مجتمع

أبناء المنطقة الحدودية يسارعون لبناء منازل جديدة قرب المستعمرات

لم ينعكس الواقع الأمني على الحدود الجنوبية على حركة البناء ونشاط المزارعين، بل يبدو أن هناك اصرارًا من جهة، وعدم مبالاة لما يجري على بعد أمتار من منازل المقيمين قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، من جهة أخرى؛ فعشرات الأهالي يسارعون الى انجاز ورش البناء “ليأتي المغتربون بعد أيام ويجدون منازلهم جاهزة للسكن”، يقول حسن عطوي، ابن بلدة مركبا الحدودية، ويبين أن “حركة البناء نشطت هذا العام، ولكن بأموال المغتربين الذين باتوا يفضلون السكن قرب الحدود، أي في الأماكن المرتفعة المطلّة على فلسطين المحتلّة”.

ويذهب عطوي الى أن الأهالي ازدادوا حماسة بعد حرب تموز في العام 2006، للبناء قريبا من الحدود، ويؤكد أن “السبب هو الشعور بالقوة، وعدم قدرة العدو على شن حرب جديدة”، لكن عطوي يستدرك قائلاً “يمكن للأوضاع الراهنة أن تغير المشهد كلياً، فالأهالي يشاهدون العدو وهو في حالة استنفار، ويقوم بأعمال استفزازية، من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حرب جديدة، لكن اللاّفت أن حركة البناء تسير بوتيرة متسارعة، ولم يعمد الأهالي الى ايقافها ولو لفترة مؤقتة”.

من المثير للدهشة، أن تجد أهالي بنت جبيل والعديد من القرى والبلدات الأخرى في قضائي مرجعيون وبنت جبيل، يبحثون عن الأراضي لشرائها، بهدف البناء فيها، رغم أن البعض قد يتخيل أن الحرب المقبلة قد تكون مدمرة وتمنعهم عن محاولة البناء ثانية ولو لسنوات قليلة. لكن رغم ذلك فإن “أهالي بنت جبيل يبحثون اليوم عن الأراضي الجديدة، لشرائها وبناء المنازل فيها، بعد أن ضاقت بهم عقارات المدينة، وتوسعوا الى القرى والبلدات المجاورة، في عيناتا وعين ابل والطيري وغيرها، وساهم زيادة الطلب على الأراضي في تلك المنطقة في ارتفاع سعر دونم الأرض من ما يقارب ال 20 ألف دولار قبل الحرب الى ما يقارب ال70 ألف دولار وما يزيد، وما زال الأهالي اليوم يشترون الأراضي في محيط البلدة وخارجها ويبنون منازل كبيرة وصغيرة، كل حسب قدرته، دون أي خوف أو حسابات لأي عدوان مقبل فهم تعودوا على هذه الأرض والتشبث بها بكرامة وشرف”.

هذا النموذج ينطبق على أغلب القرى والبلدات المطلّة على الحدود مع اسرائيل، فأهالي بلدة يارون الملاصقة للحدود انتشرت فيها الأبنية الفخمة التي تدل على ثراء وغنى أصحابها، الذين هاجروا الى بلدان كثيرة، وقرروا دفع أموالهم على البناء المكلف والحديث في بلدتهم، حتى أنهم باتوا يواجهوان صعوبة في شراء الأراضي لزيادة عدد أبنيتهم التي بناها أصحابها وهم ما زالوا في عالم الاغتراب، ليأتوا اليها صيفاً.

على الجهة الأخرى من الحدود مع فلسطين المحتلة في منطقة مرجعيون، تتكاثر الأبنية الحديثة والفخمة ويمكن للمراقب أن يشهد بلدات جديدة لم تكن موجودة بعد التحرير، وعشرات الأبنية التي زرعت فجأة على الحدود بعد حرب تموز، فعلى طريق عام بلدة عديسة، مقابل مستعمرة كفرجلعادي.

يقول مختار بلدة عديسة السابق خليل رمال “عشرات المنازل الجديدة (نحو 100 منزل) تم بناؤهم هناك، وارتفعت أسعار الأراضي في البلدة ليصل بعضها الى 40 ألف دولار، فحركة شراء الأراضي ازدادت كثيرا بعد التحرير واستمرت بعد حرب تموز، وان خفّت نسبياً الأن بسبب الوضع الاقتصادي السيء، والأهالي هنا يبنون منازلهم على الحدود ولا يخافون على أموالهم هذه، فهذه جنتنا ولن نتركها”.

واللاّفت كما يقول المختار رمال، إن العديد من الأهالي الذين بنوا منازلهم على الحدود لم يولدوا في البلدة ولم يسكنوا فيها سابقاً، حتى أن بعضهم من مدينة بيروت. ويقول حسين الأشقر، ابن بلدة مركبا: “يوجد هنا منازل فخمة كلّفت أصحابها مئات الألوف من الدولارات، واحد منها كلّف 2 مليون دولار لأحد أبناء البلدة من التجار العاملين في بيروت، فقد تم بناء أكثر من 600 منزل بعد التحرير واستمر البناء على حاله بعد حرب تموز، وخاصة الأبنية الملاصقة للحدود وكأن الأهالي هنا يتحدون الاسرائيليون ببناء منازلهم قبالة مستعمراتهم”.

وفي بلدة حولا، انتشر البناء حديثاً قبالة موقع العبّاد الشهير، وأصبح حي قصور البلدة وأبنيتها الحجرية، ملاصقاً للحدود، ومن يريد موقعاً جذاباً لمنزله عليه أن يشتري عقاراً قرب تلّة “العبّاد” فالمكان مرتفع ومطلّ على المنطقة كلها.

اسرائيل تحرم المزارعين من الدخول الى أراضيهم

في المقلب الآخر، لا يزال الكثيرون من أبناء القرى والبلدات الحدودية، لا يستطيعون استخدام أراضيهم الزراعية المحاذية للحدود. يتحدّث حسين حيدر من بلدة عيثرون، عن أن” الانكليز وضعوا شريطاً شائكاً على الحدود في العام 1944، وضمّوا الكثير من أراضي البلدة الى فلسطين المحتلة لكنهم كانوا يسمحوا لنا بالعبور لزراعة الأرض. وفي العام 1946 نزعوا الشريط الشائك، لكنهم قاموا بمنعنا من الاقتراب الى أراضينا القريبة من الحدود، واستمرّ هذا المنع حتى الأن من العدو الاسرائيلي”.
ويضيف “جدي اشترى 100 دونم من السلطان عبد الحميد لكن أغلب هذه الأرض أصبحت داخل الحدود والباقي منها لا يمكن لنا زراعته بسبب منع الاسرائيليين والقوات الدولية”. ويؤكد على ذلك ابن عيثرون محمد ناصر، الذي يقول أن ” أكثر من 5000 دونم خارج الشريط الحدودي لأبناء عيثرون، ولا يمكن لهم زراعتهم أو التوجه اليهم، بسبب الألغام والتهديدات الاسرائيلية، وتدخل قوات اليونيفل اذا اقترب أحدنا من هذه الأرض”.

الأمر مشابه في جميع القرى والبلدات الحدودية، ففي بلدة مركبا (مرجعيون) يقول المزارع محمد عطوي: “آلاف الدونمات لأبناء البلدة لا يمكن الوصول اليها أو زراعتها، رغم أننا كنا نزرعها قبل الاحتلال الاسرائيلي بسبب الألغام والتهديدات الاسرائيلية، حتى أن قوات اليونيفل يمنعون أي تقدم للأهالي الى هذه الأراضي. لماذا الاسرائيليون يزرعون الأراضي المحتلة الملاصقة للحدود، بينما يمنع علينا أن نفعل ذلك؟ فمن واجب الدولة أن تنهي هذه المشكلة”.

بالقرب من مركبا يطلّ موقع “عرض البير” الاسرائيلي وهو موقع محصّن يشرف على المنطقة، أما الأراضي اللبنانية القريبة منه فهي خالية، جرداء، يملك أحمد عطوي منها 22 دونماً لكنه لا يستطيع الوصول اليها ويقول لو سمح لأبناء مركبا بزراعة أراضيهم الووقعة على الحدود لتمكن الجميع من تامين معيشتهم، لأنهم يعتمدون على الزراعة، وخصوصاً زراعة التبغ والحبوب”.

ويؤكد أن “الاسرائيليين جرفوا الأرض وأزالو الحدود الفاصلة بين المالكين أثناء الاحتلال، لكنني ما زلت أعرف حدود أرضي وسأذهب اليها يوماً ما وأعيد تحديدها”. ويذهب بعض كبار السنّ في عيثرون الى أن “هذه الأراضي تزرع منذ زمن بعيد من قبل أهالي عيثرون وأنها ملك لهم وهي على الحدود مع بلدة “المالكية” (احدى القرى السبع) التي يوجد فيها أكثر من 300 ألف متر مربع لأبناء عيثرون تم مصادرتهم من الاحتلال الاسرائيلي أثناء احتلاله فلسطين”.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى