توطين “الماعز البرّي” شمالاً… مبادرة بنّاءة أم إخلال بالتوازن البيئي؟!
طالعتنا مؤخراً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات تُثني وتُشيد بـ”مبادرة بيئية” أطلقها رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، لجهة إدخال نوع من الماعز البرّي إلى منطقة “بنشعي” وجوارها، بعد مشروعين سابقين تم خلالهما إدخال “الخنزير البرّي” ونوع من “الغنم البري” Mouflon إلى المنطقة.
وقد تباينت الآراء بين مؤيد ومنتقد للمبادرة، حيث اعتبر ناشطون بيئيون أن هذه المبادرة قد تتسبّب بزعزعة التوازن البيئي وسائر النظم “الإيكولوجية” في المنطقة، خصوصًا في ما يتعلّق بالخنازير البرية بعد أن أطلق الكيان الإسرائيلي أعدادًا منها جنوباً، وأصبحت “وبالاً” على المزارعين، الأمر الذي دفع بوزارة البيئة إلى وضعها على قائمة الصيد، وبعدد غير محدد.
أنطون: استعادة الحياة البرية
وفي هذا السياق، قالت المختصّة في البيئة والتنمية، الدكتورة سنا أبو ديب أنطون، لـ “أحوال”: “تم إدخال أنواع عدة من الحيوانات إلى البيئة اللبنانية، وثمّة تجربة في محمية أرز الشوف مع إدخال “الوعل النوبي”، وفي منطقة “بنشعي” تمّ في العقد الأخير إدخال الخنزير البري Wild Boar، تبعه الغنم البري Mouflon، وحاليًا الماعز الأناضولي أو الفارسي”، مشيرة بالمقابل إلى نواحٍ إيجابية لتجارب الإدخال السابقة، حيث أدّى وجود الخنزير البري إلى تعافٍ في أعداد الذئاب واستقطابها إلى المنطقة، خصوصًا أن الخنزير البري يُعتبر ضمن السلسلة الغذائية للذئاب، وبذلك يمكن استعادة الحياة البرية بكافة أنواعها”، بحسب قول أنطون.
من جهة أخرى، قالت المختصّة في البيئة والتنمية، إنه “وبالنسبة للغنم البري، فقد بدأ الأمر بإدخال ثلاثين رأسًا، وحاليًا يبلغ عددها بين 150 و200 رأسًا، أي بعد حوالي سبع سنوات”، منوّهة إلى أن “الغنم البري لا يؤذي ويتأقلم مع البيئة، كما تشكل هذه الحيوانات عامل جذب سياحي للمحليين والمغتربين والأجانب إلى منطقة بنشعي وجوارها”.
الماعز البري واستقطاب السياح
وعن الماعز البرِّي، أوضحت أنطون أن “هذا النوع يعيش في طبيعة جبلية وجردية مشابهة لبيئتنا، ويشابه بخواصه الغنم البري، ومن المتوقع أن ينجح كما نجح هذا الأخير، إذ أنه يُعتبر “جد” الماعز الحالي، وقد تم إحضار حوالي 40 رأسًا حاليًا، وتتم رعايتها ومتابعتها لتتكاثر ومن ثم إطلاقها في الطبيعة”، لافتة إلى أنه “إن كان يتطلب دراسة علمية معينة، فإنها تحتاج إلى الوقت وآليات وتمويل وخلافه”.
أما حول تخوّف بعض الناشطين من تحوّل هذا النوع من الماعز إلى عامل استقطاب لرياضة الصيد، كما يحصل في بلاده الأصلية حيث يعتبر Trophy Hunting وهدفًا لرحلات الصيد، قالت أنطون: “إن حصل وتكاثرت أعداد هذا النوع من الماعز بصورة كبيرة، فإن هذا الأمر لن يحصل قبل سنوات عدة، علمًا أن له ناحية إيجابية كونه يشكل دخلاً للدولة ومصدراً لمبادرة جديدة تساهم في تطوير المنطقة وتنميتها اقتصاديًا، فضلًا عن استقطاب السياح”، داعية بالتالي الوزارات المعنية لرعاية هذه المبادرة، لا سيما وزارة الزراعة كونها المرجع في هذا المجال، فضلاً عن الجهات العلمية في ما يتعلق بالمتابعة العلمية وإجراء الأبحاث”.
الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة
وفي سياق متصل، أشار المختص بالتنوع الحيوي والمحميات الطبيعية وعضو اللجنة التوجيهية لهيئة بقاء الأنواع في الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN، إيهاب عيد، في حديث لـ “أحوال” إلى أن “هناك توجيهات إرشادية معتمدة لبرامج إعادة الإكثار، وأي من هذه البرامج يجب دراستها بعناية، وأي إدخال لأنواع غريبة بطريقة غير ممنهجة وعلمية، من المتوقع أن يؤدي إلى مشاكل بيئية كبيرة”.
وعن هذا النوع من الحيوانات، أوضح عيد أن “هذا الحيوان هو من ذوات “الأظلاف” ويعرف بالبدن الفارسي، وبالانجليزية Persian Ibex واسمه العلمي Capra aegagrus aegagrus، وهو من الأنواع المسجلة في تركيا وإيران”، لافتًا إلى ان بعض المراجع أشارت إلى أنه من الأنواع التي تواجدت في بلاد الشام لكنه انقرض منها كلها، إلا أن في لبنان تحديدًا يعتقد أن هذا النوع انقرض بداية عام 1900 من مناطق شمال لبنان.
وتابع عيد: “يُعتبر الماعز البري من الأنواع المعرّضة للانقراض على مستوى البحر المتوسط Vulnerable. أما على المستوى العالمي فهو نوع قريب من أن يصبح مهدداً Near threatened”، مشددا على أن برامج إعادة التوطين يجب أن تكون مدروسة بشكل سليم وصحيح، وأن يكون هدفها حماية الطبيعة، وإلا فإن أضرارها اكثر بكثير من حسناتها. وقد رأى عيد أن “هذه البرامج مهمة للغاية، ولأهميتها تم نشر إرشادات توجيهية أصدرها الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة، توضح أسس التعامل مع هكذا برامج، وهي مقسّمة الى قسمين، وهما: برامج تعزيز وإعادة التوطين ضمن مناطق التواجد الطبيعي للنوع، والقسم الثاني عمليات إطلاق بهدف حماية الطبيعة”.
تحليل المخاطر والمهدِّدات
من هنا قال عيد: “إن أردنا الإفتراض أن هذا البرنامج سيطبق في لبنان، فعلى القيمين الإهتمام بثلاث مراحل: الأول التصميم والتخطيط الذي يستوجب تنفيذ برامج دراسات تفصيلية حول النوع المراد توطينه ومواقع تواجده التاريخية ودراسة الموائل (أي المناطق التي سيتم إعادة الحيوان إليها)، وقدرتها على استيعاب هذا الحيوان لجهة الغطاء النباتي والمراعي، وما إذا كان هناك مساحات كافية وغيرها من الأمور الهامة، فضلًا عن موضوع المفترسات الطبيعية، لافتًا إلى أن “المفترس الوحيد الموجود حاليًا في لبنان وبلاد الشام هو الذئب العربي وابن آوى، والذي في حالات قليلة يصطاد صغار هذا النوع، أما الضبع وغيره فليس من مفترسات لهذا النوع”.
وأردف: “من المفترض تحليل المخاطر والمهدِّدات، وقدرة الحماية والاختلافات الجينية، وبرامج المراقبة المتوفرة، والأمراض المتوقعة سواء من هذا النوع للحياة البرية أم بالعكس، ولا ننسى أن الأمراض من الممكن أن تنتقل من هذا النوع للأنواع المستأنسة مثل الغنم والعكس صحيح، وهنا المشكلة الكبيرة التي يمكن أن تصيب المجتمعات التي تعتمد على تربية المواشي”، مشيرًا إلى أن المرحلة الثانية وهي التنفيذ، تتضمن وضع برنامج عمل تنفيذي يبدأ من يوم إحضار الأنواع ورعايتها، وضمان بقائها برية لتستطيع النجاة لحين إطلاقها، وتوفير المصادر المالية والفنية وغيرها، أما الثالث فهو المراقبة والتقييم، كما ويشترط توفر استراتيجية خروج ملائمة في حال حدوث أي خلل”.
محاذير
من جهة أخرى، حدّد عيد جملة من المحاذير، منها أن “عدم أخذ ما سبق بعين الاعتبار، قد يؤدي الى مشاكل كبيرة، من أهمها تدمير البيئة الطبيعية، وفقدان خدمات الأنظمة البيئية المتوفرة، خصوصًا وأن هذا النوع من الماعز من “العاشبات”، أي أنه إن لم تتوفر موائل كافية، أو إن لم تتوفّر مفترسات طبيعية لتسيطر على الأعداد، فإن تكاثر هذا النوع سيوثر سلباً على الغطاء النباتي، وقد يقضي عليه بالكامل”.
وأشار إلى أنه “في هذا المجال، فإن الصيادين يمكن أن يكونوا عاملًا سلبيًا ولا سيما غير الملتزمين، ويصبح صيد هذا النوع حجّة لقتل أنواع ثانية وتدمير البرية، ولا ننسى أن الصيادين غير الملتزمين يتطلبون رقابة تحتاج كوادر بشرية وأموال، فبالتالي هي مشكلة إضافية. والأمر الثاني المهم، هو الأمراض التي سبق ذكرها ما قد يؤثر سلباً على الانسان، كما ثمة مخاطر تحوّل النوع إلى نوع غازٍ، فمثلًا إن استطاع هذا النوع الانتشار في لبنان وأن يتحول إلى نوع غازٍ، فانه سيؤثر على البيئة”.
وفي الختام أكد عيد أن هذا الموضوع في غاية الأهمية وتنفيذه يجب أن يتم بطريقة صحيحة وعلمية، مشيرًا بالمقابل إلى أنه من المفترض إجراء استشارات علمية لأصحاب العلاقة مع برامج إعادة التوطين قبل البدء بالمشروع، لضمان التزام الجميع وموافقتهم وقبل فوات الأوان.
سوزان أبوسعيد ضو