سياسة

أكثرية نيابية لإعادة ميقاتي إلى السراي.. فهل يؤلّف أم يُكلف بـ”تصريف الفراغ”؟

بعبدا تتحسّب للشغور الرئاسي و"الضاحية" مُسهلة و"عين "التينة" تخشى الانهيار

فُتِح “بازار” الاستحقاق الحكومي بعدما رسّمت القوى السياسية كتلها النيابية في الانتخابات، ورسّملت أحجامها السياسية في ساحة النجمة في الجلسة الانتخابية، للاستعداد لخوض غمار المعركة الحكومية تكليفاً وتأليفاً في ظل مشهد ضبابي لايزال يخيّم على السيناريو الحكومي وإن كان المرجح إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي كنقطة التقاء “قسّرية” بين الكتل الأساسية في الوقت الراهن.

فهل سيكون التكليف مسهلاً وتبصر الحكومة النور قبل موعد استحقاق رئاسة الجمهورية؟ أم ستبقى حكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد؟ ما هي السيناريوات المحتملة؟

*الأول: إعادة تكليف ميقاتي بأكثرية مرجحة مؤلفة من كتل “الوفاء للمقاومة” و”التنمية والتحرير” و”المردة” ونواب ٨ آذار و”اللقاء الديمقراطي” و”إنماء عكار” والنواب المتحدرين من “تيار المستقبل” وبعض النواب المستقلين، وإحجام كتل “لبنان القوي” و”القوات” و”الكتائب” و”المجتمع المدني” و”المستقلين” عن التصويت.. فإما أن يؤلف ميقاتي خلال شهر ونيف كما حصل في الحكومة الحالية، أو يبقى رئيساً مكلفاً ورئيس حكومة تصريف أعمال حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون، لإدارة فراغ “الشغور الرئاسي” إن تعذر انتخاب رئيس جديد، وفق ما تنص المادة٦٢من الدستور: “في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت تناط السلطة الإجرائية وكالة بمجلس الوزراء”·

*الثاني: نجاح ميقاتي باستيلاد حكومة شبيهة بالحكومة الحالية تراعي التوازنات الطائفية والسياسية وتلحظ دخول قوى جديدة على البرلمان وتحظى بثقة المجتمع الدولي والجهات المانحة، وبالثقة النيابية المطلوبة وتكون حكومة أصيلة ومجهزة لتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية إن وقع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.

*الثالث: التوافق على تعويم حكومة تصريف الأعمال لسبب أن المدة المتبقية لانتخابات رئاسة الجمهورية لم تعُد “حرزانة” لتأليف حكومة قد يستغرق تأليفها مدة شهرين لتبدأ بإعداد بيانها الوزاري ثم جلسة الثقة ويحتاج وزراءها الجدد فترة شهر للاطلاع على ملفات وزاراتهم لا سيما إذا كان رئيسها غير ميقاتي، وبالتالي لن تنطلق أعمالها فعلياً قبل نهاية آب، وفترة حكمها كحكومة أصيلة لن تتعدى الشهر أو الشهرين.. لذلك كسباً للوقت قد يُعاد تكليف ميقاتي و”تعويم الوزراء”،

لكن أكثر من خبير دستوري أكد لـ”أحوال” أن التعويم مخالف للدستور ولا بد من إجراء استشارات لتسمية رئيس حكومة مكلف ومن ثم قيام الأخير باستشارات في سياق مساعيه لتأليف حكومة ومن حصول اتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على التشكيلة الوزارية ومن ثم مثول الحكومة أمام البرلمان طلبا للثقة”. هذا فضلاً عن العقدة السياسية المتمثلة بضرورة مراعاة التوازنات النيابية الجديدة سيما قوى “المجتمع المدني”.

*الرابع: رفض ميقاتي شروط “القصر الجمهوري” والعزوف عن التكليف، أو يرفض رئيس الجمهورية التوقيع على أي تشكيلة حكومية يقدمها ميقاتي، ما يدفعه للاعتذار عن التكليف.. وفي الحالتين سيدفع الأفرقاء للبحث عن شخصية أخرى ويتم التداول بأسماء عدة وقد يكون التأليف صعب أيضاً.

لكن أسهم ميقاتي لاتزال الأعلى في ظل تعذّر البديل الذي يحظى بتوافق الكتل ويستطيع استكمال ما بدأته حكومة “معاً للإنقاذ” لجهة إقرار القوانين الإصلاحية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وفق ما تقول أوساط مواكبة لحركة الاتصالات لـ”أحوال”.

وتشير الأوساط الى أن “الرئيس نبيه بري يؤيد عودة ميقاتي مع عدم ممانعة حزب الله وتأييد رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري ونواب آخرين، ما يؤمن الأكثرية النيابية لتكليفه ولمنحه الثقة المطلوبة في المجلس”.

ورأت الأوساط أن طرح خيار ترشيح السفير نواف سلام لتأليف الحكومة ومن باب المناورة السياسية، كون نتائج الانتخابات لا تسمح بتمرير هكذا خيار في ظل نيل كتلتي القوات والكتائب وبعض النواب المستقلين الذين يدورون في فلكهما أكثر من 38 صوتاً، ومع قوى المجتمع المدني وكتلة جنبلاط أكثر من ٦٠ نائباً”، كما أن ميقاتي هو المُزكى من نادي رؤساء الحكومات السابقين.

لكن هل أن حكومات ميقاتي لا سيما “معاً للانقاذ” مشجعة لاعادة تكليفه وفق الأسس والسياسات نفسها التي ساهمت في تعميق الانهيار الاجتماعي والاقتصادي؟ وهل أن ميقاتي لا يزال يتمتع بالدعم الدولي لا سيما الفرنسي – الخليجي؟
إذا كان استحقاق التكليف يسيراً في ظل وجود أكثرية مرجحة للتكليف، بيد أن مسار التأليف قد يكون مزروعاً بألغام الحصص وترجمة توازنات ما بعد الانتخابات، كون الحكومة الجديدة تكتسب أهمية إضافية من اعتبارات أربع:

-أول حكومة عقب أول انتخابات بعد أحداث ١٧تشرين
– حجم الملفات المتفجرة المتراكمة على طاولة مجلس الوزراء والموروثة من حكومة تصريف الأعمال
– آخر حكومات العهد وفرصة أخيرة للرئيس عون لتحقيق إنجازات تحفر في سجله الرئاسي وتمنح باسيل أوراقاً لتحسين صورته وأسهمه الرئاسية لا سيما في ملفات الكهرباء والتدقيق الجنائي والودائع وحاكمية مصرف لبنان
– سترث صلاحيات رئيس الجمهورية إن حل الفراغ الرئاسي
ولذلك سيشهد تأليف الحكومة معركة حامية وقد لا تبصر النور لأسباب عدة، علماً أن مصادر سياسية ترجح تأليف حكومة سريعة بدفع دولي لاستباق خطرين: الانهيار الاقتصادي والمالي والانفجار الاجتماعي الأمني في الشارع بظل تضاؤل احتياطات مصرف لبنان، وحصول الفراغ الرئاسي، فضلا عن استكمال التفاوض مع صندوق النقد والحاجة الأميركية – الإسرائيلية لإنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية.

لكن عون وباسيل سيقيسان أي رئيس مكلف أو حكومة في “ميزان الشغور” الرئاسي المتوقع، لذلك ستتسمك بعبدا بالحكومة السياسية وترفضن “التكنوقراط”، لكون الانتخابات ثبتت “التيار الوطني الحر” رقماً صعباً في الساحة المسيحية بعد تضعضعه خلال مرحلة “الثورة”، ما يعني أنها ستتشدد في الحصص وتدعيمها ببعض “صقور التيار” تحسبا لقيادة الحكومة الجديدة لمرحلة الشغور الرئاسي.. أما ميقاتي فيريد قطف ثمار أي تسوية خارجية تنعكس انفراجاً اقتصادياً – مالياً عبر “صندوق النقد”، فيضمن بقاءه في حكومات العهد المقبل.

أما حزب الله فبحسب مصادره لن يقف عائقاً أمام أي توافق على رئيس وحكومة، والمهم أن تحفظ السيادة وتبدأ بأولويات معالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية بجدية، أما بري فيعمل على تقطيع الفراغ وتأخير الانهيار والانفجار بحكومة المُمكن حتى تنضج ثمار التسوية الأميركية – الفرنسية – الايرانية – الخليجية الموعودة، وتنعكس على لبنان.

لذلك لن يكون عبور ميقاتي أو أي رئيس مكلف آخر عن أسوار القصر الحكومي والجلوس على كُرسي الرئاسة الثالثة سهل المنال.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى