سياسة

هل تنتهي مسيرة ترامب السياسية بالعزل؟

دعوات واسعة لإعلان أن الرئيس غير قادر على القيام بصلاحيات وواجبات منصبه

واشنطن تقع في قبضة الفوضى لساعات والعالم يقف مشدوهاً لما أصاب “الدولة العُظمى من حالة التشظي. العالم أمام مشهد دراماتيكي وساعات من الكر والفر في محيط المراكز الدستورية الأميركية في عاصمة القرار بعد لجوء أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب إلى اقتحام غير مسبوق لحصار الكونغرس وعرقلة المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسة التي يعتبرها ترامب ومناصروه “مسروقة ومزورة”. هذا “الانقلاب على الديموقراطية” كما وصفه الأميركيون، دفع بالبعض إلى اعتبار ترامب، الخارج عن لباقة المؤسسة السياسية الاميركية “خائناً” لبلده وصدرت دعوات لعزله ومحاكمته.

اجتياح مبنى الكابيتول، الذي لم ينجح بمنع المسار الدستوري من استكمال خطواته لوقت طويل، استحضر مفردات جديدة على لسان السياسيين الأميركيين وإعلاميين ومواطنين. مثل “اجتياح” و”خزي” و”عار”. كتب مايك غودوين “يمثل اقتحام مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة يومًا جديدًا من العار في التاريخ الأميركي. لقد كان مشهدًا مرعبًا يجعلنا نبدو كدولة من العالم الثالث”. وصنّف غودوين المتظاهرين “كانوا غير وطنيين وغير أميركيين”. وخلفت عاصفة “الترامبيين” على مقر مجلسي النواب والشيوخ، عاصفة في قلب فريق ترامب فتوالت استقالات العديد من العاملين في البيت الأبيض احتجاجاً على أحداث العنف.

“الكيل بمكيالين” هكذا وصف البعض أداء القوى الأمنية، في مقابل التراخي مع أنصار ترامب كان سلوكهم تجاه تظاهرات “حياة السود مهمة” أكثر عدوانية. فيما دعا آخرون إلى التحقيق في غياب الجيش الوطني عن الأحداث لضبط الأمن، ومعرفة أسباب التراخي والتساهل في اجتياح الكونغرس. 

جلب السلوك المتهور لترامب منذ الانتخابات، ومحاولة تعطيل المسار الدستوري “الخزي” للمؤسسات الدستورية الأميركية دون أن يكون له القدرة على تعديل أحكامها ولا نتائجها وتحدثت التقارير الإعلامية عن انحدار و”قعر” غير مسبوق سيكون له تداعيات خطيرة في المستقبل.

ولعلّ أبرز ما اختتم به مشهد الفوضى والعنف لاقتحام مقر “الكونغرس” هو ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين في وزارة الدفاع والإدارة الأميركية بأن “نائب الرئيس مايك بنس وليس الرئيس ترامب من وافق على أمر نشر الحرس الوطني في واشنطن” ما يعني عملياً انفصال بنس عن رئيسه. وتوّعد بنس توعد بملاحقة المتورطين بالاعتداء على مبنى الكابيتول.

لكن السؤال الأهم الذي سيتم الإجابة عليه في الأيام المقبلة هو: هل يستخدم نائب الرئيس مايك بنس حقه الدستوري في عزل ترامب كما يخوله الدستور؟ تسريبات عدة تجيب على التساؤل ومفادها أنّ وزراء في إدارة ترامب يناقشون تفعيل التعديل الـ25 من الدستور لعزل الرئيس. النائب المنتخب حديثًا موندير جونز أعلن أن “دونالد ترامب حرض على العنف ضد الجذع التشريعي لحكومة الولايات المتحدة ويجب مقاضاته”. وتبنت النائبة إلهان عمر الأمر بإعلانها أيضًا “أنا أقوم بإعداد عريضة عن الإقالة. يجب عزل ترامب وإزالته من منصبه من قبل مجلسي الشيوخ والنواب. لا يمكننا السماح له بالبقاء في منصبه، إنها مسألة الحفاظ على جمهوريتنا ونحن بحاجة إلى الوفاء بيميننا”.

الانحدار غير المسبوق في المشهد السياسي دفع نخب سياسية ومالية بينهم اتحاد المُصنعين الأميركيين، إلى المطالبة بالعمل بالتعديل الخامس والعشرين من الدستور لإزالة ترامب. ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس والحكومة بعزل الرئيس واعتبار أن “الرئيس غير قادر على القيام بصلاحيات وواجبات منصبه”. بدوره، اعتبر السيناتور بيرني ساندرز أن “ترامب هو المسؤول المباشر عن الفوضى التي حصلت وسيدخل التاريخ بصفته أخطر رئيس على الإطلاق”. فيما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الجنرال المتقاعد جوزيف دانفورد في مداخلة عبر “سي إن إن” “ما شهدناه اليوم اعتداء مشين على ديمقراطيتنا ويوم حزين بالنسبة لأمتنا”. وبدوره وصف النائب جيم ماكغفرن “ترامب خائن لبلدنا ويجب عزله من منصبه”.

يقول جيلاني كوب في “نيويوركر” “أثار الرئيس ترامب حالة خطيرة من الفوضى، لكن القتل والدمار المرتبطين بالخصومات السياسية ليس بالأمر الجديد على هذا البلد، فالتاريخ حافل بأحداث عنف لكن لا أحد يحب تذكرها”. ويرى كوب أن “ثمة رياح شديدة بدأت تعصف بالبلاد، والعاصفة كارثية”.

بمعزل عن الأحداث، واصل ترامب تقديم مزاعم، رفضتها باستمرار محاكم الولايات والمحاكم الفيدرالية وكذلك وزارة العدل حول تزوير الأصوات. وفي فيديو وتغريدات متفرقة أصر على ادعاء “سرقة الانتخابات” ما دفع مواقع التواصل إلى حجبه وإزالة منشوراته. 

وفي زحمة انتهاك حرمات الدستور الأميركي التي يجسّدها مبنى الكابيتول الذي يتربّع على أعلى تلّة في العاصمة واشنطن، ضمن الديمقراطيون السيطرة على مجلس الشيوخ بعد فوز جون أوسوف بالمقعد الثاني في ولاية جورجيا متفوقاً على منافسه الجمهوري ديفيد بردو. ولم تنتخب ولاية جورجيا أي ديموقراطي لمجلس الشيوخ منذ 20 عاماً. فيما يضمن هذا التحول في اتجاهات الولاية، وبعدما ربح الديمقراطي رافييل وارنوك المقعد الأول، والغالبية الديمقراطية في مجلس النواب، للرئيس المنتخب جو بايدن كل مستلزمات السلطة لتطبيق برنامجه. وسيتمتّع الديمقراطيون بـ50 مقعداً في مجلس الشيوخ وهو العدد نفسه العائد للجمهوريين، لكنّ الدستور ينصّ على أن نائبة الرئيس المقبلة كامالا هاريس ستكون لها الكلمة الفصل عند التصويت لتميل الدفة لصالح الديمقراطيين ما يجعل ولاية بايدن أكثر سلاسة لتطبيق برنامجه.

ولاية بايدن التي لن تكون بدايتها سهلة ولا عادية كما تشي الأحداث الملتهبة، وليس محتوماً ما سيحمله مشهد التنصيب في 20 من الشهر الجاري بعدما قلب ترامب كل المعايير والأعراف الأميركية. 

النعوت التي نالها ترامب مع انتهاء سنوات حكمه الأربع، كثيرة إلا أن أكثرها عمقاً ودلالة هي ما قاله البروفسور نعوم تشومسكي باعتباره أكبر مجرم في التاريخ “كون برنامجه وسلوكه ينحو نحو تقويض آفاق نظام الحياة الإنسانية فوق الأرض، والإسراع بالبشرية نحو الهاوية” ويبدو أن ترامب شخصياً يقترب من هذه الهاوية.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى