هذا هو الممر الالزامي للوصول إلى قصر بعبدا
مع ان الكل يحذرون من خطورة الانزلاق الى الفراغ الرئاسي في بلد منهار لا يملك ترف إضاعة الوقت، ومع ان الجميع يعتبرون ان إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية ضمن المهلة الدستورية هو امر ملح وضروري، الا ان فرصة إتمام الاستحقاق في موعده تبدو ضئيلة حاليا، انما من دون إغفال حقيقة ان الوقائع في لبنان وإمتداده الاقليمي – الدولي هي متحركة وبالتالي فإن المدة الفاصلة عن الاختبار الرئاسي قد تشهد تقلبات من شأنها ان ترفع منسوب التشاؤم او التفاؤل.
وما يعزز راهنا الانطباع السلبي هو ان الانتخابات النيابية الاخيرة أفرزت نوعا من توازن الرعب او الردع في المجلس الجديد، بحيث ان القوى الاساسية فيه تبدو قادرة على منع وصول اي مرشح لا تريده عبر تعطيل النصاب، من دون أن تستطيع انتخاب المرشح الذي تريده الا اذا توصلت الى تفاهمات عابرة للاصطفافات التقليدية مع آخرين.
وبهذا المعنى، لا ائتلاف حزب الله وحلفائه المكون من 61 نائبا بمقدوره لوحده فرض إيقاعه الرئاسي ولا نواب المعارضة ال67 يستطيعون ذلك.
والامر لا يتعلق فقط بقدرة هذين الاتجاهين العريضين على استخدام الفيتو للحؤول دون السماح للآخر بإيصال الاسم المحبّذ، إذ ان كلا منهما يعاني أيضا في صفوفه من مشكلة داخلية تسبب تبعثرا في مقاربة الاستحقاق الرئاسي.
بالنسبة إلى الفريق المدعوم من حزب الله، لا يزال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يرفض حتى الآن دعم انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على قاعدة ان الاخير لا يملك الحيثية التمثيلية المسيحية الكافية وان من لديه اكثر من 20 نائبا لا يستوي مع من فاز بمقعد نيابي واحد. وفرنجية بدوره ليس مستعدا لدفع ثمن سياسي باهظ لباسيل قي مقابل الحصول على تأييده وهناك من نقل عن زعيم “المردة” انه يستغني عن الرئاسة اذا كانت ستكلفه الخضوع الى شروط مسبقة من قبل باسيل لان من شأن هذا الامر، في رأيه، ان ينهي العهد قبل أن يبدأ.
والوضع ليس أفضل حالا على الضفة الأخرى حيث أن فريق المعارضة يبدو بيتا بمنازل كثيرة وسط تشظي الآراء داخله، على رغم كل محاولات لملمة الصفوف لخوض الانتخابات الرئاسية باسم واحد.
ومن الواضح ان هناك فجوات كبيرة تباعد بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والنواب التغييريين وحزب الكتائب وغيرهم على مستوى ملفات عدة، في طليعتها الملف الرئاسي الذي يقاربه كل طرف انطلاقا من معاييره ومصالحه، ما يوحي بأن هناك صعوبة شديدة في تمكن هؤلاء من التفاهم على اسم مشترك لتولي رئاسة الجمهورية.
والمفارقة ان رئيس حزب القوات اللبتانية سمير جعجع ينحو اكثر فأكثر نحو اعتماد الترهيب والترغيب قي مسعاه لاقناع نواب التغيير بضرورة التفاهم على خيار رئاسي مشترك، وصولا الى اتهامه خلال مؤتمره الصحافي الاخير كل من يعطل هذا التفاهم بالخيانة، ما استدعى ردا عليه من النائب مارك ضو رفض فيه سياسة التخوين المتبعة من قبل جعجع.
بهذا المعنى، فإن قوى المعارضة لا يجمعها سوى شيء واحد وهو انها جميعها تقريبا ضد الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر ولكنها غير متفقة على ما سوى ذلك، خصوصا أجندة ما بعد انتهاء الولاية البرتقالية، بدءا من هوية الرئيس المقبل.
والى جانب التخبط الداخلي الذي يحيط بانتخابات الرئاسة، فإن العامل الدولي المؤثر بقوة في تحديد مسارها يمر بدوره في مرحلة مخاض. وتبعا لما سيؤول اليه هذا المخاض يتضح ما اذا كان الناخب الخارجي سيسهل ام سيعرقل انتخاب رئيس الجمهورية.
وبناء عليه، لا بد من انتظار نتائج مفاوضات فيينا حول النووي الإيراني ومفاوضات ترسيم الحدود البحرية ليبنى على الشيء مقتضاه، اذ ان اي انفراج على هذين الخطين سيفضي تلقائيا الى تأمين بيئة ملائمة لملء كرسي بعبدا بالاسم المناسب وإعفاء لبنان من ضريبة الفراغ المتمادي والمكلف.
ان الممر الالزامي الى القصر الجمهوري يكمن في بازل متداخل لا بد من اكتماله حتى يمكن تظهير صورة الرئيس المقبل، مع إعطاء ارجحية ل”الصوت التفضيلي” العابر للحدود، وفي حال وُجد نقص هنا أو هناك في هذا البازل سيكون علينا أن نستعد للتدحرج نحو قعر جديد من الهاوية السحيقة.
عماد مرمل