“أحوال” يكشف عن دراسات جديدة حول مملكة الفطر
بدأ موسم الفطر في لبنان، وأطلت بواكيره متأخرة هذا العام بفعل انحباس المطر وعوامل أخرى؛ لكن الفطر يمثل عالماً قائماً بذاته، يتطلّب الحذر في “فك شيفرته” ومعرفة السام منه، فضلاً عن أن ثمة أنواعاً كثيرة من المفترض مقاربتها تعريفاً وتوثيقاً بعيداً من بعض الموروثات الشعبية الماثلة الى اليوم، كأن يعتبر البعض أن “الرعد يجلب الفطر!”.
لقد خبر المواطن اللبناني في الأرياف، الفطر وبعض أنواعه بالتوارث جيلاً بعد جيل، لكن تبقى هناك ثغرات علمية كثيرة؛ فعالم الفطر يتطلب الخبرة والدراية والعلم. وما استوقفنا هذا العام أن عدداً من الخبراء والهواة، شكلوا فريق عمل، انطلق من دراستين يتيمتين ليبنوا قاعدة بيانات جديدة حيال الفطر وأنواعه ودوره في النظم الإيكولوجية، وقدموا لـ “أحوال” معطيات ومعلومات بعضها ينشر للمرة الأولى، في سياق أبحاث لن تتوقف وتعد بالمزيد لإماطة اللثام عن كثير من من أسرار هذا العالم الساحر وسط شح المعلومات والدراسات.
الزين: مملكة الفطر
في هذا السياق، قالت الباحثة في مجال Plant and Forest Biology والمحاضرة في جامعة القديس يوسف الدكتورة رنا الزين لـ “أحوال”: “يُعتبر الفطر مملكة قائمة بذاتها، وهو لا ينتمي إلى مملكة النبات ولا الحيوان، وبالرغم من أنه ينمو في التربة، إلا أنه لا يقوم بعملية التمثيل الضوئي Photosynthesis كالنباتات، ولا يتغذى على النباتات والحيوانات مباشرة، بل يعيش على المواد العضوية في التربة، ويعمل على تحليلها Decomposition لتكون مواداً بسيطة وعناصر أساسية يمكن للنباتات امتصاصها”، ورأت أن “الفطريات هامة للنظام البيئي وللسلسلة الغذائية Trophic Chain”.
وأشارت الزين إلى أنّ “هناك ثلاثة أنواع من الفطر”، لافتة إلى أنّ “الفطر قد يكون طفيلياً Parasitic، يعتمد على الكائنات الأخرى من نباتات وحيوانات حية للحصول على المواد العضوية، وقد يكون رُمامياً Saprophytic يتغذى على الكائنات الميتة والنافقة ويستخدم المواد العضوية الذائبة في التربة، وتكافلية Mutualistic، بمعنى أنه يتعايش مع النبات بعلاقة تفيد الطرفين، فالفطر يزود النبات بالمواد الأساسية التي يحتاجها وبالمقابل يزوده النبات بالسكريات”.
تأثير المناخ على الفطر
وعن التهديدات التي يتعرّض لها الفطر، أوضحت الزين أن “التغير المناخي يؤثر على كافة النظم البيئية، وبسبب عدم وجود دراسات، لا يمكننا أن نقدم معلومات وافية حول تأثير تغير المناخ على الفطر. وقد لاحظنا أن موسم الفطر يبدأ متأخراً كل عام عن العام الذي سبقه. فعلى سبيل المثال، كنا نشاهد الفطر في تشرين الأول (أكتوبر)، ولكن تأخر موسم الأمطار تسبب بدوره بتأخر الموسم هذا العام، أي أنه مع بدء موسم ازدهار الفطر Booming يأتي موسم الثلوج، ويؤدي إلى فساد الجزء الظاهر، أي أن موسم الجفاف الطويل والأمطار المتأخرة أثَّـــرا على موسم الفطر”.
ورأت الزين أن “أهم التهديدات تدمير الموائل بسبب الزحف العمراني، تدمير الغابات وحرقها وشق الطرق وإشادة الأبنية ما يهدد التنوع البيولوجي عموماً، كما أن الوضع الإقتصادي ووباء كورونا، دفعا الناس للتوجه أكثر إلى الطبيعة، مع إهتمام متزايد بالفطر، وكون الكثير من الناس ليس لديهم معلومات عن كيفية جمعه، فقد أدى ذلك إلى نقص في أعداده”، ونبهت من “الإفراط باستغلال الفطر”، لافتة إلى أن “الجزء الظاهر هو الذي يسمح لهذه الكائنات بالتكاثر، وبالتالي علينا التوعية لجهة الإستدامة وعدم الإفراط في جمع الفطر والنباتات”.
عازار: التوعية والإستدامة
وقالت الباحثة في مجال العلوم البيئية ومديرة صفحة “الفطر في لبنان” ومجموعة “الفطر في لبنان والمشرق” رومي عازار لـ “أحوال”: “أثناء دراستي في الجامعة اليسوعية 2017، لاحظت عدم وجود دراسات حيال الفطر في لبنان، وكانت آخر دراسة لنادين معضاد من الجامعة الأميركية في بيروت في العام 2006 ولم يتم نشرها في مجلات علمية، وقبلها دراسة في خمسينيات القرن الماضي، وهذا ما دفعنا كمجموعة من الباحثين والمهتمين وهواة جمع الفطر، إلى جمع المعلومات والصور ليتم توثيقها وإعداد قاعدة بيانات عن الفطر في لبنان”.
وأضافت: “في البداية لم يكن هناك إهتمام كافٍ بالفطر، لكن الأمر تغير مع جائحة كورونا، حيث عاد الناس إلى الطبيعة، وبدأوا باكتشاف الفطر، ومعرفة السام منه”، لافتة إلى أن “مجموعة الفطر في لبنان والمشرق تعمل على موقع التواصل الإجتماعي Facebook، من أجل التوعية، خصوصا لجهة عدم الإفراط في جمع الفطر وكيفية التعامل مع العينات المجموعة”. ورأت أن “ثمة دوراً نقوم به لتوجيه هواة البحث عن الفطر نحو اكتساب مهارات جيدة في هذا المجال تراعي الإستدامة”.
التعرّف على الفطر
وشددت عازار على “دراسة كامل قوام الفطر للتعرّف على نوعه خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي”، ورأت أن “من المهم إظهار سلامة عينة الفطر نظراً إلى أن أي جانب مرئي يعد أمراً بالغ الأهمية لتحديد النوع بشكل صحيح، كون بعض الأنواع مثل RussulaوAmanita phalloides متشابهة”، محذرة من أن “عدم معرفة السام منهما قد يؤدي إلى الموت، ومن هنا تأتي أهمية النظر إلى خصائص معينة مثل وجود فولفا volva أو بصيلة عند قاعدة الفطر، وهناك حاجة لمعرفة ميزات أخرى للتعرف على أي فطر بشكل صحيح، مثل صور للخياشيم (التي تحوي الأبواغ Spores) أو إجراء قطع طولي للفطر، فضلا عن النباتات المحيطة إن أمكن”.
ونصحت عازار بأن “إحدى الممارسات المستدامة الرئيسية التي يجب أخذها في الاعتبار تتمثل بحماية مَواطن مجموعات الفطر المختلفة”، ورأت أن “تغطية التربة بعد قطف الفطر مفيد لحماية القسم الباقي منه تحت الأرض من التأثيرات الخارجية”.
ديمتر: إشراك كافة الحواس
وقالت لوليا ديمتر وهي رومانية كانت تسكن في لبنان لـ “أحوال”: “أنا هاوية في هذا المجال ومن المؤسسين لمجموعات خاصة بالفطر على وسائل التواصل الاجتماعي”، منوهة إلى أن “علم الفطر Mycology غير متوفر إلا في عدد قليل من الجامعات حول العالم، واكتسبت الخبرة عبر رحلات في البرية لجمع الفطر”.
وأشارت إلى أنه “لا توجد طريقة للتمييز بين الفطر السام وغير السام بعيداً من تطوير المهارات في تحديد الأنواع، ومعرفة ما إذا كان الفطر صالحاً للأكل أم لا”. وأردفت: “علينا إشراك كافة الحواس في التعرف على الفطر، وألا يقتصر الأمر على حاسة النظر فحسب، وإنما علينا إشراك حاسة اللمس، كما أن الرائحة تمثل جانباً هاماً أيضاً، فضلاً عن التذوق في بعض الأحيان، لكن من المستحسن للأشخاص غير القادرين على تحديد أكثر أنواع الفطر سمية، عدم القيام بهذا الأمر إلا ضمن شروط معينة، وعلينا أحياناً إشراك حاسة السمع (وإن كان من الصعب تصديق ذلك)، لكن الصوت الذي يصدر عند قطع الفطر يقدم تفاصيل مهمة هي في صميم التعرف على نوعه”.
وأضافت ديمتر: “علينا فهم بيئة الفطر والطرق المختلفة لتكاثره مقارنة بالكائنات الأخرى، فالثمرة التي تظهر على وجه الأرض ليست سوى الجهاز التناسلي، وهي ليست الكائن الحي الكامل، وفي المجتمع العلمي، هناك جدل كبير حول هذا الموضوع، لكن الاستنتاجات غير واضحة، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كان جمع كميات كبيرة من الفطر سيؤثر حقاً على الأعداد على مر السنين”.
ورأت أن “من المهم الحفاظ على الموائل للحصول على مجموعة متوازنة من أنواع الفطر، وألا ننسى أننا لسنا الوحيدين في استهلاك الفطر، الذي يعتبر طعاماً لبعض الحيوانات”.
سليمان: ثقافة الفطر
وقالت الباحثة في مجال “إدارة وحفظ الموارد الطبيعية” ساندرا سليمان: “(أنواع الفطر في ثلاثة أنظمة من الغابات في عكار) هو عنوان رسالة التخرج لنيلي درجة الماجستير، وكان بحثاً صعباً للغاية لعدم وجود إلا دراستين سابقتين في لبنان، الأولى للبروفسورين الفرنسيين Lyss and Ades عام 1957، تعرفا على 213 نوعاً، والثانية لنادين معضاد من الجامعة الأميركية 2006”.
ورأت أن “الفطر من الكائنات الحساسة للغاية، لذا فإن أي ضرر أو مؤثرات خارجية (سواء كان بيئياً أم لا) يمكن أن تؤثر على وجوده، وقد لاحظنا هذا العام تراجعاً كبيراً في موسم الفطر بدءاً من أيلول (سبتمبر)، وقد تأثرت ثماره بالظروف الجوية القاسية، حتى بعد المطر. فقد أتت الأيام الحارة والدافئة وأثرت على الموسم إلى حد كبير، فخلال أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، كنا نجد عادةً مئات الأنواع، ولكن في الوقت الحاضر يمكنك التجول في الغابة والعثور على نحو 4 أنواع فقط”.
وأشارت سليمان إلى أن “ثقافة الفطر غير معروفة في لبنان إلا في المناطق الريفية، وهي معرفة توارثتها الأجيال دون خلفيات علمية لجهة معرفة صلاحية بعض الأنواع للأكل، ومع المعرفة المحدودة، فإن الإفراط في جمع الفطر (مثل أي مصدر آخر للطعام) يُمارس بصورة غير مستدامة وقد يؤثر على تكاثره أيضاً”.
أنور عقل ضـو