سياسة

ميقاتي لن يؤلف ولبنان أمام فراغ رئاسي طويل لن ينتهي إلا بتسوية خارجية

نور الدين لـ"أحوال": فرنسا تُخطط لمؤتمرين مالي وسياسي لحل الأزمة اللبنانية

تعكس إعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تأليف الحكومة الجديدة وتراجع الاندفاعة السعودية لتسمية السفير السابق نواف سلام، تثبيت الرعاية الفرنسية للبنان والادارة الفرنسية المباشرة للملف اللبناني منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت غداة تفجير المرفأ في العام 2020.
ليس خافياً أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري حاول تسويق السفير السابق نواف سلام لإيصاله الى سدة التكليف على بساط كتل القوات اللبنانية والكتائب وقوى التغيير والنواب المستقلين من السنة والمسيحيين، من خلال استشارات جانبية للكتل النيابية والنواب بشكل جماعي أو فردي لجس النبض بإمكانية فرض خيار سلام.
أما السبب كما يقول الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية د. أمين حطيط، فهو تسجيل انتصار سياسي على حزب الله لتحقيق عصفورين بحجر واحد: تبييض سجل السفير السعودي أمام قيادة المملكة وتأكيد صحة كلامه بأن الأكثرية النيابية بيد السعودية ويمكنها استعمالها وقت تشاء، والثاني تسييل هذا الإنجاز في بازار المفاوضات الإقليمية – الدولية.
ويشير حطيط لـ”أحوال” الى أن “موازين القوى السياسية الداخلية والإقليمية والدولية لا سيما بعد الحرب الروسية – الأوكرانية وأزمة الطاقة العالمية وتحديداً في أوروبا، لم تعد تسمح للسعوديين بفرض إرادتهم على لبنان، لا سيما بعد فشل حرب اليمن بتحقيق أي انتصار سعودي”.
ويلفت العميد حطيط الى أن “حسابات البيدر السعودي لم تنطبق على الحقل اللبناني ولا الفرنسي، فالأكثرية النيابية التي توّجت بانتخابات رئاسة المجلس النيابي ونائبه وهيئة المكتب، حاضرة في كل الاستحقاقات الأساسية وتم صرفها اليوم في استحقاق رئاسة الحكومة”، ويوضح أنه “عندما أدركت السعودية بأن مشروع سلام لن يكتب له النجاح وسيعود بنتائج معاكسة، تراجعت لكنها حاولت حجب الميثاقية السنية عن ميقاتي بالضغط على النواب السنة لعدم تسمية ميقاتي”.
ولا يرى حطيط إمكانية لولادة حكومة في الأمد المنظور، مرجحاً أن يبقى ميقاتي رئيساً مكلفا بلا تكليف إلى أن يسقط تكليفه عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وندخل في مرحلة الفراغ الرئاسي، الذي قد يطول وتبقى حكومة تصريف الاعمال، ولن يتم انتخاب رئيس إلا ضمن تسوية داخلية – إقليمية – دولية غير معروف ملامحها بسبب الضبابية التي تظلل المشهد الإقليمي – الدولي وعدم حسم الكثير من الملفات والقضايا المتفجرة في سوريا وايران على وقع زيارة الرئيس الأميركي الى المنطقة.
قِيل الكثير عن كباش فرنسي – سعودي على الساحة اللبنانية، لكنه ليس بجديد، بل بدأ وفق مطلعين منذ القرار السعودي الشهير بإقصاء الرئيس سعد الحريري عن المشهد الحكومي باحتجازه في العام 2017 في السعودية، وكان يومذاك رئيساً للحكومة وتم اجباره على تلاوة بيان استقالته.. لكن نجح تدخل الرئيس الفرنسي شخصياً بالإفراج عنه وعودته آمناً الى لبنان، ومًذالك الحين تضاعف الحنق السعودي عليه تمثل بإسقاط حكومته عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العام 2019 ومنع من تشكيل أي حكومة خلال السنوات الثلاثة الماضية الى أن أُقصي عن المشهد الانتخابي والسياسي في الانتخابات النيابية الأخيرة.
لكن الفرنسيين وبعد تفجير المرفأ وسقوط حكومة الرئيس حسان دياب، عادوا من بوابة التفجير لإحكام قبضتهم على الملف اللبناني واستطاعوا فرض تسوية جزئية مع السعوديين والإيرانيين بتغطية أميركية تمثلت بعودة ميقاتي الى المسرح الحكومي، واطلاق خطة للنهوض الاقتصادي وفتح مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإقرار القوانين الإصلاحية لحصول لبنان على الأموال.
الخبير في الشؤون الفرنسية تمام نور الدين، يوضح لـ”أحوال” أن “إعادة تكليف ميقاتي يثبت بأن الملف اللبناني لا يزال تحت الرعاية الفرنسية المباشرة، وعدم صحة وجود كباش فرنسي – سعودي في لبنان، كون السعودية لم تدعم أي مرشح لتكليفه تشكيل الحكومة، وتظهر ذلك بموقف عدد من النواب المقربين من المملكة. كاشفاً أن إعادة تكليف ميقاتي حسم منذ ثلاثة أسابيع، ومن المقترحات إدخال تعديل وزاري التشكيلة الحكومية الحالية، تشمل 3 وزراء مسلمين ومنح وزير لكتلة الشمال، و3 وزراء مسيحيين لحزب القوات اللبنانية إن قررت المشاركة بالحكومة”.
ويتوقع الفرنسيون بحسب نور الدين عدم تأليف الحكومة الجديدة خلال المدة المتبقية من العهد الحالي كون عمرها أقل من مدة تأليفها، ولذلك يحضرون لمرحلة الفراغ الرئاسي لإدارة المرحلة التي يتوقع الفرنسيون أن تكون أشد صعوبة من المرحلة التي مضت، ويضعون لبنان على لائحة الدول المقبلة على الانهيار الاقتصادي وموجات المجاعة والفقر، الى جانب ليبيا ومصر واليمن.
ويتخوف الفرنسيون كما يقول نور الدين من تداعيات الأزمة الأوكرانية على لبنان على صعيد نفاذ القمح ولو توافرت الأموال، فلن يستطيع لبنان استيراد القمح في ظل الازمة الأوكرانية الروسية. ويلفت الى أن “الفرنسيين يحضرون لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة باختيار رئيس واقناع اللبنانيين به”. ويشير الخبير في الشؤون الفرنسية، الى أن “باريس تعمل على عقد مؤتمرين متوازيين لحل الأزمة اللبنانية: الأول مؤتمر مالي يستند إلى اللقاء بين الرئيس ايمانويل ماكرون والأمير محمد بن سلمان لإنشاء صندوق مالي لدعم الشعب اللبناني مباشرة وليس للدولة والمؤسسات اللبنانية، وقدم 100 مليون دولار كأول دفعة في العام 2020 فيما تبلغ الدفعة الثانية 140 مليون دولار للعائلات المحتاجة خلال الأشهر المقبلة”.
المؤتمر الثاني سياسي، التوجه الى دعوة الأطراف السياسية اللبنانية إلى مؤتمر للحوار الوطني عندما تُغلق أبواب الحل السياسي ويطول أمد الفراغ الرئاسي ويقع الانهيار الكامل وتنتشر الفوضى الاجتماعية والأمنية، ويهدف المؤتمر الى اتفاق سياسي يعدل في بنية الدولة السياسية والإدارية شبيه بمؤتمر الطائف.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى