عاصمة الشمال تبحث عن هوية مفقودة!
عاصمة الشمال أو عاصمة لبنان الثانية، مدينة طرابلس، تقف في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية من تاريخ لبنان حائرة، تبحث عن هوية أو شعار ترفعه يعبّر حقيقة عن حال هذه المدينة المتوسطية التي تعاقبت عليها الأمم والعهود، حيث أسّسها الكنعانيون قبل 3500 سنة مروراً بالرومان والبيزنطيين والعرب والفرنجة والمماليك والعثمانيين، وصولاً إلى الإنتداب الفرنسي الذي حمل الإستقلال لدولة لبنان الكبير بعد أن ضُمّت إليه المدينة التي كانت تُعرف بطرابلس الشام (لتمييزها عن طرابلس الغرب في ليبيا بالنسبة للغربيين) والمناطق الأخرى في الجنوب والبقاع وعكار.
فـ “الفيحاء”، وهو اللقب الأحب إلى قلوب أبنائها نظراً لعطر بساتينها الفواحة بزهر الليمون، كانت مرتبطة بأرض الشام وسورية الكبرى حتى حرب السنتين في العام 1975، وما تلاها من دخول الجيش السوري إليها من ضمن قوات الردع العربية؛ وذاك الإرتباط ناتج عن قربها من الحدود الشمالية مع سورية (نحو أربعين كيلومتراً)، في حين أنها تبتعد عن العاصمة اللبنانية بيروت بنحو 85 كيلومتراً، وكانت تُعتبر صلة الوصل ما بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والداخل السوري والعربي، ممّا جعلها مركزًا تجاريًا مهمًا على مستوى المنطقة. وقد أُطلقت عليها عدة ألقاب في تاريخها العريق كانت بمثابة هوية لها:
مدينة العلم والعلماء
أُلصق بها هذا اللقب منذ العام 635 في عهد الأمويين نظراً لما كانت تحتويه من دور للعلماء ومكتبات، أبرزها “دار العلم” التي كانت تضم في كنفاتها ثلاثة ملايين مخطوط، وكانت تنافس في غناها مكتبة بغداد الأشهر في ذلك العصر، إلى أن سقطت بيد الأفرنج عام 1109 وتضررت دورها العلمية، إضافة إلى أكثر من 160 معلمًا بين قلعة ومسجد وكنيسة ومدرسة وخان وحمام وسوق وسبيل مياه وكتابات ونقوش وغيرها من المعالم التاريخية والفنية.
مدينة الرشيد
أُطلق عليها هذا اللقب بعد استشهاد رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي في تفجير مروحية عسكرية في الأول من حزيران عام 1987، وهو في سدة المسؤولية، نظراً لأنه كان من أبرز قياداتها لحقبة امتدّت من مطلع خمسينات القرن الماضي بعد رحيل والده عبد الحميد (أحد رجالات الاستقلال الذي اعتُقل في قلعة راشيا) وحتى استشهاده، إذ تبوّأ منصب رئاسة الحكومة لثماني مرات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤوساء الحكومات في لبنان.
قلعة المسلمين
حملت هذا اللقب في منتصف ثمانينات القرن الماضي إثر سيطرة تنظيم “التوحيد الإسلامي” عليها ونزعه تمثال رئيس الحكومة السابق عبد الحميد كرامي الذي كان قائماً عند مستديرة مدخلها الجنوبي واستبداله بعبارة “الله” وتحتها عبارة “طرابلس قلعة المسلمين”، وما زالت العبارتان قائمتان عند تلك المستديرة التي تحمل تسمية “ساحة النور”، في حين أن اسمها في الدوائر الرسمية مازال مستديرة “عبد الحميد كرامي”.
عروس الثورة
في السابع عشر من شهر تشرين الأول عام 2019 وإثر انطلاقة شرارة التحرك الشعبي في العاصمة بيروت احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والإجتماعية الضاغطة، إنضمت مدينة طرابلس إلى ذلك الحراك. ونظراً لكثافة المشاركين في احتجاجاتها قياساً الى المناطق الأخرى في لبنان، أطلق عليها منظمو تلك الاحتجاجات تسمية “عروس الثورة”، لكن تلك التسمية لم تعمر طويلاً إذ أن التدخلات السياسية والحزبية قد أفرغت ذلك التحرك الإحتجاجي من نقاوة مضمونه.
يبلغ عدد سكان طرابلس (الكبرى) التي تضم ثماني جامعات حوالي 850 ألف نسمة تقريبًا، وتُعتبر الكثافة السكانية فيها الأعلى على الإطلاق حيث تصل إلى 7086 شخصًا في الكيلومتر الواحد. ويمكن القول وفق العديد من المتابعين إن المدينة قد خسرت جميع ألقابها وهي تبحث اليوم عن لقب يليق بها، وهي التي كانت تُسمّى “أم الفقير” وتحولت بسبب الإهمال والأزمات إلى أفقر مدينة على المتوسط وفق تصنيف العديد من المراجع الدولية. وتسيطر على طرابلس حال من الغوغائية الأمنية التي تنعكس حوادث أمنية يومية يمكن تلافيها، مع وعود متكررة بذلك كما حصل مؤخراً مع إبن المدينة وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، الذي زارها حديثاً ووعد بالتشدد في حفظ أمنها.
مرسال الترس