منوعات

الإقفال فرصة لإنقاذ القطاع الصحي والتأقلم مع الوباء طويلاً

جهوزية أمنية لقمع المخالفات والتجار يهددون بصرف الموظفين

مع دخول قرار الإقفال العام والتام مدة أسبوعين حيز التنفيذ، تزداد الشكوك حول نتائجه الصحية المتوقعة وقدرة الأجهزة الأمنية على تطبيقه، فيما يتعمّق الإنقسام بين القطاعين الصحي والتجاري؛  فقد رفع التجّار الصرخة وحذّروا من التداعيات الاقتصادية الكارثية، في ظل عجز الدولة التعويض عن الخسائر المرتقبة، وتقديم المساعدات الاجتماعية للمتضرّرين جرّاء هذا القرار.

فما هي النتائج المتوقعة للقرار على المستوى الصحي؟ وهل ستتمكّن الأجهزة الأمنية المختصة من تطبيقه في ضوء التجارب غير المشجعة لجهة إلتزام المواطنين؟

عقبات تواجه تنفيذ القرار

مصادر أمنية رسمية مواكبة لخطة تنفيذ قرار مجلس الدفاع الأعلى أوضحت لـ”أحوال” أنّ “هناك عقبات عدة ستواجهنا في التعامل مع القرار، لكن الأجهزة الأمنية سيّما قوى الأمن الداخلي ستعمل بأقصى طاقتها وجهوزيتها لتطبيق القرار، بالتوازي مع اقتناع المواطنين بضرورة مساعدة الدولة والأجهزة في احترام القوانين، والتقيّد بالإجراءات وعدم مخالفة القوانين والتعليمات المرعية الإجراء”. ولفتت المصادر إلى أنّ وحدات قوى الأمن الداخلي ستنتشر في كافة الأراضي اللبنانية وستسيّر الدوريات والحواجز، وستتعامل بحزم مع المخالفين، وستنظم محاضر الضبط بحقهم، من ضبط المرور والكمامة الذي يبلغ 50 ألف ليرة إلى ضبط المؤسسات الذي يصل إلى مليون ليرة وأكثر”. ولفتت إلى أنّه لا تهاون بقمع المخالفات في أي مكان مع استثناء القطاعات والمؤسسات المشمولة بقرار الإستثناء”.

عبدالله: فرصة للإستعداد للمرحلة المقبلة

عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبدالله لفت لـ”أحوال” إلى أنّ لا ضمانات حول نسبة الإلتزام والإنضباط من قبل المواطنين، وهذا ما أثبتته قرارات الإقفال السابقة على مدى الشهور الستة الماضية، لكن هدف الإقفال التام الذي أوصينا به كلجنة صحة نيابية، هو منح فرصة للمستشفيات مدة أسبوعين لكي تلتقط أنفاسها وتستعد للمرحلة المقبلة، وللحؤول دون رفض استقبال مرضى خصوصاً في وباء كورونا، وتركهم يلقون مصيرهم في الطرقات كما حصل في دول أوروبية.

وأوضح أنّه لا يمكن القضاء على الوباء أو تخفيض عدد الإصابات الى مستويات متدنية، لكن يمكن الحد من انتشاره قدر الإمكان.

وكشف عبدالله عن معاناة وصعوبات كبيرة ويومية تواجهها المستشفيات بتأمين أسرة للمرضى، الذين يبقون 3 أيام في الطوارئ قبل أن يتم نقلهم إلى الغرف المختصة. ولفت إلى ضرورة الإقفال مدة أسبوعين كل شهرين أو ثلاثة لتخفيف الضغط على القطاع الصحي.

البزري: للتأقلم مع الوباء لمدة أطول

من جهته، أوضح رئيس قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى الجامعة الأميركية الدكتور عبد الرحمن البزري في حديث لـ”أحوال” أنّ قرار الإقفال جاء نتيجة عدة أسباب، أهمها فشل الإقفال الجزئي الذي تم اعتماده خلال الفترة الأخيرة، وعجز الدولة عن تأمين حسن سير العمل ضمن الشروط الصحية والإجراءات الوقائية؛ علاوة على عدم إلتزام أغلب المواطنين بهذه الإجراءات، وحالات التفلّت الاجتماعي التي شهدتها مختلف المناطق اللبنانية وكأنّنا في الحالات الطبيعية”.

ولفت البزري إلى أنّ نتائج الإقفال لمدة أسبوعين لن تظهر قبل اليوم العاشر، لأنّ فترة حضانة الفيروس هي 14 يوماً؛ لكن للإقفال نتائج إيجابية بتخفيف الضغط عن القطاع الطبي والإستشفائي الخاص والحكومي، فضلاً عن تقليص عدد الإصابات.

