منوعات

غابات “القمّوعة” تتعرّض للإبادة ورئيس بلدية فنيدق يناشد: دافعوا عن الثروة الوطنية

“لقد عجِزنا عن حماية الغابة. الرّجاء المساعدة قبل فوات الأوان”؛ بهذه العبارة ختم رئيس بلدية فنيدق في عكّار، سميح عبد الحيّ، كلامه في مؤتمره الصحافي الذي عقده في مقرّ البلدية، في 3 أيلول الماضي، وناشد فيه المسؤولين “العمل على مساعدة البلدية في حماية غابة القمّوعة من القطع الجائر”.

والقمّوعة هي مجموعة متنوّعة من الجبال والتّلال التي تقع في أعالي عكّار، في أقصى شمال السلسلة الغربية لجبال لبنان، تمتدّ من الهرمل شرقاً، إلى الضنّية جنوباً، فجبال الرويمة – كرم شباط في القبيات شمالاً، إلى بلدات عكار الجردية غرباً، وتتميَّز بسهلها الواسع المُنْبَسِط الذي يفوق الثلاثة كيلومترات طولاً، ومثلها عرضاً، على ارتفاع يُناهِز الألف وأربعمئة متر عن سطح البحر، قبل أن تتصاعد المنطقة نحو المُرتفعات بلوغاً 2800 متر بالتدرّج.

هذه المنطقة الواسعة من الجبال والهضاب والتلال والسّهول والأودية يوجد فيها العديد من الأشجار الحرجية والغابات، أبرزها غابة العذر التي تعدّ فريدة من نوعها في لبنان والشّرق الأوسط، تمتدّ على مساحة كيلو متر مربع تقريباً، بعدما كانت في السّابق تناهز مساحتها كيلومترين ونصف، لكنّها تقلّصت بفعل التعدّي الجائر والتوسع العمراني، وهي تعلو عن سطح البحر 1500 متر، ويقبع فوقها سهل القمّوعة الشهير، مقصد السيّاح من المنطقة وخارجها. والعذر هو أضخم أنواع شجر السنديان، يصل طوله إلى 30 متراً، وبرغم أنّ الإسم عربي، فإنه يعني بالآرامية “العَمود الرئيسي”، وذلك نسبة لضخامة جذع الشجرة التي تعمّر آلاف السنين.

لكنّ نداء عبد الحيّ حينها لم يلقَ آذاناّ صاغية لحماية الثروة الحرجية من التعدّيات، برغم أنّه حذّر من أنّ فصل الشّتاء على الأبواب، والحرارة تتدنّى بالمنطقة إلى ما دون الصفر، بحيث تصبح التدفئة من الأمور الضرورية لنحو 6200 وحدة سكنية يقطنها ما يزيد عن 40 ألف نسمة، وموضحاً أن “موظفين إثنين تابعين لوزارة الزراعة لا يمكنهما أن يغطيا مساحة القمّوعة بالكامل، خصوصاً في ظل إنعدام مادة المازوت للآليات”.

مناشدة عبد الحيّ بقيت بلا أيّ اهتمام، ما دفعه بعد ذلك بأيّام، وتحديداً في 18 أيلول الفائت، إلى الشكوى من “تعرّض أشجار حرجية للقطع على يد مجهولين، طاولت هذه المرة أشجار اللزّاب والشّوح والسنديان والشربين والصنوبر البرّي المعمّرة، بهدف الإتجار غير المشروع بالحطب”، لافتاً إلى أنّ “تجاهل المسؤولين لمطالبنا يجعلنا عاجزين عن إيجاد حلّ للمشكلة”.

غير أنّ يأس عبد الحيّ من الجهات الرسمية لمعالجة المشكلة والحدّ من القضاء على ثروة حرجية محلية ووطنية، وعدم تجاوب الدولة مع دعوات كثيرة لتأمين المازوت للمواطنين من أجل التدفئة، وتجنيب الغابات والأحراج كارثة كبيرة تنتظرها، دفعه يوم الإثنين الماضي في 25 تشرين الأوّل الجاري، إلى دعوة “المعنيين والمواطنين الوقوف صفّاً واحداً للدّفاع عن غابات فنيدق، لأنّها الكنز الثمين والثروة الوطنية الفريدة في العالم والشرق”.

وناشد عبد الحيّ عائلات فنيدق أنّ “هذه أرضكم ودياركم ومستقبل أولادكم وبلادكم”، داعياً “كلّ عائلة إلى أن تحمي أرضها وغاباتها”، وكاشفاً أنّ “نسبة الحطب في داخل المنازل قد أصبحت 70%، وكلّ ذلك موثّق عند الموظفين في مكتب وزارة الزراعة، وأنّ عددًا من الأشخاص يبيعون الحطب الأخضر واليابس معاً خارج وداخل فنيدق، والدولة في سبات عميق”.

لكنّ كلّ ذلك لم يجدِ نفعاً، ففي الأيّام الأخيرة نشر ناشطون عديدون على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي صوراً تظهر أنّ مسلسل مجازر قطع الأشجار في غابات فنيدق لم تتوقف، وهي مستمرة بلا أيّ رادع أو وازع، برغم كلّ النّداءات التي أُطلقت للحدّ من عمليات الإبادة لغابات المنطقة؛ وتظهر الصّور أنّ القطع لم تمرّ عليه ساعات أو بضعة أيّام على أبعد حدّ، كون جذوع الأشجار المقطوعة ما تزال خضراء بالكامل.

هذه التعدّيات أثارت ردود فعل واسعة ومختلفة بين المواطنين؛ عبد الباسط يحيى سأل: “من لا يملك مالاً لشراء الحطب والمازوت، هل يجب أن يموت من البرد؟”، بينما رأى أيمن مراد “أننا شعبٌ لا نستحق هكذا طبيعة جميلة، فلو أنّ هؤلاء يعرفون ما يُسبّبه هذا الفعل من أثر سلبي في الطبيعة لما أقدموا عليه، لكن الجهل للأسف يطغى”، وهو ما أكده بدوره محمد مسلماني الذي أسِف “كيف أنّ أشجاراً عمرها آلاف السنين يقطعها مجرمون بكلّ برودة أعصاب”، في حين اقترح عبود المرعبي أنّه “لو تم تسطير محاضر ضبط بـ50 مليون ليرة وما فوق بكلّ مخالف، لما أقدم أحدٌ على قطع الأشجار”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى