منوعات

الدولار المجمّد يغزو السوق ومصرف لبنان يتحرّك

في الوقت الذي يعيش فيه اللّبنانيون أزمة اقتصادية خانقة بدأت تتفاقم في 17 تشرين الأول الماضي ترافقت مع شحّ في الدّولار، تغزو ظاهرة “الدّولار المجمّد” الأسواق اللّبنانية، حيث يمكن الحصول عليه مقابل نصف سعر “الأخضر” في لبنان تقريباً.

دولارات ليبية وعراقيّة، تحمل أرقامًا تسلسلية معيّنة، غير مزيّفة ولكنّها “معطّلة” من قبل  الخزانة الأميركيّة، يمكن التّداول بها في السّوق بشكل طبيعي، وحتى وضعها في الحسابات المصرفيّة اللبنانيّة، لافتقار لبنان إلى آلات الكشف عن هذه الأرقام “المقيّدةّ”.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الكميّة من الدّولارات تعود لمسؤولين في العراق وليبيا.

قوى الأمن الدّاخلي تحذّر

المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي تنفي وجود عملات عراقية وليبية جملة وتفصيلاً، وتعتبرها شائعات عارية عن الصحة.

وتكشف المديرية أنّ الهدف من إطلاق هذه الشائعات هو تسهيل عمليات ترويج دولارات مزيّفة، وذلك من خلال إيهام الناس بوجود هذه الدولارات، للإستيلاء على أموالهم، بحيث يجري تبديل العملة الصحيحة بالعملة المزيّفة أثناء عملية التسلّم والتّسليم.

وتؤكد المديريّة أنّه تم توقيف عدد من أفراد هذه العصابات، والعمل مستمرّ لتوقيف كل من شارك أو لديه أيّ صلة بها.

كما وتطلب المديريّة من المواطنين، التّنبّه والحذر، كي لا يكونوا عرضةً لعمليات احتياليّة مماثلة، كما أنّها تدعوهم، عند تلقي أيّ رسالة نصّيّة، أو بريد إلكتروني من حسابات أو جهات أو منظمات أو مؤسسات غير موثوقة المصدر، التّأكد من صحّة المعلومات التي تحتويها الرسائل، كي لا يقعوا ضحية المحتالين.

مصرف لبنان يؤكّد

وفي حين تنفي المديريّة العامة لقوى الأمن الداخليّ صحة المعلومات، يؤكّد مسؤول في مصرف لبنان رفض الكشف عن اسمه أنّ هذه الدّولارات موجودة في الأسواق اللّبنانية فعلاً ويتم التّداول بها، ومصدرها ليبيا والعراق.

ويتابع: هذه الدّولارات سليمة وغير مزوّرة كغيرها من الأوراق النقديّة الأخرى، لكن الرّقم التّسلسلي المطبوع أسفلها يخضع لتقييد من قبل أنظمة غربيّة لأسباب مختلفة.

ويشير إلى وجود فريق عمل من المصرف يقوم بمتابعة الأزمة ووضع خطّة لكشف خيوطها، وتحديد هويّة من أتى بها إلى لبنان ووزّعها على مراحل. ويرفض الإدلاء بأيّة معلومات إضافيّة نظراً لسرّيّتها.

“المجمّد” يغرق الأسواق

ووفق مصدر مصرفيّ، ثمّة كمّيات كبيرة من الدّولارات المجمّدة في الأسواق اللبنانيّة، ويتم بيعها من قبل أفراد للصّرافين أو للمواطنين إمّا نقداً أو عبر الحسابات المصرفيّة، لكن لم يتم التّثبت بعد ما إذا كانت مرمّزة بطريقة معينة، فيما البعض يقول إنّ أرقامها معروفة وتحظّر الإدارة الأميركيّة تداولها.

ويتابع، للأسف لا يوجد في لبنان آلة لكشف الأرقام المحظورة من قبل الخزانة الأميركيّة، ما يتيح لهذه الدّولارات الدّخول إلى المصارف بطريقة شرعيّة، دون أن يتم كشفها إلّا إذا تمّ شحنها إلى خارج لبنان.

بإنتظار التّعميم

يشير نائب نقيب الصرافين محمود حلاوي إلى أنّ النّقابة لم تتلقَ حتى اليوم تعميمات أو مذكّرات من مصرف لبنان بخصوص التّداول أو عدم التّداول بهذا النّوع من فئات الدّولار. “عادة نتلقّى من هيئة التّحقيق الخاصّة  ولجنة الرّقابة تعليمات لتفادي التعامل بهذه العملات”،  لافتاً إلى أنّه حتى الآن تعجز ماكينات العدّ الموجودة في السّوق اللّبناني عن التّميز ما بين الدولار المجمّد والدولار الحقيقي.

من أين أتت “الدّولارات  المجمّدة” اللّيبية والعراقيّة؟

تعدّدت الروايات حول كيفيّة وصول “الدّولار المجمّد” إلى السوق العربية السوداء.

تشير معلومات إلى أنّ الدّولار اللّيبي جاء عقب إسقاط نظام الرّئيس الرّاحل معمّر القذافي في أعقاب الثّورة الشّعبيّة التي خرجت ضدّ حكمه في العام 2011. حينها، وقّع الرّئيس الأميركيّ الأسبق باراك أوباما على أمر تنفيذي يجمّد أصول القذافي وعائلته وكبار مسؤوليه، بالإضافة إلى الحكومة اللّيبية والبنك المركزي اللّيبي وصناديق الثّروة السياديّة.

ونتيجة  القرار تراكمت ملايين الدّولارات في الخزينة اللّيبية والمصارف التّابعة للحكومة، ومع تدهور الأوضاع الأمنيّة والسّياسيّة في البلاد تم تهريبها إلى دول عربية.

أمّا بالنّسبة للدّولار العراقي، فترجع قصّته بحسب الرّوايات إلى حرب الخليج الثّانية (1990-1991) والإحتلال الأميركيّ للعراق عام 2003، حيث تمّت سرقة كميات كبيرة من الدّولارات من مصارف عراقية عدة.

وبحسب موقع “البورصة اللّيبية للعملات”، فقد تمّ التّبليغ عن هذه الدّولارات لواشنطن من أجل تجميدها، استناداً للأرقام التسلسليّة المسجّلة في قواعد البيانات الخاصّة بالمصارف، كي لا يستفيد أحد من تصريفها أو إدخالها إلى حسابات مصرفيّة ثانية.

تنزيلات مقابل الدولارات اللّيبية والعراقية

من جهته، يوضح الكاتب في الاقتصاد السياسي بيار الخوري أنّ قصّة الدّولار المجمّد ليست جديدة في منطقتنا، فهو يعود إلى أيام سقوط النظام العراقي عام 2003؛ وظهر بعد مع سقوط نظام الرّئيس معمّر القذافي في ليبيا. في كلتي الحالتين تمّت سرقة كميات كبيرة من خزائن الدولارات في المصارف في هذين البلدين.

وهكذا بدأ تداول الدولارات التي حظرتها لاحقاً وزاره الخزانة الأميركيّة بصفتها دولارات مسروقة خرجت أرقامها التسلسليّة من التّداول.

ويؤكد الخوري أنّه يتمّ بيع هذه الدّولارات بمعدّل حسم حادّ يصل أحياناً إلى 70 % من قيمتها الورقية، لتصبح قيمتها الفعليه عند شرائها حوالى 30 دولار لكل مئة دولار.

مؤخراً بدأنا نسمع عن الدّولارات المجمّدة في بيروت، مع أنّ الإتجار بهذه الدولارات يختلف وضعه الآن عما كان عليه عام 2003، مع سقوط النظام العراقي، كما يختلف عن عام عام 2011 مع سقوط النظام الليبي.

دولارات سوداء أم مزوّرة؟

ويتابع الكاتب الاقتصادي عن تطوّر ماكينات الكشف على العملة، حيث  لم يعد سهلاً تمرير هذه الدّولارات إلى النظام المصرفي، لافتاً إلى الخطورة الكبيرة التي تكمن اليوم في احتمال تجميد عملات مزوّرة بتقنيه عالية على أنّها عملات مجمّدة.

العملة المزوّرة بتقنية عالية خطيرة جدّاً خصوصاً في بلد كلبنان تحوّل اقتصاده إلى اقتصاد الكاش. حيث أنه قد لا تكون هذه العملات المجمّدة لها علاقه بأي شكل من الأشكال بالعملات العراقيّة واللّيبية، بل قد تكون جزءاّ من مافيا توزيع الدّولارات المزوّرة السّوداء الرائجة في بلدان الشرق الأوسط منذ أمد غير قصير.

ويشير الخوري إلى أنه منذ انفجار أزمة القطاع المصرفيّ اللّبنانيّ، وحجز الودائع في العام الماضي، بدأت عملية تحويل الودائع المصرفيّة إلى كاش واستبدال الشيكات المصرفيه مقابل العملات النقديّة بالدّولار وانفلاش السّوق السّوداء لتبادل العملات؛ وشكّلت  تلك العملية خطراً كبيراً على الحيازةّ النّقديه من الدّولار، لأنّ المودع أو المتعامل ليس مؤسسة متخصّصة في الكشف عن حقيقه هذه الدّولارات، وجلّ همّه تسييل دولاراته في المصارف.

لذلك ربما تكون كل عملية تسويق الدّولارات المجمّدة عبارة عن تسويق دولارات مزوّرة أو الدّولار الأسود وهذه أيضاً نقطة دقيقة. فالدولار الأسود بحسب الخوري، هو دولار حقيقي ناتج عن تجارة المخدّرات والأسلحة وتمويل الأعمال الخارجة عن القانون الدّولي، ولكن يجب تبيضه لإعادة إدخاله إلى النّظام الماليّ والنقديّ بطريقة أو بأخرى. يوم ما سيعرف بعض من تداول الدّولارات النّقدية وخزنها أنّه ربّما قد تعرض في الطريق لخديعة كبرى تؤدي به إلى واحده من الإحتمالات السيئه التاليه:

إمّا يحمل دولارات أصلها مجمّد غير معترف بها في النّظام المالي الدولي، أو مزوّرة ذات تقنيّة عالية، أو يحمل دولاراً أسود وقد ساهم هو من حيث لا يدري في عمليه تبييضه، أو أّنه يحمل مزيجاً من العملات الصحيحة وغير الصحيحة، وإما أخيراً ولسوء حظه لا يحمل إلّا مزيجاً من الأشكال الثلاثة السّيئة معاً.

 

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى