رحيل وليد المعلم.. علاقة وئام وخصام مع لبنان
حل الدبلوماسي الأول في سورية، المخضرم الذي عايش أخطر المراحل في سوريا ولبنان، وليد المعلّم الذي لقّب بـ”أسد الدبلوماسية السورية”، لأدواره في مواجهة بلاده للحملة الدولية الشرسة التي شرذمت شعبه وأحرقت أرضه تحت مسمى “الربيع العربي”.
غادر الدنيا بعد أن عاش فيها بأدوار شائكة ومعقّدة خاض خلالها مواجهات ومنازلات في دول العالم للدفاع عن بلاده وتحالفاته لا سيّما في لبنان.
في لبنان اختبر علاقات الحب والود والكراهية والصد، فالرجل الذي ارتبط بعلاقات سياسية بحكم موقعه السياسي كانت له علاقات صداقة محليّة منها ما انقلبت لعداوة ومنها ما استند على الوفاء الترابط. لم يخف المعلم في محطات عديدة علاقته بلبنان واللّبنانيين وهو الخبير في تركيبات الطبقات السياسية اللّبنانية سواء تلك التي انقلبت على النظام السوري ونصبت العداء له أم التي أبقت على الوصال والتنسيق والتحالف مثل حزب الله.
والتحالف مع حزب الله ودعم المقاومة كان أحد مسببات القتال العالمي ضد سوريا بحسب ما أسرّ به الراحل في إطلالات عديدة، فالولايات المتحدة ودعماً لحليفته الأقوى فإسرائيل قدّمت عروضاً على مدى سنوات طويلة تطالب فيها دمشق بوقف دعمها لحزب الله وكافة فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية لكنها بطبيعة الحال رفضت ذلك. ورأى أن المطلوب “هو التخلي عن تحالفاتنا وعن دعمنا للمقاومة، والسير في ركب التطبيع مع إسرائيل وقبول المخططات الإسرائيلية المرسومة للمنطقة”. ومن هذه المسألة المفصلية جري الإعداد لإزالة النظام السوري الحالي فأحرقت سوريا ودمرت لكن نظامها صمد.
تعرض المعلّم في لبنان بعد تعيينه في العام 2006 وزيراً للخارجية لحملات أدانت دوره وتدخلاته في لبنان كونه جزء من نظام حَكَم وتحكّم بمفاصل الحياة السياسية اللبنانية، لكنّه بقي مصراً على أن سوريا ولبنان محكومان بالتواصل والتنسيق لموجبات بنيوية وجيوسياسية وجغرافية. وهو في الوقت نفسه لم يخفِ في محطات عديدة من خطورة التدخلات الخارجية في لبنان والتشعبات الإقليمية والدولية التي تُقسم ظهر لبنان من خلال فرق متناحرة.
وفي السنوات الأخيرة وفي خضم حالة الحرب التي تعيشها بلاده لم يخف الوزير المعلم قلقه من حالة الاضطراب التي بلغتها الساحة الداخلية واصفاً الوضع بـ”الصعب والمعقد” فيما رأى أن علاج ذلك يكون “بعدم الإصغاء الى التعليمات والتوجيهات الصادرة عن واشنطن وباريس وانفتاح على بعضهم البعض والتحاور في ما بينهم لوضع صيغة جامعة تُرضي الجميع”.
ورداً على اتهام دمشق من قبل الأكثرية الحاكمة بعد خروج الجيش السوري من لبنان بالتدخل في الشؤون اللبنانية وانحيازها الى جانب المعارضة قال المعلم يوماً أن الدعم الهائل والمتكرر الذي يلقاه فريق من أميركا ويحاكي مواقف إسرائيل يبعث على الريبة والشك ومن الطبيعي ألا تقف سوريا الى جانب الفريق المدعوم من أعدائها وتؤيد المتحالفين معها”. وكرّر في مناسبات عدّة مطالبته نظرائه الأوروبيين بكف التدخلات الاجنبية في لبنان حتى تدع اللبنانيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم وهم قادرون على ذلك.
دافع المعلم عن الحضور السوري في المشهد السياسي اللبناني في ذروة تنامي العداء لدمشق في لبنان من هجمات لا سيّما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقال يوماً “لا يمكن رئيس حكومة في لبنان أن ينجح ما لم يكن على علاقة جيدة مع سوريا”، مذكراً بأن “الرئيس الشهيد رفيق الحريري أدرك أهمية هذا التوجه وعمل به حين كان في الحكم وخارجه”.
وفي مواقفه الأخيرة، حيال لبنان في شهر آب الفائت، شدد على أن “لا ترسيم للحدود مع لبنان ولن نقبل بنشر القوات الدولية على الحدود لأن ذلك يتم مع الاعداء”. وقال بعد إقرار الولايات المتحدة الأميركية قانون “قيصر” للعقوبات على النظام السوري وحلفائه والمتعاونين معه “نحن رئة للبنان وجاهزون للتعاون معه في مواجهة “قانون قيصر”… لكن هذا لا يتم برغبة سورية فقط لتكون الرغبة مشتركة وأقول حتى الآن لا يوجد بيننا وبين الحكومة اللبنانية مثل هذا التواصل عندما يرغبون سيجدون سورية جاهزة”.
رحل المعلم رافضاً لكل سياسات الخيانة والتطبيع، الرجل عرضت عليه مغريات كثيرة للطعن بنظام الرئيس بشار الأسد منذ اندلاع الحرب فيها لكنه لم يفعل، ولم ينضم إلى لوائح الخارجين عنه. وقيل أنه يردد أن أفضل ما يفعله في حياته أن يرحل و”لم يُصافح محتلّ ولم يُهادن مُستعمر”.
أثر المعلم في الحياة السياسية اللبنانية سيبقى تاريخاً ينطوي على الكثير من الأسرار والأدوار في ثوب الوئام أو الخصام، وهو بلا شك طبع مرحلة تاريخية من حياة سوريا التي ستبقى ألغازها تلقي بظلالها على الحياة السياسية للمنطقة.
والراحل من مواليد دمشق عام 1941 التحق بوزارة الخارجية عام 1964 وخدم في بعثات عديدة. عين سفيراً لدى الولايات المتحدة من عام 1990 حتى عام 1999 ثم عين معاوناً لوزير الخارجية مطلع العام 2000 وسمي نائباً لوزير الخارجية بموجب المرسوم رقم 8 تاريخ 9-1-2005 وشغل منصب وزير الخارجية منذ عام 2006 وتمت تسميته نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للخارجية والمغتربين منذ عام 2012.
لديه أربعة مؤلفات “فلسطين والسلام المسلح 1970″، و”سورية في مرحلة الانتداب من العام 1917 وحتى العام 1948″. “سورية من الاستقلال إلى الوحدة من العام 1948 وحتى العام 1958″. “العالم والشرق الأوسط في المنظور الأميركي”.
رانيا برو