سياسة

44 سنة غياب والإمام موسى الصدر منهل الإنسانية والوطنية

أربعة وأربعون عاماً على تغييب إمام المقاومة السيد موسى الصدر، ولم يزل فكره يحاكي كل مرحلة من المراحل التي يمر بها لبنان.

هو المنهل الذي يُحيل الغياب حضوراً أعمق، الحضور الذي يحتاجه المجتمع اللبناني المتشظي على تحولات السياسة والمشاريع المتضاربة والأنانية المفرطة لطبقة سياسية لم تجعل من خطاب استذكاره مشروعاً وطنياً لنهضة لبنان بل لمصالحها الذاتية.

الرئيس نبيه بري يُطل اليوم في الذكرى الـ 44 لتغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في صور التي شكلت الانطلاقة الاولى لرجل دين متنور رسم مشروعاً وطنياً وكانت طروحاته محل قبول وترحيب عند شرائح كبيرة من اللبنانيين.

وينتظر كثيرون ما سيقوله الرجل، ولبنان أمام محطات دقيقة فيما أكثر الملفات السياسية في لبنان تمر في طرق متعثرة.

وسيعرّج بري بالطبع على كل النقاط بدءاً من الازمات المعيشية والاقتصادية والمالية التي خلّفت آثاراً قاتلة ومدمرة في نفوس اللبنانيين.

في ذكرى تغييب الإمام السيّد موسى الصدر، يحضر البناء الفكري الذي وضعه وركيزته الربط بين مكوّنات ثلاثة: الوطن والمواطن والدولة.

في عقل القائد الصدر الدولة هي سياج الوطن والهوية الوطنية هي هوية المواطن وليس الهوية الطائفية. ولطالما آمن الإمام أن الطائفية هي علّة النظام الطائفي الذي يؤسس لحروب أهلية تقطعها هدنات مؤقتة وعابرة، وأن هذه الحروب تعيد إنتاج النظام الطائفي وتجدده.

رجل الدين، الذي آمن بضرورة بناء دولة مدنية على قاعدة المواطنة عبر حركة سلمية تقوم على بناء مجتمعاً مطوّعاً للتغيير والإصلاح مستفيداً من التجربة الإصلاحية للرئيس فؤاد شهاب التي حاولت ربط الأطراف بالدولة وبناء المؤسسات وفتح المجال أمام أصحاب الخبرة والكفاءات خارج حسابات الإقطاع السياسي أو الحسابات الطائفية.

كان رجل إيمان لكل مواطن رفيع الأخلاق، تخطّى هويته الطائفية إلى الهوية الإنسانية الأرحب، رغم تأصّل هويته الدينية الشيعية عبر التاريخ العائلي.

في عينيه ألَق أسَر قلوب من التقوه ورافقوه وفي كفّيه الممدودين رحابة تسع كل البلاد.

روحانيته جعلته إماماً مقدّراً ومحبوباً وداعية سلام ووئام وملهماً للعقول على الخير، وركيزة قيادية استقطابية احترمها المسيحيون والمسلمون في زمن قاتم خَبر فيه اللبنانيون الويلات.

نَذَرَ نفسه لعمليات الإنقاذ والإغاثة والحماية في زمن الحرب في لبنان، يوم كان المجتمع اللبناني بالغ الهشاشة ومفتوحاً على الصراعات المحلية والدولية.

سماحة عقله وفكره جعلته حالة لا يطويها النسيان في كل منعطف ومحطة وتاريخية يمرّ بها لبنان يُستحضر صاحب “كلمة سواء” بأبعاده الروحية وثقافته التعاضدية المسالمة والحوارية لحفظ الكيان اللبناني بكل مكوناته وأطيافه وتشعباته.

عمّق الصدر الوعي الوطني والسياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي داعياً الى الحوار والانفتاح على الآخرين مع الاحتفاظ بالأصالة الفكرية والدينية والأخلاقية لكل جماعة.

وليست دعوته الى الوحدة لتحصين الداخل بمواجهة تحديات الخارج وتحديداً العدو الإسرائيلي الذي أراد أن يبتلع الوطن بعد تمزيقه وتفتيته وتقسيمه وجعله كانتونات ودويلات طائفية متناحرة في ما بينها، إلّأ وصفة يحتاجها اللبنانيون اليوم لمواجهة أطماع الإسرائيلي بمياه لبنان ونفطه وغازه.

في ذكرى تغييب الإمام والقائد والملهم نصير المحرومين والمستضعفين، ووسط بحر الأزمات التي يمر بها لبنان، ثة حاجة أساسية لفكرة جعلها عقيدته اللوطنية وهي أن الدولة هي الملجأ لكل المكونات على قاعدة المواطنة الواحدة، العدالة الإجتماعية، الوحدة الوطنية، الحوار لمعالجة أي خلاف والتراصف لمقاومة العدو وردعه.

الرجل صاحب الهيبة التي لا يُنازع عليها، كان انهار حزناً عندما اندلعت الحرب الأهلية عام 1975، فاحتجّ بالإضراب عن الطعام في مسجد في بيروت ثلاثة أيام.

فقد كان يعتبر السلم الأهلي والوحدة الوطنية من الوسائل الرئيسة لحماية البلاد من المخاطر الخارجية.

القائد المؤسس للمسيرة السياسية والجهادية، التي اتخذت عنوان الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبناء مجتمع المقاومة بالتوازي، يبدو أقرب إلى الوصفة التي يحتاج إليها لبنان لإنعاشه.

 

 

رانيا برو

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى