرغرة لرائحة الفم الكريهة”. وأضاف: “استخدم نبات إكليل الجبل كحافظ للحوم من التعفن حيث أنه يحتوي على زيوت طيارة مضادة للأكسدة Anti-oxidant”، لافتاً إلى تأثير إكليل الجبل الحافظ يعمل على منع تسمم الطعام الذي تحمله معك أثناء نزهاتك”.

في هذا السياق، تقوم “جمعية اليد الخضراء” منذ فترة بأبحاث ميدانية ومخبرية على “إكليل الجبل” من ضمن مشروع متكامل يستهدف النباتات العطرية والطبية في لبنان، وقال رئيس الجمعية زاهر رضوان لـ “أحوال”: “نعمل منذ نحو أربع سنوات على إنتاج إكليل الجبل في خيم بلاستيكية، لإدخاله في مشغلنا الحرفي في مدينة عاليه، ونعمل من خلاله لإقامة عدة خطوط إنتاج حرفية تستخدم الاعشاب المحصودة بشكل مستدام (بمعنى عدم اقتلاعها من الجذور ومراعاة طرق حصادها والحفاظ)”، لافتاً إلى أنّ “من خطوط الإنتاج هذه، هناك خط خاص بإنتاج خلطات من أهم مكوناتها إكليل الجبل لاستخدامها كمطيبات، فضلاً عن منافعها في إراحة الأعصاب ومواجهة الأرق والإرهاق”.

ورفض رضوان الحديث عن وصفات طبية، منوهاً إلى أن “هذا الأمر منوط بالاختبارات العلمية المتطورة وان كنا نعلم منافعه على الصحة العامة”.

وأشار رضوان إلى وجود نوعين من “إكليل الجبل، الأول ويعرف بـ (المتدلي) وهو غير صالح للأكل”، ودعا إلى التنبه لهذا النوع الوافد (غير المحلي) لأنّ رائحته مشابهة للنوع البلدي، لكن هناك اختلاف بالمواصفات لجهة التركيبة الكيميائية”، ولفت إلى “أنّنا نركّز على إكليل الجبل البري الذي ينبت عمودياً، وهو صالح للأكل ويتم استخدامه كنوع من البهارات في العديد من الاطعمة”. وأكد رضوان أنّ “إكليل الجبل نبتة عاسلة ودائما نلاحظ وجود النحل بكثرة على أزهارها”.

 

أنور عقل ضو

 

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى