“الزامبو”: كرنفال تعيشه الميناء منذ 100 سنة
لملم أهالي مدينة الميناء في طرابلس أنفسهم وضجيجهم الذي استمروا به ساعات عديدة، يوم الأحد الماضي 6 آذار / مارس الجاري، وعادوا إلى بيوتهم وأعمالهم بشكل طبيعي، عادت بعدها المدينة الهادئة إلى رتابتها، بعد الإنتهاء من الإحتفال بمهرجان “الزامبو” الشهير الذي تشهده المدينة كلّ عام في مثل هذه الأيّام.
فعلى غير عادتها، إستيقظت مدينة الميناء باكراً يوم الأحد الماضي. حوالي السّاعة السّابعة من صباح ذلك اليوم، وتحديداً في شارع يعقوب اللبّان، كانت الأزقة القديمة في مدينة “الموج والأفق” ـ كما تُلقّب ـ تعجّ بمئات المواطنين الذين أتوا للمشاركة ولمشاهدة مهرجان اعتادوه كلّ عام، وتحديداً يوم الأحد الأخير الذي يسبق الصوم الكبير، أي آخر أيّام المرفع عند الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشّرقي.
طقوس “الزامبو” التي كانت تجهيزاتها وتحضيراتها قد اكتملت في الليلة السّابقة، تبدأ من خلال طلي المشاركين أجسادهم بألوان سوادء وفضية وذهبية وخضراء، وارتدائهم ملابس قديمة وغريبة مثل تلك التي يرتديها الأفارقة في رقصاتهم وحفلاتهم، ويضعون الريش على رؤوسهم، عدا عن أقنعة من مختلف الأشكال والألوان يضعونها فوق وجوههم، قبل أن يبدأ المهرجان بالرقص وعلى وقع الطبل والزمر والغناء والهتافات والصراخ، بطريقة تشبه الإحتفال بـ”الكرنفال” الذي تشهده المدن البرزيلية كلّ عام.
من مختلف المناطق والأعمار والطوائف أتوا للمشاركة في مهرجان “الزامبو” أو مشاهدته، وسط حشد غفير من المواطنين الذين كانوا أكثر من الذين شاركوا فيه العام الماضي بسبب تفشّي فيروس كورونا، في تقليد سنوي تعيشه الميناء منذ أكثر من 100 عام، ولم يتوقف تنظيمه إلا لسنوات قليلة إبّان الحرب الأهلية 1975 ـ 1990.
هذه الأجواء عاشتها الأزقة القديمة في الميناء نحو ساعتين، قبل أن تنطلق من وسطها، بعد انتهاء قدّاس الأحد، مسيرة راجلة جابت هذه الأزقة والأحياء وسط هتافات ردّدها من شاركوا في المهرجان “زامبو زامبو”، وصولاً إلى شاطىء البحر حيث قاموا برمي أنفسهم في مياه البحر من غير أن تردعهم برودتها، في تقليد يقصد منه ـ مادياً ـ غسل أجسامهم من الدهان الذي طلوا به أنفسهم، ومعنوياً التطهّر من الذنوب وطرد الأرواح الشريرة وفق معتقدات بعض القائمين عليه والمشاركين فيه.
وبرغم التكلفة المرتفعة لتنظيم المهرجان مالياً، خصوصاً في ظلّ فارق الأسعار بعد انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، والتي يقدّرها القائمون عليه بنحو 2000 دولار تقريباً، فإنّ التبرعات واحتفاظ المنظمين ببعض التجهيزات من السّنة الماضية وقبله، ساعدت في تخفيف التكلفة، إضافة إلى التقليد الذي يقوم به أمين سرّ المهرجان، أو من ينوب عنه، بحمل تنكة يجول بها على المشاركين فيه بهدف جمع التبرعات منهم، أو من مواطنين يرمون إليه التبرعات من فوق شرفات منازلهم التي تطلّ على موقع الإحتفال والمسيرة التي تجول أزقة وأحياء المدينة لاحقاً.
هذا المهرجان الذي ترفض الكنيسة المشاركة فيه وتعتبره “بدعة”، لم تقف بالمقابل بوجهه أو تعارضه أو تحرّض عليه، بل نظرت إليه دائماً على أنّه نشاط إجتماعي وفنّي وثقافي، وبات جزءاً من فولكلور الميناء وتقاليدها الشّعبية الذي يستقطب الأضواء إليه كلّ عام.
ومع أنّه لا يوجد سنة معينة تحدّد على وجه الدقة متى نُظم أوّل مهرجان للزامبو في الميناء، إلّا أنّ هناك شبه توافق على أنّه يعود إلى أكثر من 100 سنة على الأقل. أمّا من أين أتت فكرة الإحتفال به فهنا تتضارب الآراء والمعلومات حوله.
ماريو عسّاف، وهو أحد القائمين على تنظيم “الزامبو” يقول إنّ المهرجان “إنطلق في المدينة مع عودة بعض مهاجريها من البرازيل الذين حملوا معهم طقوس مهرجانات كرنفالات مدينة ريو دي جانيرو وغيرها بتفاصيلها المختلفة”.
أمّا كابي سرور فيشير إلى أنّ المهرجان “يعود تاريخه إلى أيّام الجيش السنغالي خلال فترة الإنتداب الفرنسي على لبنان، حيث كان يقيم الإحتفالات الصاخبة على كورنيش الميناء، قبل أن يتطوّر المهرجان ليتحوّل إلى تظاهرة شعبية وثقافية”.
لكنّ منظمين للمهرجان من آل أروادي يرون العكس، ويقولون إنّ “الزامبو” هو “تقليد أخذه معهم أبناء الميناء إلى البرازيل خلال هجرتهم إليها، وأنّ جذوره تعود إلى أصول يونانية قديمة، حيث نقلت جاليات يونانية سكنت في الميناء قبل قرون هذا التقليد إليها، ليتحول لاحقاً إلى ماركة مسجلة باسم المدينة”.
عبد الكافي الصمد