نقولا الصحناوي ومسيحيو اليابان مغالطات تاريخيّة بالجملة
تشير إحصائيات هيئة الشؤون الثقافية اليابانيّة أنّ عدد المسيحيين في اليابان يتناقص، فبعد أن وصل إلى 1.5٪ من عدد السكان البالغ عددهم 126 مليون نسمة عام 2017، أصبح اليوم ١٪ فقط من تعداد السكان البالغ عدده ١٢٨مليون نسمة.
فاليابانيون بالمجمل شعب “لا ديني”، إلا أنّ للنائب نقولا الصحناوي كان له رأي آخر، في مقابلة أجرتها معه قناة OTV حيث قال إنّّ مدينتي هيروشيما وناغازاكي اللتين ألقيت فوقهما قنبلتان ذرّيتان تضمّان وجوداً مسيحياً كبيراً، وبثقة أجاب النّائب أنّه هذه المعلومة لا يعرفها أحد، لكنّه لفت إلى أنّها موجودة في “ويكيبيديا”.
مقاربة النائب بعيداً عمّا إذا كان الهدف منها الإشارة إلى أنّ الأميركيين لا يؤمن لهم جانبٌ، وأنّهم سبق وأبادوا المسيحيين في هيروشيما وناكازاغي، أو كان الهدف منها أن يقول إنّ الوجود المسيحي مستهدف منذ عقود، وأنّ أهل المدينتين أبيدوا لأنّهم مسيحيين في بلد ملحد، فإنّ المقاربة بحدّ ذاتها حملت الكثير من المغالطات.
ناغازاكي لم تكن هدفاً للقنبلة الذرّية
لنسلّم جدلاً أنّ الأميركيين أرادوا إبادة مسيحيي اليابان كما افترض الصحناوي، فأطلقوا قنبلة ذريّة على موقع تواجدهم الكثيف في اليابان، فإنّ هذا الأمر لا أساس تاريخي له، إذ أنّ اختيار ناغازاكي جاء بديلاً لمدينة كوكورا، التي كانت هدفاً للقنبلة الذريّة، بيد أنّ سوء الأحوال الجويّة يومها، دفع بالأميركيين إلى إيجاد بديل، فكانت ناغازاكي.بعدها أصبحت عبارة لديه “حظ كوكورا” باللغة اليابانية تطلق على من نجا من مصير مروّع.
وفي السّرد التاريخي لما حصل في الحرب العالميّة الثانية، فقد وضع الأميركيون في منتصف يوليو/تموز عام 1945 أي قبل أيام من إلقاء القنبلتين الذرّيتين، عدداً من المدن اليابانية التي يمكن استهدافها بالقنابل الذرية بسبب وجود المصانع والقواعد العسكرية، وجاءت كوكورا بعد هيروشيما في ترتيب الأولويات، بسبب احتوائها على واحدة من الترسانات الضخمة للجيش الياباني.
بعد ثلاثة أيام من قصف هيروشيما في 6 أغسطس/ آب، طارت قاذفات بي 29 إلى كوكورا في الساعات الأولى من الصباح، وكانت إحداها تحمل “الرجل البدين”، وهي قنبلة بلوتونيوم أقوى من قنبلة اليورانيوم التي ألقيت على هيروشيما.
لكن كوكورا كانت محاطة بالغيوم، فصدرت الأوامر بالتوجّه إلى ناغازاكي.
لماذا لا يؤمن اليابانيون بالأديان؟
في العام 1996، نَشَرَ عالم الأديان “أما توشيمارو” كتاباً تحت عنوان “لماذا لا يؤمن اليابانيون بأي دين”، وترجم الكتاب إلى اللغتين الكورية والإنكليزية.
ويرى توشيمارو في كتابه أنّ اليابانيين يؤمنون بآلهة الأرض وغيرها إنما من دون أن يمارسوا أي طقوس عبادة معينة، كما يرى أنّ الأديان لم تترسخ في المجتمع الياباني.
فعندما يُسأل اليابانون بـ”أي ديانة يؤمنون؟” غالباً ما يكون الجواب “لا أؤمن بأي دين”، وهذه هي النقطة الرئيسية التي ارتكز عليها كتاب “لماذا لا يؤمن اليابانيون بدين”.
حتى الحرب العالمية الثانية لم تكن الحكومة اليابانية تعتبر الشنتوية التي يؤمن بها قسم كبير من اليابانيين ديناً، (وهي التي لا يُعرف مؤسس لها) بل تعتبرها عادة أو تقليداً يابانياً قديماً يقدس ويحترم الامبراطور. لذا كانت تفرض على كل اليابانيين المشاركة في الطقوس الشنتوية في المدارس أو المعابد أو الأضرحة سواء كانوا مسيحيين أو بوذيين.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انتبهت القيادة العامة لقوات الحلفاء إلى الارتباط الكبير للنزعة العسكرية اليابانية والقومية المتطرفة بطبيعة الدين ورأت ضرورة الفصل بين الدين والسياسة على وجه الخصوص.
ورأت أن السبب الرئيسي وراء العدوان الياباني المتهور يعود الى الأيدولوجية الدينية ولذا فكرت في محو الآثار السلبية لذلك بإصدار ما يسمى بـ “الأمر الشنتوي” في ١٥ من ديسمبر/كانون الأول عام ١٩٤٥ وهو أن يعترف الامبراطور هيروهيتو في بداية خطابه في الأول من يناير/ كانون الثاني عام ١٩٤٦ بأنه إنسان عادي وليس إلهاً. وبهذا بدأ تفكيك الشنتوية القومية.
اليوم قلّ عدد المؤمنين بالشنتوية مقارنة بما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية.
ناغازاكي والمسيحية
بحسب المؤرخين، دخلت المسيحية إلى اليابان من قبل المستكشفين والمبشرين البرتغاليين الذين أسسوا مدينة ناغازاكي لتكون مركزًا مسيحياً مهمًا في الشرق الأقصى ما أثار قلق السلطات الإمبراطورية اليابانية التي ردت عام 1587 بإطلاق حملة أمنية وعسكرية واسعة لاستئصال التنصير من المنطقة.
وربما قمع المسيحيين في ناغازاكي هو ما استند إليه النائب ليبرّر إلقاء القنبلة الذرية، إلا أنّ هذا القمع حصل في القرن السادس عشر وإلقاء القنبلة حصل في القرن العشرين، هذا إذا ما تجاهلنا جزئيّة أن ناغازاكي كانت المدينة البديلة لمدينة كوكورا سعيدة الحظ، التي نجت من الإبادة وظلّت شاهدة على أنّ نائباً في بلدٍ صغير، أخرج الحرب العالميّة من سياقها، وحشرها في زاوية طائفيّة مقيتة مبرّراً الأمر بقوله “لا أريد أن يؤخذ كلامي على أنّه طائفي”، فتحوّل إلى نكتة لا تقل طرافة عن نكتة استعادة الأموال المنهوبة التي نقلها الأمير فخر الدين إلى توسكانا والتي أطلقها أحد الناشطين عبر الشاشة نفسها في بداية ثورة 17 تشرين.
إيمان إبراهيم