منوعات

صوان تجاوز الدستور ومجلس النواب سيتحرك

بعد حوالي 4 أشهر على تفجير مرفأ بيروت، إدّعى قاضي التحقيق العدلي في جريمة المرفأ فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس.

هذا الإدعاء كان الأول من نوعه يُقدِم عليه قاضي التحقيق العدلي، وذلك بعدما اقتصرت الإدعاءات السابقة على موظفين من الفئة الأولى وما دون في عدد من الإدارات والمؤسسات الأمنية والعسكرية، فيما لم تطل مسؤولين سياسيين من رؤساء ووزراء وقادة أجهزة أمنية وعسكرية.

فلماذا اقتصر الإدعاء على دياب وبعض الوزراء السابقين؟ ولماذا لم يشمل القرار رؤساء الحكومات السابقين الذين توّلوا رئاسة الحكومة وقتاً طويلاً، حينما دخلت باخرة الأمونيوم إلى لبنان في العام 2013؟ ولماذا استثنى قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية المسؤولين عن حماية الأمن القومي للدولة؟ ولماذا غاب الإدعاء على عدد من المواقع القضائية الذين أثبتت التحقيقات تقصيرهم في التخلص من هذه المواد الخطيرة قبل انفجارها؟ وهل هذا قرار قضائي صرف أم يحمل خلفيات سياسية؟

دياب رفع سقف التحدي

رفع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب سقف التحدي لقرار صوان، وأكّد بأنّه “لن يسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة من أي جهة كانت”. وأبلغ دياب المحقّق العدلي جوابه على طلب الإستماع إلى إفادته، واتهم رئيس الحكومة صوان بخرق الدستور وتجاوز مجلس النواب.

وفسّرت مصادر متابعة للملف لـ”أحوال” بيان رئاسة الحكومة بأنّ الرئيس دياب لن يمثل أمام القاضي صوان، وبالتالي لن تعطي دوائر القصر الحكومي موعداً لصوان لكي يجري التحقيقات مع رئيس الحكومة، لأنّ دياب قال كل ما عنده خلال الإدلاء بإفادته أمام صوان، ولم يعد لديه ما يقوله. وأوحى بيان رئاسة الحكومة الى أنّ الأخيرة شعرت بخلفيه هذا الإدعاء باستهداف سياسي للرئيس دياب شخصياً ولموقع رئاسة الحكومة.

لماذا صمتت دار الفتوى؟

وتساءلت المصادر عن سبب صمت دار الفتوى حيال استهداف رئاسة الحكومة، في حين كانت تسارع إلى إصدار بيانات الرفض لحماية رؤساء حكومات سابقين كالرئيس فؤاد السنيورة الذي سبق واعتبرته خطاً أحمر.

كما وتساءلت: لو كان المُدعى عليه في هذه القضية هو السنيورة أو الحريري، هل كانت دار الفتوى ومفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان تصرفوا كما تصرفوا الآن في الإدعاء على دياب؟ كما تساءلت: لماذا اقتصر الإدعاء على دياب دون سواه من رؤساء الحكومات السابقين الذين دخلت باخرة الأمونيوم في عهدهم إلى لبنان كالرئيسين تمام سلام وسعد الحريري؟ وخصوصاً بحسب المصادر، أنّ دياب لم يرتكب أي خطأ ولا يوجد نصاً قانونياً يجبره على التوجه إلى مرفأ بيروت، علماً أن مسؤولية أمن وإدارة المرفأ يخضع لصلاحية الأجهزة الأمنية والقضائية والإدارية المعنية.

خطوة صوان أثارت جدلاً واسعاً بين رجال القانون والخبراء الدستوريين والمشرّعين. فماذا يقول الدستور في هذه الحالة؟

لا بد من التذكير بأنّ مبادرة صوان جاءت بعد تردّده باتخاذ أي قرار قضائي ضد السياسيين الذين أدلوا بإفاداتهم أمام المحقق العدلي، فبادر إلى مراسلة المجلس النيابي طالباً منه اتخاذ موقف حيال الإدعاء وملاحقة الوزراء والرؤساء ورفع الحصانة عنهم، إلا أن رئاسة المجلس النيابي أصدرت بياناً آنذاك انتقدت فيه بشدة رسالة صوان ودعته إلى التقيّد بالأصول الدستورية ومراسلة المجلس عبر وزارة العدل فقط. ما يدعو للسؤال: لماذا لم تبادر وزيرة العدل الحالية إلى مراسلة مجلس النواب في هذه القضية؟

 

منصور: صوان تجاوز مجلس النواب  

أوضح النائب ألبير منصور لـ”أحوال” أن “الإدعاء بكافة الأحوال، تجاوز مجلس النواب لتوفر الحصانة للرؤساء والوزراء لمجلس النواب،  وبالتالي  صلاحية رفع هذه الحصانة والإشارة بملاحقة الرؤساء والوزراء أمام قضاء خاص ومحكمة تسمى المجلس الأعلى لمحاكم الوزراء والرؤساء”. لكن منصور لفت إلى أنّ “لا نعلم ماذا لدى القاضي من معطيات وحيثيات في الملف دفعته لهذه الخطوة”. وأبدى منصور استغرابه لقرار صوان من حيث شمول قراره الرئيس دياب، الذي لم يمكث في رئاسة الحكومة فترة طويلة، فيما غيره من رؤساء الحكومات مسؤولين عن دخول باخرة الأمونيوم إلى لبنان”. كما لم يحدّد صوان بحسب منصور مسؤولية دياب؛ هل هي تقصير او إهمال أو ماذا؟ وأكد الوزير السابق  أنّ المجلس النيابي سيبادر إلى عقد جلسة قريبة لمناقشة هذا القرار القضائي المستجد واتخاذ موقف أو قرار حياله.

قرار صوان من منظار القانون

وإذ أبدى أساتذة في القانون لـ “أحوال” استغرابهم حيال قرار صوان، ولم يجدوا تفسيراً قانونياً له، أوضح الخبير في القانون الدستوري د.عادل يمين لموقعنا أن “هناك انقسام في الآراء القانونية بين فريق يعتبر اختصاص المجلس النيابي اتهام رؤساء الوزراء والوزراء بالإخلال بالواجبات المترتبة عليهم، ومن ثم محاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؛ وفريق آخر يعتبر أن اختصاص البرلمان في اتهامهم اختصاصاً جوازياً وليس حصرياً، لأن المادة ٧٠ من الدستور استخدمت عبارة “لمجلس النواب أن يتهم”، بمعنى أنه خيار لا احتكار، وهو الرأي الأكثر تماسكاً وقوة”. وبناءً عليه، أضاف يمين: “يبدو أن قاضي التحقيق العدلي اتبع رأي الفريق الثاني، فيكون لرئيس الحكومة والوزراء السابقين في حال الإدعاء عليهم، أن يتقدموا أمامه بمذكرات دفوع شكلية ويبت بها قاضي التحقيق العدلي، ولهم أن يكرّروا هذه الدفوع أمام المجلس العدلي الذي يكون له الكلمة الحاسمة”.

ماذ لو لم يمّثُل المدعى عليهم؟

في المقابل، فرّق أستاذ القانون الدستوري المحامي أنطوان صفير بين قانون العقوبات الذي يسمح بملاحقة كل الأشخاص، وبين القانون الخاص المتعلّق بمحاكمة الرؤساء والوزراء أي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وانطلاقاً من قاعدة أنّه لا يجوز الإجتهاد بوجود النص،  لفت صفير إلى أنّ “موضوع انفجار مرفأ بيروت لا يتعلّق بتقصير أو جريمة حصلت خلال الوظيفة، بل موضوع جزائي، وبالتالي القاضي صوان غير ملزم بمراجعة المجلس النيابي بملاحقة المسؤولين السياسيين أكانوا وزراء أم رؤساء، لذلك اعتبر المحقق العدلي أن قراره من ضمن صلاحياته العادية”.

كما أوضح الدكتور صفير أنّ “اتهام رئاسة الحكومة لصوان بخرق الدستور يعني أنّ على المحقق العدلي مراجعة مجلس النواب بموضوع الإحالة إلى القضاء”. وفيما رأى يمين أن لقاضي التحقيق الحق بإصدار مذكرات توقيف بحق المدعى عليهم بمن فيهم رئيس الحكومة إذا رفضوا المثول أمام القضاء للتحقيق معهم، إستدرك  بأنه بحالة رئيس حكومة تصريف أعمال يصبح الأمر أكثر دقة وتعقيداً. وأضاف: “لكن الإدعاء بذاته لا يقترن بالضرورة مع التوقيف الإحتياطي، فيمكن متابعة التحقيقات ولو كان المدعى عليهم خارج التوقيف لحين صدور القرار الظني”.

في المقابل، استبعد صفير أن يصل الأمر بصوان إلى حد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال إذا لم يمثل أمام القضاء”. وأوضح أن “القانون والدستور يحملان الكثير من التأويلات والثغرات ومنها من يملك صلاحية تفسير الدستور، المجلس النيابي أم المجلس الدستوري؟”، وأضاف أنه “يمكن لمجلس النواب أن يطلب تفسير الدستور بهذه المسألة”.

محمد حمية

 

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى