عوائق جمّة تعترض طريق إحدى صفوف المحاربين في الاستحقاق الكبير الذي قد يعتبره البعض جولة في 27 آذار 2022 أي الانتخابات النيابية اللبنانية. إنه صف الشباب اللبناني الذي يرى بوضوح المسؤولية الوطنية التي تقع على عاتقه، هو، نبض الوطن وحامل التغيير. والآن أكثر من أي وقت مضى، يزيد التخوف من هذه العوائق التي قد تسبب تعثر شبابنا وفشلهم في تأدية واجبهم الوطني نظرًا للحاجة الماسة للتغيير في الثقافة السياسية والطبقة الحاكمة.
ما بين العائق النفسي والعائق العملي
يتجسّد العامل الاول وهو العامل النفسي بتقييم الفرد لفعالياته السياسية. ولقد أجرى العالم النفسي السياسي والباحث والمحاضر في جامعة الكنت في بريطانيا رمزي أبو اسماعيل دراسةً على شريحتين: الأولى مؤلّفة من 1300 شخص والثّانية تتكوّن من 2300 فرد حيث وجد أن ٨٠% من هؤلاء يعتبرون أنهم لا يملكون القدرة على التغيير السياسي وبالتالي هم يفتقدون الى الفعالية السياسية. أما الفعالية السياسية فهي ترتبط برؤية الفرد بقدرته على التأثير السياسي إلا أنها لا تشير الى واقع التغيير السياسي. وبالتالي يبرز العامل النفسي النسبي الذي يشكّل العائق الأول في العملية الانتخابية. فالشباب اللبناني قادر على التأثير والتغيير في الواقع السياسي بطبيعة الحال كأي ناخب يقدم على الاقتراع إلا أنه ثمة عوائق وتصورات شخصية قد تجعله مقتنعًا أن لا فعالية سياسية لديه.
وتوافق الناشطة السياسية ساره اليافي في أحد فيديوهاتها على مواقع التواصل الاجتماعي على ما سبق مبررةً موقف بعض المغتربين والناخبين المحليين المترددين إن كان على صعيد التسجيل أو المشاركة في الانتخابات. فهي تشير قائلةً:” السلطة تمتلك كل الوسائل لتزوير النتائج في الانتخابات النيابية كما وإن الاعلام يقف في صفها والمال جاهز في الداخل وفي الخارج كذلك وأنها تتحكم بالأمن الوطني. هذا ما يمكننا من فهم تردد الكثيرين بسبب تشاؤمهم لأن الانتخابات تشكل خطرًا كبيرًا، بما أن فوز الطبقة الحاكمة الحالية في الانتخابات المقبلة يعطيها شرعيةً جديدةً أقوى من السابق. كما وأن الناخبين يلعبون في ملعب السلطة الفاسدة: الحكام عينهم هم الخصم والحكم في آنٍ معًا بما أنهم يرسمون الشروط الانتخابية والقوانين”.
وتكمن خطورة فقدان الشعور بالفعالية السياسية في إقدام الفرد على عدم المشاركة في النشاطات السياسية الجماعية والتظاهرات والعمليات الاحتجاجية. كما قد يحمله الى عدم الاقتراع او اقتراع جهاتٍ قد تضمن مصلحته لأنه لا يرى أن التغيير آتٍ. فبالتالي يكون قد شارك في إبقاء الطبقة السياسية الحاكمة عينها أي إبقاء الواقع السياسي على حاله.
وقد يدخل ضمن العامل النفسي، الشعور بالتهديد لاسيما التهديد الطائفي الذي ينتاب الأفراد أثناء عملية الاقتراع، فهم يعيرون مجددًا الاهتمام الى هويتهم الطائفية ومبادئهم وقيمهم المتوارثة. ويعودون مجددًا الى الشعور بأن انتخابهم جهةً تنافي أو تعارض طائفتهم سوف تشكّل تهديدًا مباشرًا لطائفتهم وفعاليتها، وبالتالي تهديدًا لوجودهم في المجتمع. فأهمية الطائفة في لبنان في نظامنا السياسي تفوق أهمية التغيير وهذا ما قد يشكل عائقًا أمام الشباب القلقين على مصير طائفتهم والمتمسكين بانتمائهم الديني. من هنا لا تزال المشاريع الانتخابية تستطيع التحكم في سيكولوجية الناخب وغرائزه والحصول على ما تقتضيه مصلحتها بغض النظر عن أهمية مشروعها. بالإضافة الى كل ما سبق يشكّل غياب بديلٍ واضحٍ عن السلطة السياسية عائقًا آخر كونه لا يمكّن الناخب من الشعور بالأمان والطمأنينة وقد يدفعه الى تغيير خياراته السياسية أو امتناعه عن الانتخاب.
أما بالنسبة الى العائق العملي فهو يظهر في العملية الانتخابية بحد ذاتها إن كان على صعيد النظام الانتخابي أو في سير الانتخابات وغيرها. ولقد أشار الاستاذ أحمد مروي وهو ناشط مدني وخبير في مجال الديمقراطية الى أن هذا العائق قد يؤدي الى عدم المشاركة في الانتخابات وهو يعتبر موقفًا سلبيًا لأنه يبيّن عدم رضا المواطنين عن السلطة الحاكمة وعدم إيجادهم البديل في الوقت عينه. فالنظام الانتخابي اللبناني يحد من الخيارات السياسية وهذا ما يشكل عائقًا أوليًا وجوهريًا. ويضيف انه ينبغي تغيير النظام الانتخابي وليس تعديله. فعلى سبيل المثال يجب ضمان دور وزارة الداخلية في بناء جهاز يشرف على العملية الانتخابية في الادارة الانتخابية على الا يكون هذا الجهاز يضم وزراء لضمان شفافية هذه الرقابة. ولقد أشارت التجارب السابقة الى أن الوزراء الذين كانوا مسؤولين عن عملية المراقبة في الانتخابات النيابية السابقة كانوا أيضًا طارحين أنفسهم كمرشحين وبالتالي فقدت تلك العملية مصداقيتها. كما يؤدي رفع سقف الانفاق الانتخابي الذي كان يبلغ 150 مليون لكل مرشح والذي أصبح 750 مليون الى ازدياد الفساد. ويشير الى أهمية التوعية السياسية قبل الانتخابات النيابية، ما هو غائب في حال لبنان. فيجهل العديد من الناخبين قواعد وأسس النظام الانتخابي النسبي وبعضهم من لا يعرف كيفية تقييم برامج المرشحين ونزاهتهم فيسيئون الانتخاب. أما غياب التوعية السياسية فيؤدي الى غياب الثقافة الانتخابية إذ يتحرك ويُغَش المواطن اللبناني ب “صوت آخر رصاصة” فينتخب في اللحظة الأخيرة وغالبًا ما يسيء اختيار ممثليه.
أمام هذه العوائق، مسؤولية إضافية تترتب
بما أن الأزمة اللبنانية تزيد سوءًا يومًا بعد يوم تبلغ المسؤولية المترتبة على المواطنين لاسيما الشباب ذروتها. فبالنسبة الى رمزي أبو اسماعيل يتوجب على الناخبين القيام بخيارات انتخابية أفضل من تلك التي قام بها في السنوات السابقة. فالخوف من البديل هو خوفٌ وهمي وغير حقيقي. وبالتالي ينبغي توحيد صفوف الشباب وانتخاب القوى التغييرية على أمل تشكيل جبهة معارضة في البرلمان في السنوات المقبلة. كما وقد يشارك الناشط أحمد مروي الرأي عينه مركزًا على رمزية تلك الورقة التي يسقطها الناخب في صندوق الاقتراع مانحًا إياها طابعًا مصيريًا بما أنها تحدد مصيره ومصير أولاده. إذًا، يجب على الناخب تحكيم عقله وإبقاء عواطفه جانبًا.
أما الناشط السياسي والمحاضر الجامعي رشاد رافع فوجّه رسالةً الى الشباب اللبناني تنفي النظرية التي قد يعتبرها البعض صحيحة والتي تعتبر أن الأجيال السابقة تجيد الانتخاب أكثر من الأجيال الصاعدة. فهو على العكس شجعهم على اتباع حدثهم وخيالهم وعدم الاعتماد على تشاؤم الآخرين ويأسهم. هو يعتبر أن ما يميز الفئة الشابة هي روحها الشابة المتمردة ووضوح خيالها. هذا هو دورهم الحقيقي في عملية التغيير بما أنهم ليسوا أسرى تاريخ لبنان الذي يجرف آباءهم ويجعلهم رافضين التغيير. فهم القادرون على أخذ ما يفيدهم من تاريخهم وإبقاء كل الأوهام والتخوفات جانبًا كي يعود لبنان يومًا ما “وطن النجوم” بفضل شبابه الخلوق الطموح.
وبالرغم من شوائب النظام الانتخابي الحالي تعتبر الناشطة ساره اليافي أن في النظام النسبي فرصًا أكثر من أي قانون آخر لضمان تمثيل الأقليات في الدوائر الانتخابية مما كان شبه مستحيل في ظل القانون الأكثري. حافزٌ جديدٌ ينبغي أن يدفع للشباب اللبناني على تخطي كل العوائق التي تتعارض طريقه وتحمّل المسؤولية الوطنية التي أوكلت إليه من أجل الوصول الى لبنان أفضل.