“الدستوري” أمام امتحان “الطعون الانتخابية”.. ما هي الاحتمالات؟
تغيّر أحجام الكتل والتوازنات النيابية مرتبط بعدد النواب المُبطل نيابتهم
تنتهي مهلة تقديم الطّعون في الانتخابات النيابية مساء الخميس المقبل وفق ما أعلن المجلس الدستوري، على أن يبدأ “رحلته الدستورية” وفق الآليات القانونية المُتبعة للبت بالطعون خلال مهلة لا تقل عن ثلاث شهور. وتتمحور أغلب هذه الطعون حول الرشاوى الانتخابية وتخطي السقف الانتخابي الذي يسمح به القانون فضلا عن التحريض الطائفي وعدم تكافؤ الفرص والمنافسة.
وتشمل الطعون المقدمة حتى الآن عدد من الدوائر الانتخابية، وأبرزها المقدمة من “التيار الوطني الحر” في عكار، ومن النّائب السّابق فيصل كرامي ضدّ نيابة كلّ من النوّاب رامي فنج وإيهاب مطر وفراس السلوم، ومن الصحافي جاد غصن.
أما في دوائر جزين والبقاع الشمالي والمتن وكسروان جبيل، فلم يحسم “التيار الوطني الحر” قراره حتى الساعة بانتظار اليومين المقبلين وفق مصادر مطلعة في “التيار” لـ”أحوال”، وتوضح أن “التيار” قدم الطعن في عكار كون فارق عدد الأصوات ضئيل وبالإمكان تغير النتيجة في ظل الخطأ الحاصل باحتساب الأصوات، وتلفت إلى أن “التيار قدم شكاوى في دوائر أخرى بسبب رشاوى انتخابية”، وتدعو المصادر القضاء للقيام بواجبه وإحقاق العدالة.
ما هي الآليات الدستورية المتبعة بهذا الملف؟ وهل سيتأثر قرار المجلس الدستوري بالاعتبارات السياسية؟
وفق مصادر قانونية، يُعيّن رئيس المجلس الدستوري فور ورود الطعن مقرراً أو أكثر عند الاقتضاء، من بين الأعضاء لوضع تقرير في القضية، ويقوم العضو المقرر بدراسة الأوراق ويجري عند الضرورة، التحقيقات اللازمة لجلاء الحقيقة، وهو يتمتع في ذلك بصلاحيات قاضي التحقيق كافة باستثناء اصدار مذكرات التوقيف، وله بنوع خاص طلب المستندات الرسمية وغيرها واستماع الشهود واستدعاء من يراه مناسباً لاستجوابه حول ظروف الطعن”.
وتوضح المصادر لـ”أحوال” أنه على “العضو المقرر أن يضع تقريره خلال مهلة ثلاثة أشهر على الأكثر من تكليفه ويحيله إلى رئاسة المجلس الدستوري، وبعد ورود التقرير، يجتمع المجلس فوراً بدعوة من رئيسه للمذاكرة في الطعن ويصدر قراره في شأنه خلال مهلة شهر على الأكثر من تاريخ ورود التقرير، ويبلغ هذا القرار بالطرق الادارية الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ووزير الداخلية والمستدعي، وعندما يمارس المجلس الدستوري صلاحياته للبت بالطعن في صحة الانتخابات النيابية، يتمتع، إما مجتمعاً أو بواسطة العضو الذي ينتدبه، بسلطة قاضي التحقيق باستثناء إصدار مذكرات التوقيف”.
ما هي الاحتمالات المتوقعة؟
مرة جديدة يوضع القضاء أمام امتحان الاستقلالية وبين تأثره بالضغوط والتدخلات السياسية، فالمجلس الدستوري الذي تتمحور صلاحياته ضمن النظر بدستورية القوانين والفصل بالطعون الانتخابية، سيكون محط أنظار القوى السياسية والرأي العام حتى إصدار قرارته بملف الطعون.
يوضح الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين لـ”أحوال” أنّ “المجلس الدستوري يعلن بقراره صحة أو عدم صحة النيابة المطعون فيها وفي هذه الحالة الأخيرة، يحق له إما إلغاء النتيجة بالنسبة إلى المرشح المطعون في نيابته وأبطال نيابته وبالتالي تصحيح هذه النتيجة وإعلان فوز المرشح الحائز على الأغلبية وعلى الشروط التي تؤهله للنيابة، أو إبطال نيابة المطعون بصحة نيابته وفرض إعادة الانتخاب على المقعد الذي خلا نتيجة الأبطال، ويبلغ قرار المجلس إلى رئيس المجلس النيابي ووزارة الداخلية وأصحاب العلاقة”.
وتجدر الإشارة إلى سابقة في انتخابات العام 2018، إذ قبل المجلس الدستوري الطعن المقدم ضد النائب ديما جمالي وفرض إعادة الانتخابات على هذا المقعد وفق قانون الانتحاب الأكثري. لكن قد تكون قرارات إبطال نيابات مطعون بها، نادرة في تاريخ لبنان المعاصر بسبب تأثر القضاء بالتدخلات والضغوط السياسية.
ماذا لو أبطل “الدستوري” نيابة عدد وازن من النواب؟
يشير يمين إلى أنّ “الطعن لا يوقف نتيجة الانتخاب، ويُعتبر المنتخب نائباً ويمارس جميع حقوق النيابة منذ إعلان نتيجة الانتخابات”، موضحاً، أنّ “قرارات المجلس الدستوري تُتَّخّذ بأكثرية سبعة أعضاء على الأقل في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات النيابية، وتُوقع القرارات من رئيس المجلس الدستوري ومن جميع الأعضاء الحاضرين ويسجل العضو أو الأعضاء المخالفون مخالفتهم في ذيل القرار ويوقعون عليها وتعتبر المخالفة جزءاً لا يتجزأ منه وتنشر وتبلغ معه”.
ويلفت يمين إلى أنّه “إذا شغر أي مقعد من مقاعد مجلس النواب بسبب الوفاة أو الاستقالة أو إبطال النيابة أو لأي سبب آخر، تجري الانتخابات لملء المقعد الشاغر خلال شهرين من تاريخ الشغور، أو من تاريخ نشر قرار المجلس الدستوري القاضي بإبطال النيابة في الجريدة الرسمية، ولا يصار إلى انتخاب خلف إذا حصل الشغور في الستة أشهر الأخيرة قبل انتهاء ولاية المجلس، وتُدعى الهيئات الناخبة في حالة الانتخاب الفرعي بمرسوم يُنشر في الجريدة الرسمية وتكون المهلة بين تاريخ نشر هذا المرسوم واجتماع الهيئات الناخبة ثلاثين يوماً على الأقل، وتجري الانتخابات الفرعية لملء المقعد الشاغر على مستوى الدائرة الصغرى العائد لها هذا المقعد، وفقاً لنظام الاقتراع الأكثري على دورة واحدة وتُحدد مراكز الاقتراع ضمن هذه الدائرة بقرار من الوزير”.
أما إذا تخطى الشغور المقعدين في الدائرة الانتخابية الكبرى يضيف يمين: “اعتُمِدَ نظام الاقتراع النسبي، ويشترك في عملية الاقتراع في الانتخاب الفرعي الناخبون المقيمون وغير المقيمين شرط ممارسة حقهم في الاقتراع على الأراضي اللبنانية”.
هذا في القانون والدستور، أما في السياسة، فللأمر أبعاد مغايرة، كونه قد يحدث تغييراً في نتائج الانتخابات وأحجام الكتل النيابية وبالتالي خريطة التوازنات السياسية في المجلس، لكن ذلك يتوقف على عدد النواب الذين من المحتمل إبطال نيابتهم.
في حال لم تُقّبل الطعون أو اقتصرت على نائب أو اثنين، فلن يحدث أي تعديل في المعادلة النيابية والسياسية التي تبقى قائمة، أم في حال قبول أكثر من طعن لا سيما طعون “التيار الوطني الحر”، فسيكبر تكتل “لبنان القوي” وستقلص بالتالي كتلة “القوات اللبنانية”، ما يعزز موقع “التيار” التفاوضي في الاستحقاقين الحكومي والرئاسي. لكن في كافة الأحوال فإن نتائج الطعون لن تحدث تغييراً نوعياً بنتائج الانتخابات كونها لن تؤثر على حجم الأكثريات أو الأقليات الموجودة، فضلاً عن أن نتيجة الطعون لن تصدر قبل ثلاثة أشهر بخاصة إن أُعيدت الانتخابات، في ظل الآليات الدستورية المقعدة، وتزاحم الاستحقاقات الدستورية والاعتبارات السياسية التي تحكم قرارات المجالس الدستورية غالباً.
محمد حمية