العملات المعدنية تفقد قيمتها الشرائية… لمَ يقوم البعض بشرائها؟
منذ سنوات ليست ببعيدة، أو حتى منذ أشهر، كانت الألف ليرة تكفي لشراء منقوشة زعتر وكيس تشيبس وعصير من دكان المدرسة، كانت الـ500 ل.ل. تشتري قارورة ماء صغيرة من بائعٍ متجوّل، وكانت الـ250 ل.ل. تكفي لشراء العلكة أو لوحٍ من الشوكولا. أمّا اليوم، وقد تضخّمت أسعار السلع في لبنان بنسبة 378% لم تعد للكسور من العملة النقدية أي للـ “250” و”500″ و”750″ ليرة قيمة، ولا عجب في ذلك طالما أنّ أيضًا ورقة الألف ليرة لم تعد ذات قيمة.
التّضخم في السوق اللّبنانية يُفقد العملات المعدنية قيمتها
يشير الباحث الإقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لداراسات السوق كارابيد فكراجيان إلى أن العملات النقدية من فئتي 250 ليرة و500 ليرة، أي العملات المعدنية، لم يعد لها قيمة فعلية في السوق وبمعنى آخر “ما بتشتري شي”، لذا لم يعد يحملها المواطنون وفي حال أُرجعت لهم بعد قيامهم بعملية شرائية ما، فهم يتركونها للبائع أو يضعونها في صناديق التبرعات.
التّضخم يخرج هذه العملات شيئًا فشيئًا من السّوق، فأسعار السلع لم تعد تحوي الكثير من الكسور نظرًا لتضخّم الأسعار. يلفت فكراجيان إلى أن الأسعار سابقًا كانت تنتهي بـ250، 500، أو 750 ل.ل.، أما الآن، وبما أنّه لا قيمة شرائية للفئات الصغيرة، لا تضاف 250 ل.ل. إلى السعر، ويتم تدوير الـ500 أو 750 ل.ل. إلى ألف ليرة، ممّا يُخفّض التداول بالعملات المعدنية.
تذويب العملة للاستفادة من المعادن فيها
عندما انخفضت القيمة التداولية للعملة اللبنانية، أصبح سعر المعدن المكوّن للعملات النقدية المعدنية أعلى من قيمتها الشرائية وفق ما يشير فكراجيان، لذا قد يلجأ البعض لاستعمالها في الأعمال الحرفية للتزيين وصنع الأكسسوارات، وهو ما رأينا نماذج منه يُسوّق لها عبر مواقع التواصل، أو إلى جمعها وإذابتها في حال كانت الكميات كبيرة.
قطعة الـ250 ل.ل. مثلًا تزن 5 غرامات، وتحتوي على النّحاس والألمنيوم والزّنك، أي أن ثمن المعادن الموجودة في هذه القطعة المعدنية أكبر من القيمة الشرائية للـ250 ليرة كقطعة نقدية، لذا قد يقوم البعض بجمع كميّاتٍ كبيرةٍ منها للإستفادة من المعادن التي تكوّنها.
الإنهيار الاقتصادي مستمرّ والعملة تفقد قيمتها
يلفت فكراجيان إلى أن الـ250 ل.ل. كانت سابقًا تساوي 16 سنتًا، وحاليًا خسرت كغيرها من الفئات ما يقارب 80% من قيمتها، ومع استمرار طبع النقود، وتضخّم الأسعار، قيمة العملة في انخفاض، مما سيطال العملات النّقدية كغيرها من الفئات الأخرى كالألف ليرة، والعشرة آلاف، والمئة ألف، مما سيضطر البنك المركزي إلى إصدار عملات نقدية من فئاتٍ أكبر.
وفي هذا السياق، يستذكر فكراجيان كيف خسر اللبنانيون أموالهم نتيجة طبع العملات الورقية خلال الحرب العالمية الأولى بقرارٍ من السلطنة العثمانية من أجل تغطية تكاليف السلاح وتجهير العسكر.
وفي بداية التسعينات، جرى إصدار العملات الورقية بقيمة 50 ألف ل.ل. و100 ألف ل.ل. حتى أواخر عام 2019، كانت الـ100 ألف تساوي ما يقارب 70 دولارًا، بينما حاليًا الـ مليون ليرة تساوي 70 دولارًا تقريبًا إستنادًا إلى سعر الصرف في السوق السوداء، لذا من الطبيعي إذا استمر سعر الصرف في الارتفاع وقيمة العملة في الإنخفاض، أن يتم إصدار عملات نقدية من فئات أكبر مثل 500 ألف ليرة ومليون ليرة لتسهيل المعاملات وتوفير كلفة طباعة العملات الورقية.
ويرى فكراجيان أنّ لبنان يسير على خطى فنزويلا وزمبابواي في مسار التّضخّم والإنهيار المالي، ولربما سيكون السيناريو اللبناني أصعب، إذ يسبق لبنان زمبابواي في معدل التضخّم، وفنزويلا تملك أكبر احتياطي نفط في العالم، بينما لبنان لا يملك حاليًا ما يمكن لإقتصاده أن يستند إليه.
آلاء ترشيشي