لكن المشكلة بحسب البزري هي ماذا بعد انتهاء قرار الإقفال؟ مستدركاً، هل ستعود الأمور إلى طبيعتها ونعود إلى عدّ الإصابات من جديد؟ وما الإجراءات التي يجب أن يتخذها المسؤولون عن الوضع الصحي للإستفادة من مدة الإقفال؟

برأي البزري، يجب على المعنيين إعادة تقييم المرحلة الماضية على مختلف المستويات، والإستعداد لجولة جديدة من الحرب مع الوباء وذلك بتنقية النظام الصحي والإستشفائي، أي عبر ترميم الثغرات في المستشفيات والمؤسسات الصحية، وزيادة طاقتها الإستيعابية لجهة عدد الأسرة، وغرف العناية الفائقة، وتنظيم الموظفين، وتأمين الأجهزة والمعدات الطبية، إضافة إلى إدخال المستشفيات الخاصة التي لازالت خارج الخدمة للدخول في الحرب مع كورونا.

عقبات أمام تنفيذ القرار

عن تمديد فترة الإقفال، رأى البزري، وهو عضو في اللجنة الوطنية للأمراض المعدية، أنّ من الإحتمالات المطروحة إذا لم تأتِ النتائج على قدر الطموحات، هو خيار الإقفال. لكن السؤال إلى أي مدى يستطيع القطاع التجاري والعمالي سيّما المياومون الصمود في ظل الواقع الاقتصادي الصعب؟

وأجاب البزري على هذه النقطة، بالإشارة إلى مسؤولية القطاعات المهنية المختلفة في المجتمع الاقتصادية والتجارية والتربوية وغيرها، إلى تنظيم نفسها والتدرب والتأقلم مع حرب طويلة مع الوباء، عبر التقيّد بالإجراءت الوقائية ما يسمح للمؤسسات كافة بالعمل ضمن الشروط الصحية، للحفاظ على استمراريتها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة؛ ولفت إلى ضرورة اتباع خطة توازن بين الضرورات الصحية والظروف الاقتصادية.

الشماس: القطاع التجاري مهدّد بالإنهيار

في المقابل، أطلق الأمين العام للهيئات الاقتصادية نقولا الشماس عبر “أحوال” صرخة، مشيراً الى أنّ قرار الإقفال سيرتب تداعيات كارثية على القطاع التجاري، من دون أن يعود بنتائج إيجابية ملموسة على المستوى الصحي، ونكرّر ما حصل في الإقفال الأول الذي فشل بتحقيق أهدافه أيضاً. ولفت إلى أنّنا أبلغنا كافة المعنيين بأنّ قرار الإقفال سيكمل تدمير القطاع التجاري، خصوصاً بعد تفجير المرفأ وتفاقم الأزمة المالية الاقتصادية في البلد، خلال العام المنصرم. وتساءل كيف يطلبون من القطاع التجاري إقفال من دون تقديم أي تعويضات أو مساعدات، علماً أنّ هذا القطاع بحسب الشماس من أكثر الملتزمين بالشروط الصحية والتباعد الاجتماعي، مؤكداً بأنّ القطاع سيلتزم بالإقفال، لكنّه لا يتوقع نتائج إيجابية من الإقفال، وسيظهر ذلك بعد أسبوعين. أما الخطورة فتكمن في أن تستكمل الدولة أخطاءها بإقفال ثالث سيتكفّل بتدمير القطاع كلياً.

وحذّر الشماس من أنّ القطاع التجاري مهدّد بالإفلاس، وبالتالي صرف جماعي لأعداد كبيرة من الموظفين بسبب ارتفاع أكلاف الإستثمار، من دون أي إنتاج وعائدات مالية، ما سيدفع بمؤسسات عدة إلى التصفية والإقفال النهائيز

وخالف عضو لجنة الصحة النيابية الدكتور عبدالله قول الشماس، معتبراً أنّنا اخترنا بين السيئ والأسوأ. فوباء كورونا ليس السبب الوحيد لأزمة القطاع التجاري، بل السياسة الاقتصادية والمالية للحكومات، وسياسة المصارف، وجشع التجار، ومعابر التهريب والاحتكارات والمضاربات. ولفت عبدالله إلى أنّ القطاع الإستشفائي يعاني كما القطاع التجاري سيّما بعد ارتفاع عدد الإصابات في صفوف الأطباء والكادر الطبي والممرضين.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى