منوعات

النائب فياض لـ”أحوال”: نكترين الوزاني كان يكفي سوريا وعجز دولتنا سيعيده صحراء قاحلة

على طول الطريق الممتدة من بلدة كفركلا الحدودية الى بلدة دبّين، في قضاء مرجعيون، يقع سهل مرجعيون أو “سهل الخيام”، السهل الداخلي الوحيد في جنوب لبنان، والذي كان قبل سنوات طويلة مورد رزق معظم أبناء المنطقة، لكنه اليوم يبدو مهجوراً ومختلفاً عن طبيعته السابقة… إنها التحولات الكارثية.

لا أثر للمزارعين، باستثناء الأراضي القريبة من “نبع الدردارة”، المورد الوحيد لري المزروعات. هناك، قرّر المزارع أحمد عبدالله “الاستغناء عن الزراعة، بسبب ارتفاع الكلفة وشحّ المياه، لقد دفعت في العام الماضي 50 مليون ليرة لزراعة 25 دونم بالتبغ والخضار”.

قريباً من مستعمرة المطلّة الاسرائيلية، يجلس محمود (47 سنة) تحت مظلّة صغيرة تقيه من حرارة الشمس الحارقة، عيناه شاخصتان، بحسرة، على السهل الواسع، الذي بدأت المباني السكنية تجتاحه “ظلماً وعدواناً”، كما يقول، “لقد قرر أبناء الجنوب الاستغناء عن زراعة السهل، وبناء المنازل داخله، وبشكل مخالف للقانون”، لافتاً الى أن “الاستمرار في البناء سوف يحوّل السهل الى منطقة سكنية بالكامل”.

إنتشار المنازل وبعض الاستراحات تؤكد على هجرة المزارعين وعدم جدوى الاستثمار بالزراعة. زينب نصرالله مزارعة معروفة ومشهودٌ لها في منطقتها بقدرتها على زراعة أكثر من 200 دونم من الأراضي سنوياً، بعد الاستعانة بعمال من البدو الرحّل، الذين استوطنوا أراضي السهل منذ عدة سنوات، تؤكد على أن “الزراعة باتت خاسرة لأن الكلفة باهظة، لا سيما كلفة السماد والمياه والفلاحة”. وتبّين نصرالله أن “الأموال التي تدفعها مؤسسة الريجي للمزارعين عند تسليمهم أوراق التبغ، باتت لا تكفي أجرة فلاحة الأرض، وهذا أدى الى امتناع عشرات المزارعين عن الزراعة، أما أنا فقد أتوقف أيضاً بعد تسليم ما زرعته من التبغ هذا العام”.

تصل مساحة أراضي السهل الى حوالي 28 مليون متر مربع، “اذا أضفنا اليها حوالي مليوني متر مربع من الأراضي المتصلة بالسهل في منطقة الوطى والسرداب”، واللاّفت أن “معظم هذه الأراضي تُزرع بشكل غير منظّم، وبدون توجيه علمي ذات جدوى اقتصادية”.

يذكر أحمد عواضة (81 سنة) أن “معظم أبناء المنطقة كانوا يزرعون السهل بالحبوب والخضار المختلفة، لكن الاحتلال أدى الى تهجيرهم في العام 1970، وبعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عاد العشرات منهم الى الزراعة، لكن معظمهم تركها اليوم بسبب غياب الدولة عن دعم المزارعين في ظل ارتفاع الكلفة”.

قريباً من سهل الخيام تقع منطقة الوزاني الخصبة ومعها منطقة المجيدية وسردة والتي تزيد مساحة أراضيها الزراعية على 30 ألف كلم مربع، وهي كانت جرداء، غير صالحة للزراعة، كونها أراض صخرية، وبركانية، وممنوع الدخول اليها بفعل الاحتلال الاسرائيلي. لكن بعد سنوات على التحرير، تغيّر الواقع، ليتغيّر كليّاً مشهد هذه الأراضي، من أراض جرداء، الى أراض واسعة خضراء، تضاهي في روعتها وانتاجها، الأراضي المجاورة لها، داخل فلسطين المحتلة.

“لم يعد في وسع زائر المنطقة، أن يقارن بين الأراضي الفلسطينية الزراعية الحدودية، والأراضي المحيطة بنهر الوزاني” يقول أحد كبار المزراعين في الوزاني محمد شيت، الذي استأجر أكثر من 500 دونم وعمد، كغيره من كبار المزارعين، الى استصلاح هذه الأراضي الواسعة، دفع شيت آلاف الدولارات وكل ما يملك لاستصلاح هذه الأرض، وعمد الى زراعتها بمئات الأشجار المثمرة من الدرّاق والنكترين والعنب وغيرها، اضافة الى القمح وأنواع متعددة من الخضار.

ويلفت الى أن “هذه الأرض تعادل في جودتها، وكمية انتاجها، سهول عكار، بعد أن عمد أكثر من 25 مواطن من كبار رجال الأعمال، الى استصلاح آلاف الدونمات، وزراعة حوالي 25 ألف متر مربع بالأشجار والحبوب والخضار، لتنتج عشرات الآلاف من الأطنان، بينها ما يزيد على 10 آلاف طن من العنب، معظمها يصدّر الى الخارج، بما يوازي 20 مليون دولار سنوياً”. لكنه اليوم سيضطرّ الى “الاستغناء عن أكثر من 200 دونم من الأراضي، بسبب الغلاء الفاحش للأسمدة والمبيدات والبلاستيك وغير ذلك”، وبالتالي سوف يخسر أكثر من 100 عامل، يعتاشون من هذه الزراعة”.

النائب فياض

وبحسب النائب علي فياض فان “سوريا كلّها، قبل الحرب، كانت تأكل من انتاج فاكهة النكترين المزروعة في سهول الوزاني”، وأنه “وفي حال استمرّ غياب الدولة ورفع الدعم عن المازوت فان ذلك سوف يؤدي الى خسائر مالية كبيرة، وقد يساهم في القضاء على هذه الزراعة”.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى