انتخابات

هجمة حزبية على دائرة الشّمال الثانية لتعويض غياب “المستقبل” و”العزم”

عندما أُقفل في 15 آذار الجاري باب الترشّح للإنتخابات النيابيّة المرتقبة في 15 أيّار المقبل على 1043 مرشّحاً، وهو رقم أعلى من عدد المرشّحين في دورة إنتخابات 2018 الذي بلغ 976 مرشّحاً، ما جعل الإنتخابات المقبلة الأكبر من حيث عدد المرشّحين، توجّهت الأنظار إلى أسماء المرشّحين للتدقيق فيها وفي توجّهاتهم الحزبية، على السّاحة السنّية تحديداً، لمعرفة هل سيتمكّن هؤلاء من ملء الفراغ الكبير الذي تركه إنسحاب أكبر تيّارين على السّاحة السنّية من المشهد الإنتخابي، هما تيّار المستقبل الموالي للرئيس سعد الحريري وتيّار العزم الموالي للرئيس نجيب ميقاتي.

في دائرة الشّمال الثانية التي تضمّ طرابلس والضنّية والمنية يمكن تلمّس ذلك بشكل واضح، سواء في عدد المرشّحين الكبير، أو في وجود مروحة واسعة من مرشّحي الأحزاب والتيّارات السّياسيّة لم تعرفهم طرابلس ودائرتها الإنتخابية من قبل، ما أثار فضول كثيرين لمعرفة أسباب هذه “الهجمة” على المقاعد الـ11 في هذه الدائرة (8 في طرابلس موزّعين بين 5 سنّة، 1 روم أرثوذكس، 1 علوي و1 موارنة، إضافة إلى 2 سنّة في الضنّية و1 سنّة في المنية) والتنافس الواسع حولها، وأين سيرسو برّ الإنتخابات ونتائجها بعد أقلّ من شهرين.

وإذا كان تيّار العزم بعد انسحاب ميقاتي لم يبدر عنه أيّ إشارة بأنّه سيرشّح محسوبين عليه للإنتخابات، فإنّ الأمر كان مختلفاً بالنسبة لتيّار المستقبل، ذلك أنّ انسحاب الحريري دفع عدداً من المحسوبين عليه إلى التمرّد على قرار الحريري والترشّح، من أبرزهم نائب رئيس التيّار مصطفى علوش وعضوي المكتب السّياسي في التيّار الأزرق هيثم مبيض وربى دالاتي، الذين قدّموا إستقالاتهم تمهيداً لخوضهم غمار الإنتخابات، فضلاً عن عدم إلتزام نائبي التيّار سامي فتفت وعثمان علم الدين بقرار الحريري وترشّحهما.

لكنّ ما لفت الأنظار في المرشّحين عن الدائرة المذكورة أمرين: الأوّل عدد المرشّحين الكبير قياساً بعدد مرشّحي دورة إنتخابات 2018. فقبل 4 سنوات بلغ عدد المرشّحين 75 مرشّحاً، أمّا اليوم فبلغ 141 مرشّحاً، توزّعوا كالتالي: في طرابلس سنّة 62، علوي 19، موارنة 18، روم أرثوذكس 8. أمّا الضنّية فبلغ العدد 18 مرشّحاً وفي المنية 16 مرشّحاً كلهم سنّة.

أمّا الأمر الثاني اللافت للأنظار فتمثل في “طحشة” أحزاب وتيّارات للتنافس على مقاعد هذه الدائرة، مستغلة غياب المستقبل والعزم، آملين أن يساعدهم ذلك بخطف أحد مقاعدها، وهو أمرٌ لم يكن ممكناً لهم سابقاً بوجودهما، إستناداً إلى توقّعات بتراجع نسبة الإقبال على الإقتراع ما سيؤدّي لانخفاض الحاصل الإنتخابي، وأن تتوزّع المقاعد على أكثر من 3 لوائح كما حصل في الإنتخابات الماضية.

بعد التدقيق في أسماء المرشّحين وانتماءاتهم السّياسية، تبيّن أنّ أحزاب دخلت على خط تسميّة مرشّحين لها في دائرة الشّمال الثانية للمرّة الأولى، مثل حزب القوّات اللبنانية الذي رشّح إيلي خوري عن المقعد الماروني في طرابلس، وحزب الكتلة الوطنية الذي سمّى كميل موراني عن المقعد نفسه، والحزب التقدمي الإشتراكي الذي سمّى عفراء عيد عن أحد مقاعد السنّة الخمسة في المدينة، وهي المرّة الثانية التي يُسمّي فيها الإشتراكي مرشّحاً له بعد نجدت هاجر في أوائل سبعينات القرن الماضي، في حين سُجّل غياب التيّار الوطني عن تسمية أيّ مرشّح له، بعدما كان سمّى في الإنتخابات الماضية منسقه السّابق في طرابلس طوني ماروني.

لكنّ مروحة المرشّحين الآخرين المنتمين إلى أحزاب وتيّارات سياسية عدّة تبدو واسعة جدّاً، وهي تتوزّع بين النّائب فيصل كرامي (تيّار الكرامة)، طه ناجي (جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية ـ الأحباش)، رفلي دياب (تيّار المردة)، عزّام الأيّوبي ومحمود السيّد (الجماعة الإسلامية)، كمال الخير (المركز الوطني في الشّمال)، بلال سعيد جراد (حركة التوحيد الإسلامي)، مالك مولوي (حزب سبعة)، شفيق حسّون (مواطنون ومواطنات في دولة) وأحمد أمين (عضو المجلس الإسلامي الشّرعي الأعلى)، إضافة إلى نوّاب حاليين مثل جهاد الصّمد وسابقين مثل كاظم الخير ينتمون إلى بيوتات وزعامات سياسية، وشخصيات غير حزبية، عدا عن عشرات المرشّحين المحسوبين على حَراك 17 تشرين والمجتمع المدني.

الباحث في الشّؤون الإنتخابية الدكتور إيليا إيليا أوضح لـ”أحوال” أسباب إقبال قوى سياسية على مقاعد دائرة الشّمال الثانية، وتنافسهم على مقاعدها، بقوله إنّ “الطبيعة لا تحتمل الفراغ، وتنتظر من يملأه، إمّا الأحزاب الأقل إنتشاراً وحجماً وإمّا البيوتات السّياسية أو قوى المجتمع المدني والقوى التغييرية وحَراك 17 تشرين، لكن هذا الأمر يحتاج وقت طويل”.

وحول دخول حزبي الكتلة الوطنية والقوّات اللبنانية إلى طرابلس، أشار إيليا إلى أنّ “قانون الإنتخابات يسمح لهما، ولسواهما من الأحزاب والتيّارات المماثلة، إذا تحالفا مع طرف سنّي، الفوز بأحد مقعدي الروم الأرثوذكس أو الموارنة، لكنّ هذا التحالف الذي يسعيان خلفه لم يتبلور بعد، ويبدو أنّه مستبعد حتى الآن”.

وبما يتعلق بالتنافس على المقاعد النيابية في أكبر دائرة إنتخابيّة سنّية، قال إيليا إن “البديل عن غياب المستقبل والعزم واضح وهو الأحزاب والتيّارات الإسلامية، وتحديداً الجماعة الإسلامية والمشاريع، حيث ينتظر أن تكون الغلبة لهما، كونهما الحزبين الأكثر تنظيماً وحضوراً من بين البقية، مع ملاحظة أنّ إنكفاء حزبين كبيرين كالمستقبل والعزم عن المشهد الإنتخابي يعتبر خسارة كبيرة على مستوى المدينة والدائرة والوطن ككل”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى