حقوق
أخر الأخبار

تعديل أحكام المادة 47: جدل متواصل محامون يرحّبون وأمنيّون يتوجّسون

“إنه انتصار لحقوق الانسان”، بهذه الجملة عبّر نقيب المحامين في لبنان ملحم خلف، بعد إقرار البرلمان اقتراح القانون الرامي إلى تعديل أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لجهة حق الموقوف بالإستعانة بمحامٍ أثناء التحقيقات الأولية.

لا ندري إن كان هذا القانون، يأتي في سياق اضطرار السلطة إلى القيام بخطوات إصلاحيّة تلمّع صورتها وتمتصّ شيئاً من غضب الشارع في ظل هذه الظروف المأساوية، لكن في المحصّلة، فإن القانون الذي أقر قبل أيام، يصفه حقوقيون بأنّه خطوة غاية في الأهمية للحدّ من سلطة التحقيق في انتزاع الإعترافات من المدّعى عليهم أو الموقوفين بانتهاج التعذيب والترهيب بالقوة.
لكن ما هي المعوقات التي قد تعترض التنفيذ؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات المتوقعة لهذا القانون؟ وهل من المحتمل أن يستلزم التعديل لاحقاً؟
حول هذه الأسئلة، استطلعت “أحوال” آراء حقوقيين ومصادر قضائية وهذه كانت أجوبتهم.

محامون: انتصار للقانون الإنساني وكفّ يد للدولة البوليسية 

يشير المحامي مازن حطيط، إلى إن القانون المتعلق بحقوق الموقوف أثناء التوقيف، خضع للتعديل في العام 1980، ثم بعد عقود عدلّ مرة أخرى في العام 2001.

لكن رغم هذين التّعديلين لم يعمل بهذا القانون نتيجة الفساد المعروف وجهل الموقوف بحقوقه، خاصّةً في التفاصيل المتعلّقة بحقّه في التّواصل مع عائلته أو مع محاميه أو مع مترجم، الأهم، بطبيب شرعي يثبت تعرّضه للأذى الجسدي أثناء خضوعه للتحقيق.

وهنا يستحضر حطيط مأساة أعداد كبيرة من الموقوفين، الذي كانوا يختفون لأيام عدة من دون أن تعرف عائلاتهم عنه شيئاً.

وهذا يذكرنا بما بات اللبنانيون على علم به منذ تظاهرات 17 تشرين الأول 2019، حيث خرجت تقارير وبيانات عن منظمات حقوقية ودولية، تقول إنّ لبنان أصبح شبيهاً بالدولة البوليسية.

وجاء ذلك، في أعقاب حملات احتجاز وأحياناً إخفاء قسري للموقوفين من قبل الأجهزة الأمنية غير المخوّلة أساساً بالتحقيق كجهاز المخابرات، لأنه ليس في عداد الضابطة العدلية قانوناً.

وبعد خروج الموقوفين المشاركين في التظاهرات أفصحوا عن تعرّضهم للعنف والترهيب والضرب والتعذيب.

هكذا يلزم التعديل الجديد الجهة المحقّقة بحضور محامٍ عن الموقوف، وهذا يعفي الأخير من أن يكون ضحية “تركيب ملفات” كما جرت العادة، حيث يسير التحقيق الأوّلي بوجود محامٍ يجعل غيابه أو تغييبه التحقيق عرضةً للبطلان قانونياً.

ويوضح حطيط، أنّ “دورنا كنقابة محامين اليوم أن نعلن عن خط ساخن نقوم بتعميمه، ثم نعمل على تأمين محامين مناوبين متطوعين  في حال توقف شخص ليس لديه محامي، ولهذا الغرض يضيف عضو نقابة المحامين قائلاً إنّ “المطلوب أيضاً هو وضع لوائح بأسماء المحامين يجري توزيعها على النيابات العامة”.

من جهته، يرى المحامي علي العطار أنّ التعديل على أحكام المادة 47 “يشكّل ضمانة قانونية للمشتبه به أو المدعى عليه في التحقيقات الجارية أمام الضابطة العدلية”، لأنّ حضور المحامي “سيحمي الموقوف من سوء معاملة المحقّق له، أو تغيير بأقوال المشتبه به”، وهذا “سيضمن صحّة التحقيقات، فلا يعود هناك إمكانية لإنكار الموقوف لأقواله الأوّلية أمام القاضي، أو أن يزعم تعرّضه للتعذيب أو الإكراه بهدف انتزاع أقواله بالقوّة. هذا الأمر سنتخلص منه بشكل نهائي”.

وعليه، فإنّ هذا الأمر “سيساعد القضاء والقضاة على الإسراع في المحاكمات وتالياً تخفيض الأعباء المادية المرتبة على التأخير”، بحسب تصريحات العطار الذي أوضح أنّ جزءاً من المشكلات التي تعترض القضاة، تتلخص في نكران الموقوفين لاعترافاتهم الأوليّة بادعاء تعرّضهم للتهديد أو العنف”.

يمكن القول إنّ هذه الخطوة بمثابة إنجاز لتعزيز دور المحامي لتأدية رسالته، وذلك بعد نضال حقوقي دام سنوات لمحامين كانوا ينتظرون على أبواب المخافر طوال ساعات. ربما يسأل القارىء هنا: هل يتدخّل المحامي في مجرى التحقيق؟

الجواب لا. هذا ما يؤكده المحامي العطار الذي يقول إنه لا يحقّ له التدخّل في سير التحقيق أو عرقلته، وأنّ وجوده هو لمنع تعرض الموقوف للأذى الجسدي أو التهديد والترهيب، علماً أن التحقيق “سيكون مصوراً ومسجلاً”.

مصادر أمنية وقضائية عن التعديل: تضليل للحقيقة

 

في تصريحات خاصة لــ “أحوال”، يرى أحد رؤساء المخافر أن التعديل لا يصب في المصلحة النهائية للتحقيق، وهي حصول المدعي على حقه.

إذ يرى أن إقرار القانون ونشره وتعميمه “سيعيق عمل رجال الضابطة العدلية على مختلف المستويات لجهة الحصول على اعتراف المدعى عليه أو المشتبه به”، ما قد يؤدي أحياناً  إلى “تضليل التحقيق وعدم وصول الشاكي إلى حقه أو الحق العام”.

ويضيف أنّ وجود محام في التحقيق الأوّلي مع المدّعى عليه أو المشتبه به “سيسبّب صعوبة للوصول للإعتراف بالحقيقة، إذ من الممكن أن يعمل المحامي بالتّعاون مع الموقوف على صياغة أقواله بطريقة تؤدّي إلى تضليل الحقيقة”.

وحول هذه النقطة يضيف المصدر الأمني أنّ المحامي “قد يعترض على معظم الأسئلة التي توجّه للموقوف، وبالتالي سيخلق هذا الأمر بلبلة تعيق عمل المحقق ولن يدع التحقيق يأخذ مجراه الطبيعي”.

كلام المصدر الأمني يفتح الباب على جملة من الأسئلة منها أن بعض أصحاب السوابق قد يجدوا أنفسهم في حالة من الطمأنينة، وذلك لعلمهم المسبق بأنهم لن يكونوا في مواجهة منفردة مع المحقق. وهذا الأمر يشدد عليه المصدر بالقول إن التعديل “قد يشجع المحتالين والنصابين على التمادي في خروجهم عن القانون لمعرفتهم بأنّ هناك محامياً سيتولى عنهم الإجابة”.

لكن كلام المصدر ينافي ما صرح به العطار لجهة أن المحامي لا يتدخل بتاتاً في مجرى التحقيق، وربما يتطلب هذا الأمر توضيحاً يزيل هذا الإلتباس.

حديث المصدر الأمني يتقاطع مع تصريحات حصلنا عليها من مصدر قضائي حول هذا التفصيل. إذ قال إنّ التحقيق سيصبح “أشبه بمناظرة تلفزيونية، وعدد التوقيفات سيتضاءل وبالتالي لن يصل الحق إلى أصحابه في أغلب الأحيان”.

ويصف التعديل الجديد بأنه “سيف ذو حدين” مضيفاً أنّ “محامي المدّعي سيواجه مشكلة لينجح في حصول موكّله على حقّه”.

نانسي رزوق

 

نانسي رزوق

صحافية منتجة ومعدة برامج تلفزيونية وأفلام وثائقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى