سلامة والمصارف يستخدمان “الدولار” لتجميد الملاحقات القضائية وخطة التعافي
هل يُطيح ارتفاع سعر الصرف إلى 40 ألفاً بالإنتخابات النيابية؟
تحوّل سعر صرف الدولار إلى سلاح سياسي واقتصادي فتاك، يجري استخدامه في الحرب الدائرة على أكثر من محور وجبهة منذ اندلاع الأزمة السياسية والمالية والنقدية غداة أحداث 17 تشرين 2019، بهدف تصفية الحسابات السياسية.
يكفي تتبع ومراقبة مسار تدرج أسعار سعر صرف الدولار خلال العامين الماضيين، ليظهر أن السعر يتبدل ويتغير على إيقاع الأحداث والتطورات السياسية الداخلية والخارجية.
لكن سعر الصرف استقر عند حدود 20 ألف ليرة للدولار الواحد بعد تأليف الحكومة الحالية وبدء مهامها.. لكن سرعان ما عاد ليرتفع إلى حدود كبيرة، لتعود الحكومة لتلجمه بعد ضغوط مارستها على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتثبيت سعر الصرف في كانون الثاني الماضي عبر سلسلة تعاميم أبرزها التعميم 161.
مُذّذلك الحين، حافظ سعر الصرف على استقراره لفترة شهرين، ليعود ويسجل ارتفاعاً جديداً بعدما فتحت القاضية غادة عون النار القضائية على عدد من كبار المصارف اللبنانية ورؤساء مجالس إداراتها وعلى حاكم مصرف لبنان وتوقيف شقيقه رجا سلامة.
وبعد ذلك انخفض سعر الصرف بعد تدخل رئيس الحكومة شخصيا مع مجلس القضاء الأعلى ومدعي العام التمييز القاضي غسان عويدات وتدخلات سياسية أخرى للجم اندفاعة القاضية عون، لكن اللافت هو عودة سعر الصرف للإرتفاع ليلامس الـ28 ألف ليرة لبنانية بالتزامن مع حدثين خلال أسبوع واحد:
– الأول سقوط قانون “الكابيتال كونترول” في اللجان النيابية المشتركة وتسريب خطة الحكومة للتعافي المالي وحملة الانتقادات التي طالتها لا سيما بند شطب 60 مليار دولار من ديون مصرف لبنان من المصارف، اضافة الى طريقة توزيع خسائر الفجوة المالية التي تحمل المودعين الخسارة الأكبر
*الثاني: فشل التدخلات السياسية لإخلاء سبيل رجا سلامة وإن نجح فريق الدفاع عنه والضغوط السياسية على القضاء بتخفيض قيمة الكفالة من 500 مليار الى 200 مليار ليرة، وكذلك إصدار مذكرة بحث وتحري بحق الحاكم سلامة منذ أيام.
فما هي الأسباب الخفية الكامنة خلف هذا الارتفاع المفاجئ والسريع بسعر الصرف من 23 ألفاً الى 28 خلال يومين فقط؟
خبراء ماليون واقتصاديون مطلعون على حركة “الدولار” يشيرون إلى أن عوامل عدة تتحكم بأسعار الصرف، ولا يمكن الركون الى عامل واحد.. فهناك عوامل مالية واقتصادية بالتأكيد، لكن تبقى الاعتبارات السياسية تملك التأثير الأكبر.
ويرى الخبراء أن تحديد العامل الأساس، يتطلب كشف الجهات السياسية والمالية المتحكمة في السياسة المالية والنقدية.. اللاعبون في “ملعب الدولار” كُثر، ويتوزعون بين لاعبين محليين وآخرين في الخارج يديرون اللعبة عن بعد عبر تطبيقات الكترونية غير معروفة المصدر والمكان، لكن “مايسترو المسرح” هو “حاكم” “امبراطورية” مصرف لبنان بلا منازع، بالتكافل والتضامن مع قطاع المصارف الذين يملكان أدوات التأثير بسعر الصرف ويليهما شركات الصيرفة الكبرى وكبار الصرافين والتجار والمستوردين الذين يستغلون تحرك الدولار للمضاربة والاحتكار لتحقيق الأرباح.
ويشير الخبراء إلى علاقة هذا الارتفاع بسعر الدولار بالانتخابات النيابية لسببين: اشتداد حدة التنافس بين المرشحين بعد إعلان اللوائح بعد تأكيد حصول الانتخابات النيابية في موعدها المحدد في 15 أيار، ما يزيد حاجة المرشحين لشراء الأصوات بعدما كشفت مراكز الدراسات والاحصاءات برودة الرأي العام والناخبين تجاه الانتخابات، وتوقعات بتراجع نسبة الاقتراع، ما أدى الى ارتفاع الطلب على الدولار الذي بلغ ذروته بحسب مصادر مصرفية خلال الأيام القليلة الماضية، وبالتوازي يلفت الخبراء إلى أن رفع سعر صرف الدولار مقصود بطلب من السياسيين لتغطية نفقاتهم الانتخابية.
لكن بحسب خبراء آخرين هذا لا يشكل سوى نسبة ضئيلة التأثير على سعر الصرف، والأمر مترتبط بتعثر الحكومة والمجلس النيابي بإقرار القوانين الاصلاحية خاصة “الكابيتال كونترول” وظهور الخلاف حول خطة التعافي الى العلن، كما يرتبط بتصعيد الحرب القضائية على “الحاكم” ورجا سلامة والمصارف.
وتكشف مصادر مطلعة على الملف لـ”احوال” أن “سلامة يستخدم ورقة الدولار لتخفيف الضغط القضائي الذي اشتد عليه مؤخرًا وعلى شقيقه، وقد بادر إلى توسيط جهات سياسية وحكومية ومالية عدة لإيجاد تسوية قضائية مالية لملفاته ولإخلاء سبيل شقيقه رجا، لكن الوساطات وصلت إلى طريق مسدود.. فلم يبق له سوى سلاح الدولار. وثمة من يقول إن المصارف تضغط بسلاح الدولار أيضاً ردًا على تحميلها الجزء الأكبر من الخسائر في خطة التعافي وعبر الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي عبر شطب٦٠ مليار دولار ديون “المركزي” من المصارف.
ولا يمكن إغفال العامل السياسي بوجهيه:
الضغط على الناخبين قبل الانتخابات النيابية للتأثير في توجهاتهم، لا سيما على بيئة المقاومة، حيث يجري تشديد الضغط الاقتصادي على المواطنين ودفعهم لكي يحملوا المقاومة مسؤولية الانهيارات والظروف الاقتصادية القاسية، وبالتالي يحجموا عن انتخاب لوائح تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر لصالح اللوائح المدعومة من السعودية والأميركيين وايهامهم بقدرتهم على الانفراج الاقتصادي في حال فوزهم بالأكثرية النيابية. وتجدر الاشارة لمعادلة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع منذ أشهر قليلة: “انتخبوا القوات بينزل الدولار”!
في المقابل تحذر أوساط سياسية من خطة أميركية – سعودية لتطيير الانتخابات النيابية بعدما تبين عجز فريقهم السياسي عن حصد الأكثرية النيابية ولا حتى ثلث المجلس، وذلك عبر افتعال سلسلة أحداث دراماتيكية تبدأ برفع سعر الصرف الى ما فوق 40 ألف ليرة ما يخلق أزمات عدة دفعة واحدة من ارتفاع غير مسبوق بأسعار المحروقات والمواد الغذائية وأزمة كهرباء ما يولد انفجاراً شعبياً هائلاً في الشارع، وبالتالي تعذر اجراء الانتخابات في ظل ظروف كهذه. ويتوقع الخبراء الاقتصاديين ارتفاع سعر الصرف في كل الاحوال الى ما فوق ال40 ألفاً بعد الانتخابات.