مجتمع

التنجيم ملاذ المواطن بين حكم القانون وعلم النفس

تنظر الدول المتقدمة للتبصير والتنجيم كمادة ترفيهية؛ فيما يحتّل المبصرون شاشاتنا ليصبحوا نجوماً تتجمهر الناس لمشاهدتهم، خاصة ليلة رأس السنة، التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى ليلة التنبؤات والتنجيم؛ وقد وصل الأمر مع كافة وسائل الإعلام اللبنانية إلى التسابق على استضافة المنجّمين عند اقتراب أي استحقاقٍ في البلد أو في العالم. وأصبح الكثير من الناس يخططون لحياتهم بناءً على تنبؤات هؤلاء المنجمين، بمساهمة قوية من وسائل الإعلام لنشر هذه الظاهرة حيث تخصص لهم أوقات الذروة، وتعدّ التقارير عن تنبؤاتهم السابقة التي صابت تحت مبدأ “هذا ما يريده الجمهور”. إذن، ما سبب انتشار ظاهرة التنجيم في بلادنا وتهافت الناس عليها ؟

ظاهرة التنجيم ليست مستحدثة

المختص بعلم نفس العمل (أي دراسة سلوك الفرد في مجال عمله) محمد بدرا أكّد في حديثٍ لـ “أحوال” أنَّ وعي الناس ارتبط منذ القدم بالمنجمين والمتنبئين، وكانت شخصية العرّاف منتشرة عند أجدادنا، وذلك سببه أنّه الإنسان دائماً لديه أسئلة وجودية من الصعب الإجابة عليها فيلجأ إلى الغيب لتفسيرها، أي معالجة اللامنطق باللامنطق. وأردف بدرا أنّ هذه الظاهرة جزء من تراكم  الوعي عبر الأجيال، ورأى  أنَّ الإنسان يشعر بالخوف من المستقبل والاستحقاقات الكبرى، وهو بحاجة لطمأنة هذا الخوف، لهذا يلجأ للغيب، لافتاً أنَّ الإنسان بطبعه يميل نحو الأمور المجرّبة أكثر من أن يغور باكتشافاتٍ جديدة.

هذا، ولفت أنّ الإنسان رغم كل تطوره لا يستطيع التنبؤ بمجموع الأحداث التي قد تغيّر مصير الإنسان، فعندما يتنبأ له المنجم بحدثٍ مستقبلي، يحضّر نفسه لهذا الاحتمال والاحتمالات المرتبطة به، عندها يشعر بنوعٍ من الإطمئنان والاستعداد للمستقبل.

العمق الكياني والارتكازٍ على الغيب

ويعتبر بدرا أنَّ العمق الكياني لكل إنسان يحتاج إلى ارتكازٍ على الغيب كي يستطيع تفسير سبب وجوده في هذا الكون، لأنّه فشل بتفسيره نفسياً وفلسفياً، لذلك يبحث عن الإجابة بأماكن غير متوقعة، لافتاً أنّه في المجتمعات المنظمة والتي تحفظ حقوق  الفرد وواجباته، تتراجع سلطة ونجومية المنجمين، لأنها قد تستطيع التنبؤ بمستقبل الأفراد والمجتمعات والاقتصادات وفق أرقامٍ واضحة ومنطقية ومدروسة.  بينما يسطع نجم المنجمين في المجتمعات الدينية التي يرتكز جزءٌ من إيمانها على الغيب، حيث تؤمن أنَّ هناك الكثير من الإشارات التي يمكن التقاطها عبر رجال الدين أو المبصّرين أو الحالمين، مردفاً أنَّ الناس يميلون إلى الغيب والتنجيم في لحظات الانهيار والضياع، لأنّ النظام القائم لا يستطيع طمأنة تخوّفهم من المستقبل.

أمّا عن التأثيرات السلبية للمنجمين على الناس، فشببها بدرا بإدارة ملف ما في عمل دون القيام بدراسة شاملة حوله، وبدل الاعتماد على المعلومات والأرقام يتم الاعتماد على التوقعات والتأويلات؛ وهنا الخطورة حيث يلغي الناس قدرتهم الإدراكية ومعرفتهم ويهملون العلم ويعتمدون على التنجيم والتنبؤ لإدارة شؤون حياتهم.

 

هل يسمح القانون بالتنجيم؟

ماذا عن دور القانون والقضاء في موضوع التنجيم؟ هل يحق تضليل المواطن عبر وسائل التواصل والإعلام؟

في هذا السياق، أكدّت المحامية عليا معلّم أنَّ المادة 768 من قانون العقوبات اللبناني تجرّم  كل أعمال التنجيم والتبصير والأعمال المشابهة لها التي تبغى الربح، حيث تقول المادة: ” يُعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة لبنانية من يتعاطى بقصد الربح، مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي، والتنجيم، وقراءة الكفّ، وقراءة ورق اللعب، وكلّ ما له علاقة بعلم الغيب، وتُصادر الألبسة والعدد المستعملة، ويُعاقب المكرّر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى المائتي ألف ليرة لبنانية، ويمكن إبعاده إذا كان أجنبيا”.

وهنا أبدت معلّم  استغرابها من سكوت السلطة التشريعية عن انتشار هذه الظاهرة “الشاذة”، حيث أنّه يتم الالتفاف على  المادة 768 بذريعة أنَّ قصد الربح غير متوفر، علماً أنَّ ذلك يتم بطريقة غير مباشرة عبر الدعايات في وسائل الإعلام، معتبرةً أنّ الجل الوحيد هو بتعديل جذري للمادة 768 من قانون العقوبات بإزالة عبارة “بقصد الربح” منها، لمنع التحايل على القانون وتحويل هذه الجريمة إلى جناية. ورأت معلّم أنَّ الناس تلوم القضاء بينما فعلياً هو مكبّل اليدين أمام النقص التشريعي للتصدي لهذه الظاهرة، وأكدت أنَّ الخطورة الأكبر ناتجة عن المنجمين المنتشرين بين الناس أكثر من نجوم الإعلام، حيث سُجلّت حالات اغتصاب  وانتحار وحالات طلاق وابتزاز جرّاء هذه الأعمال، مستهجنة غياب دور السلطات الدينية بالتصدي لهذه الأعمال، رغم أنّ بعض الأديان تقضي بقتل المشعوذين.

ولفتت معلّم أنّه في ظل الانهيار الاقتصادي تسجّل كتب الأبراج أعلى نسباً في مبيعاتها، وتتسابق وسائل الإعلام على استضافة مؤلفي هذه الكتب والمبصّرين، لعدم ثقة اللبنانيين بالسلطة ولحاجتهم  إلى التعلّق بأي أملٍ يبشرّهم بالإنفراجات.

يبدو أنَّ اشتداد الأزمات يغذّي نجومية المنجمين والمبصّرين، ويدفع الناس إلى الإيمان بهم؛ ولبنان اليوم يعاني من إحدى أسوء الأزمات التي قد تمر بها أي دولة. وفي ظلّ غياب التشريع لملاحقة هؤلاء المنجمين يبدو أنَّهم سيزدادون انتشاراً، لذلك وجب التوعية من قبل الأخصائيين ومن قبل السلطة الدينية الغائبة عن المشهد اليوم، كي لا يقع المواطن ضحية المحتالين، خاصةً عرّافي الأحياء والمناطق.

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى