منوعات

ما علاقة العقوبات الأميركية بالانتخابات النيابية وبحماية جعجع وسلامة؟

"تصفية" الحريري سياسياً وتحشيد "المجتمع المدني"

لم تكُن سلّة العقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية وشملت النائب اللواء جميل السيد ورجلَي الأعمال والمقاولات جهاد العرب وداني خوري، محضُ صدفة، ولا هي منفصلة عن تطورات المشهد السياسي والأمني والقضائي الداخلي، والإشتباك الدائر على أكثر من محور وملف؛ فالعودة إلى توقيت قرارات العقوبات المتعلقة بلبنان، تشير بوضوح إلى أنها غُبّ الطلب السياسي، ويجري توقيتها بناءً على حاجة الأميركيين وحلفائهم لأوراق ضغط جديدة وتفاوض للزوم المعركة الدائرة مع “حزب الله” وامتداده الداخلي والإقليمي، أو بهدف تعديلٍ ما في توازن قوى سياسي أو قضائي أو أمني يميل لصالح الحزب وفريقه السياسي.

قرار العقوبات الجديد، بحسب ما يشير المقربون من حزب الله لـ”أحوال”، جاء “في توقيت تحفل الساحة الداخلية بجملة ملفات ساخنة قضائية وسياسية وأمنية، لا سيما حادثة الطيونة التي فرضت -بقوة الضغط الشعبي والسياسي- على القضاء التحرك لتوقيف المتورطين في قتل المتظاهرين، واستدعاء رئيس “القوات” سمير جعجع إلى مديرية المخابرات، فضلاً عن بلوغ ملف المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، مرحلة بالغة الحساسية كادت تصل إلى تنحيته لولا تمكنت التدخلات السياسية وكمين الطيونة في بقاء مظلة الحماية له”.

وتسأل مصادر سياسية مطلعة عبر “أحوال”: “لماذا أعلنت واشنطن عن عقوباتها الجديدة الآن فيما تمتلك هذه المعطيات منذ زمن طويل، لا سيما وأن بعض الإتهامات بالفساد تعود إلى أعوام 2016 (أزمة النفايات)؟ فهل تدخل الأميركيون بسلاح العقوبات لملاقاة وساطة البطريرك الماروني عبر جولته على الرئاسات بموازاة التدخل السعودي السريع عبر العقوبات على “قرض الحسن” وافتعال أزمة تصريحات الوزير جورج قرداحي لتأمين طوق النجاة لجعجع من حبل القضاء، لا سيما وأنه يعد رأس حربة المشروع الأميركي – الخليجي في لبنان؟

وفيما لفت توقيت قرار العقوبات مع تثبيت المجلس النيابي موعد إجراء الإستحقاق النيابي في 27 آذار المقبل، يضع الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير في حديث لموقعنا العقوبات الجديدة في إطار “الضغط على قوى فريق المقاومة وفي الوقت نفسه دعم مجموعات المجتمع المدني التي تستعد لخوض الإنتخابات بدعم مالي وسياسي أميركي وخليجي بهدف إيصال “كوتا” نيابية صافية للأميركيين يستطيعون من خلالها التأثير على قرارات المجلس النيابي وفي انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف الحكومة الجديدة، وبالتالي تغيير التحالفات النيابية القائمة والهوية السياسية للمجلس”، مضيفًا: “وبالتالي تعد رسالة إلى مجموعات المجتمع المدني بأن الأميركيين سيتحركون ضد أحزاب وقوى السلطة لقمع فسادها وحصارها، لتحشيد وتشجيع الناخبين للتصويت ضد الأحزاب لصالح مرشحي المجتمع المدني”.

وتشير المصادر إلى أن “استهداف النائب السيد لدوره في المعركة الدائرة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اللجان النيابية وفي الاعلام والقضاء، ما يحمل إشارة واضحة إلى استمرار واشنطن بتأمين الغطاء السياسي للحاكم مع التزام فرنسا ذلك تظهّر باختيار وزير مالية شغل وظيفة رفيعة في مصرف لبنان ومن فريق عمل الحاكم، (يوسف خليل)، علماً أن الفرنسيين حاولوا في مراحل سابقة فتح ملفات الفساد المتعلقة بسلامة”، وتساءلت المصادر: “ألم تكشف وسائل إعلام أوروبية ولبنانية معلومات عن شبهات حول قيام الحاكم سلامة ومقربين منه (رجا سلامة وماريان الحويك) في عمليات فساد من تحويل أموال إلى الخارج بعد 17 تشرين وإنشاء وشركات وهمية وغيرها؟ فلماذا إذاً لم تدرج واشنطن سلامة والمقربين منه على لائحة العقوبات؟ ما يدل على أن حاكم مصرف لبنان لا يزال يتمتع بالحماية الأميركية كذراع واشنطن المالي الأول في لبنان ومنفذ سياساتها، لا سيما في تطبيق العقوبات على “حزب الله” والمقربين منه، وذلك بعدما رُوِج بأن واشنطن تخلت عن سلامة”.

أما بالنسبة للمقاول المقرب من الرئيس سعد الحريري، جهاد العرب، فتشير معلومات “أحوال” إلى أن “الهدف هو تسديد ضربة جديدة للحريري المغضوب عليه سعودياً، ومن المعروف أن العرب أحد أهم الممولين للحملة الإنتخابية للحريري وتيار المستقبل، ما يخفي قراراً أميركياً سعودياً بتصفية رئيس المستقبل إنتخابياً وبالتالي سياسيًا، بعدما تمّت تصفيته مالياً في المملكة مؤخراً”.

وتربط المصادر بين هذا القرار وبين ما نُقِل عن الحريري منذ أيام تهديده بعدم الترشح للانتخابات، فهل قرار العقوبات يهدف لإزاحة الحريري كلياً عن المشهد الانتخابي كمقدمة لإبراز مرشحين وقوى جديدة من المجتمع المدني على رأسهم بهاء الحريري لملئ الفراغ في الساحة السنية؟

هذا الأمر يحمل رسالة سياسية سلبية مزدوجة للحريري من واشطن والرياض، بتوجه لاستبداله بقوى أخرى تدين لهما بالولاء الكامل، ولا تتردد في تنفيذ إملاءاتهما بعدما رفض “الشيخ” مراراً تنفيذ سياسات أميركية – سعودية تستهدف “حزب الله” وتؤدي إلى الفتنة المذهبية.

أما داني خوري الذي قيل إنه مقرب من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل رغم نفي الأخير، إلا أن الرسالة بمضمونها تهدف إلى قطع الطريق على رئيس التيار الذي حاول مؤخراً السير بين الألغام و”اللعب على الحبلين” والإبتعاد قليلًا عن حزب الله في بعض الملفات كالمرفأ، طمعاً بقرار أميركي يرفع عنه العقوبات الأميركية ويعيده إلى حلبة المرشحين على طريق الوصول إلى بعبدا، لكن يبدو أن الأميركيين قرروا الإستمرار بمعاقبة باسيل والضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون المعني الأول بملف ترسيم الحدود، الذي أُعيد إلى واجهة التفاوض بعد زيارة الوسيط الأميركي بيروت منذ أيام.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى