مجتمع

تكلفة التعليم عن بُعُد ارتفعت مادياً ومعنوياً ونفسياً… والمدارس تطالب بالأقساط

لا يزال حتى اليوم يُعاني “العام الدراسي”، فالمستقبل لا يمكن أن يكون واضحاً في لبنان قبل أن تنجلي مسألة “كورونا” من جهة ومسألة الإنهيار الإقتصادي من جهة أخرى، وإن كان الأهل قد استكملوا العام الدراسي الماضي بشق الأنفس، إلا أنهم اليوم يجدون الوضع أصعب، خصوصاً أن كلفة التعليم أونلاين ارتفعت وأجورهم انخفضت.

ترسل إدارات المدارس الخاصة عبر تطبيق “الواتساب” رسائل نصيّة لأولياء الطلاب ذكرتهم بضرورة القيام بواجباتهم المالية قبل الإقفال العام، مما يعني أن كل فئة تفكّر بمصلحتها الخاصة بغض النظر عن باقي الفئات.

تشير بولين وهي أمّ لأربعة أولاد، ثلاثة منهم يدرسون “أونلاين” والرابع طالب جامعي يدرس بين نظام الحضوري في الجامعة ونظام “الأونلاين”، إلى أن “الأب والأم هما الحلقة الأضعف في سلسلة التعليم، واليوم ارتفعت معاناتهما بعد انتشار فايروس كورونا”.

كلفة مادّية باهظة

تلفت بولين النظر في حديث لـ”أحوال” عن أن العائلات توجّهت إلى القرى بعد توقف التعليم المدرسي في آخر شباط الماضي، وبسبب زحمة المدينة وقلة العمل وانتشار “الكورونا”، ظنّاً منها أنها ستوفّر بعض المصاريف، فاضطرت إلى تركيب أجهزة انترنت بكلفة 100 دولار تقريباً، وقامت بدفع اشتراك شهري قيمته “خمسين الف ليرة لبنانية” يضاف إلى الإشتراك الشهري الموجود في المدينة، وأحياناً كنا ندفع أكثر لأن السرعة غير كافية ولا تؤدي الغرض منها”، مشدّدة على أننا “العام الماضي تحمّلنا ظنّاً منا أن الأمور ستتحسن ولكن وجدنا أن العام الجديد سيكون “أونلاين” كله.

“لم يعد يكفي الهاتف لتلقي الدروس”، تقول بولين، مشيرة إلى أن الأولاد بحاجة إلى كمبيوترات أو “آيباد”، لأن النظر يتعب على الشاشات الصغيرة، والأحرف لا تظهر، وبما أننا لا نستطيع شراء “أجهزة جديدة، قمنا بإعادة ضبط تلك القديمة، ودفعنا الثمن بالدولار، ونحاول تقسيمها بين الأولاد ليتمكنوا من متابعة الحصص”.

هناك من اشترى أجهزة كمبيوتر صينية بـ 120 دولار أميركي، ليتمكن أولاده من التعلم، مع الإشارة إلى أن هذا الجهاز يكون عادة “ضعيفاً” لا يملك ذاكرة كبيرة، ولا ينفع سوى لبرامج خفيفة تُستخدم بالتعلّم.

أما الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية يوسف الأتات فيشير إلى أن الكلفة المادية ارتفعت بالتعليم عن بُعُد، إذ نحن بحاجة، زيادة عن ما كنّا نحتاج إليه، إشتراك إنترنت شهري بأوجيرو غير محدود، بمبلغ يصل إلى 80 ألف ليرة، شراء “تابلت” عدد 3، لأطفاله الثلاثة، بقيمة 600 دولار أميركي، طابعة، بقيمة حوالي 100 دولار.

 

كلفة معنوية ونفسية

إلى جانب الهمّ المادي لا بد من التوقف عند الكلفة النفسية والمعنوية، فبحسب الأتات، يحتاج الأولاد إلى من يتابعهم تقنياً ويسهر على إعادة التدريس مما يستنزف الكثير من وقت الأهل، خاصة أن صفوفهم متزامنة مما يدخلنا في دوامة من الضغط والإرباك في التنظيم لا نهاية لها، مع نتائج ومردود علمي دون المتوقع، ولذلك تصبح الخسارة مادية ومعنوية.

ويضيف: “نستيقظ عند السابعة لإيقاظ الأطفال، ومن ثم وضعهم أمام شاشاتهم والدخول إلى البرامج التعليمية، ومن ثم إعادة الدخول لمن ينقطع الإرسال لديه، ومن ثمّ إطعامهم، ثم تدريسهم”.

بعض المدارس تستقبل الأولاد لأيام، ثم تعتمد التعليم عن بُعُد لأيام، وهنا تتحمّل الأسرة كلفة النقل الإضافية، كذلك بحسب بولين، فإن بقاء الأطفال في المنزل يعني حتمية وجود أحد أفراد الأسرة برفقتهم، أو توظيف شخص ما مختص للبقاء معهم، وبالحالتين الكلفة كبيرة، كما أن بقاءهم في المنزل يعني ارتفاع مصروف الطعام، وكل ذلك ينبغي أخذه بعين الإعتبار، لأن لبنان لم يعد رخيصاً للعيش.

إن هذه الكلفة المرتفعة تتزامن مع ضائقة اقتصادية خانقة تضرب الأسر، فربّ الأسرة الذي كان يقبض راتباً بالكاد يكفي عائلته أصبح بنصف راتب، كما أن عدداً من الأمهات اللواتي كنّ سنداً للعائلة فقدن عملهن، فما الذي يبقى لدفع كلفة التعليم؟.

محمد علوش

 

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى