منوعات

سدّ العاصي حلم قيد الوعود منذ القرن الماضي

حلم راود أهالي بعلبك الهرمل منذ القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وكاد أن يتحقق في يومٍ من الأيَام لولا أنّ الأقدار شاءت عكس ذلك، إنّه سد العاصي، فالنهر الأغزر في لبنان تبلغ نسبة تدفقه بين 12 و15 متر مكعب في الثانية، إلّا أنّ لبنان لا يستفيد من هذه الوفرة ولا حتى الهرمل منبع النهر بالشكل المطلوب، كون المسافة التي يشقها في لبنان تبلغ 25 كلم فقط، مقارنة بتلك التي يشقها في الأراضي السورية (450 كلم) وصولًا إلى مصبّه في تركيا.

استفادت سوريا من نهر العاصي، فبنت على مجراه 39 سدّاً أهمّها سدّ الرستن في محافظة حمص وسدّ محردة في مدينة حماة، إذ تستخدم هذه السدود لتوليد الطاقة وأعمال الري والاستخدامات المنزلية والصناعية وغيرها.
أمّا في تركيا والتي يصبّ العاصي في البحر المتوسط في منطقة لواء اسكندرون فتستخدمه بنسبة 0.6% من إجمالي إمكانات المياه لديها فتستخدم مياهه للري والشرب وغيرها.
لبنان البلد الأم لنهر العاصي فلا يستفد إلا بنسبة قليلة مقتصرة على المقاهي ومزارع السمك وبعض الحقول القريبة، حتّى أنّ نسبة 20% من هذه المياه المتفق عليها بين الدولتين اللّبنانية والسورية وفق الاتفاقية الموقعة بينهما عام 1994 لم يستفد لبنان منها بشيء.
تأمّل اللّبنانيون وأهالي الهرمل خاصة، أن يستفيد لبنان من هذه النعمة، عبر تنفيذ السدّ على مجرى نهر العاصي للريّ وتوليد الطاقة، كما كان مقرّرًا في خمسينيات القرن الماضي، وتمّ تعديل المشروع ليقتصر على الريّ فقط، فيما أُجريت دراسات أكّدت إمكانية توليد الطاقة لاحقًا، إلّا أنّ شيئًا لم يتحقّق في هذا الشأن، على الرغم من الاستملاكات التي أجرتها الدولة والأعمال التي بدأت عام 2005 وتوقّفت في تموز 2006 بسبب العدوان الإسرائيلي على المنشآت خلال الحرب، والخلاف الذي نتج مع المتعهدين الذين لم يعوّض عليهم.
وللوقوف على تفاصيل مشروع السدّ إتصل “أحوال” بعضو تكتل نواب بعلبك الهرمل النائب غازي زعيتر الذي أكّد أنّ السدّ حلم اللّبنانيين جميعاً وأهالي بعلبك الهرمل خصوصًا، كونه يؤمّن كميّات وفيرة من مياه الري لأراضيهم العطشى وبشكل أسهل، ويخفّف عنهم المشقّات، ولفت زعيتر إلى أنّه في وقت سابق تواصل لبنان مع سوريا في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، ووافقت سوريا على زيادة نسبة المياه من 27 مليون متر مكعّب إلى حدود 40 مليون متر مكعب، وهذا فوق حق الدولة اللّبنانية، وعلى الرغم من هذه الزيادة لم ينفّذ لبنان المشروع، مشيراً إلى أنّ الحكومة عام 2006 رفضت التعويض على الشركة المتعهدة للسدّ والشركة الصينية أيضًا، بعد العدوان الإسرائيلي على المنشآت، ما أدّى إلى انسحاب الصينيين من المشروع.
ولفت زعيتر إلى أنّ المساحات التي يرويها السدّ تعدّلت، فكانت 6000 هكتار وأصبحت 11000 هكتار وتضمّ بعلبك والهرمل والقاع ورأس بعلبك، مؤكّدًا أنّ هذا السدّ من السدود التي كان من المفترض أنّ يتسفيد منها الأمن الغذائي اللّبناني، داعيًا الحكومة القادمة لأن يكون السدّ في سلّم أولوياتها، خاصة أنّ المشروع ملحوظ بمؤتمر سيدر.
بدوره رئيس اتحاد بلديات الهرمل نصري الهق أكّد أنّ إنشاء السدّ مسألة ضرورية جدًا لأنّ أغلب الأراضي في المنطقة لا يوجد فيها ينابيع، وسدّ العاصي سيطال 90% من الأراضي، وستنخفض كلفة الإنتاج الزراعي لأنّ المزارع يتكلف كثيرًا في موضوع الري خصوصًا أنّ حفر الآبار ممنوع في المنطقة، وعندما تتأمن المياه من السدّ فستتأمن بطريقة وفيرة وسهلة ودون تكلفة على المزارع.
وأشار الهق إلى أنّ مساحات واسعة من الأراضي في الهرمل لا تصلح للزراعة، إلّا إذا تأمنت لها المياه الوفيرة عندها تستصلح وتزيد المساحات المزروعة، وهذا سيزيد فرص العمل ويخفض نسبة البطالة في المنطقة.
ورأى الهق أنّ بعض الأصوات المعارضة للسدّ تعود لخوف أصحاب المقاهي من زوال مقاهيهم على ضفاف النهر، لافتًا إلى أنّ الكثير من السدود في العالم تزدهر في محيطها السياحة، مشيرًا إلى إمكانية التعويض عبر إنشاء مرافق سياحية كباقي دول العالم والاستفادة من السد.

مشروع سدّ العاصي من المشاريع التي يؤكد المعنيون أهميتها ونجاعتها، والتي يأمل أهالي بعلبك الهرمل أن يبصر النور في أيامهم بعد أن كان حلم أجدادهم وآبائهم، فالبقاء في الأرض يحتاج إلى مقوّمات وهذه المقوّمات لم تكن يوماً ترفًا، وإنّما حقًّا طبيعيًا لأيّ إنسان بالعيش الكريم.

محطات مفصيلة

في ما يلي محطات مفصلية في مسيرة تحقيق خلم العاصي بحسب ما اوردتها جريدة “الأخبار”:

– عام 1953 منح مجلس النواب امتيازاً حصرياً ــــ لا يزال ساري المفعول ــــ لجورج نمر بعاصيري للقيام بمشاريع لتوليد الطاقة من العاصي واليمونة.

– بين 1958 و1959، أعدّ معهد الأبحاث الزراعية في تل عمارة في رياق، بالتعاون مع خبراء فرنسيين من بعثة الشرق الأوسط للزراعة، دراسة حول التربة في منطقة نهر العاصي.

– عام 1986، أعدت شركة “دار الهندسة” دراسة أولية للسدّ جاء بنتيجتها: بحيرة تجمع 110 ملايين متر مكعب وري 6000 هكتار من الأراضي القابلة للزراعة.

– في 27/11/2002 وافق المجلس الأعلى السوري ــــ اللّبناني على إقامة سد لتقاسم المياه المتدفقة من النهر، وقرر أن حصة لبنان من المياه 80 مليون متر مكعب، ووافق على إقامة سد وبحيرة لجمع المياه بقدرة تخزينية تتراوح بين 30 و37 مليون متر مكعب.

– أعدّت “دار الهندسة” ، عام 2003 ، مجدداً دراسة أخرى تلحظ حصة لبنان من اتفاق توزع حصص المياه، وتخلص إلى إقامة ثلاثة سدود: تحويلي (بارتفاع يصل حتى 60 متراً) وتخزيني وتنظيمي. قُدرت كلفة المشروع عام 2005 بحوالى 300 مليون دولار، ولُزّم تنفيذ أعمال المرحلة الأولى إلى تجمع شركتي CWE الصينية و”حطاب إخوان للهندسة والمقاولات” .

– كان يُؤمل تدشين المرحلة الأولى من السد عام 2008، إلا أن مشاكل الاستملاكات أعاقت عملية الانطلاق.

– في تموز 2006 أغار طيران العدو الإسرائيلي على موقع العمل ما أدى إلى تدمير قسم من تجهيزات الشركة التي طالبت بتعويضات، لكن المفاوضات مع الدولة وصلت إلى نتيجة واحدة: توقّف الأعمال نهائياً.

– اعتباراً من 2007، تضاعف عدد المطاعم والاستراحات الموجودة على ضفاف النهر مع علم أصحابها بوجود مشروع السد، في غياب أيّ نوع من الخطط التنموية المطلوبة للمنطقة.

 

منير قبلان

منير قبلان

باحث قانوني. إعلامي ومعد برامج وتقارير سياسيّة واجتماعية. يحمل شهادة الماجيستير في الحقوق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى