مجتمع

في الجنوب: الزواج عند المسلمين ارتفع وعند المسيحيين انخفض… وهذه هي الأسباب

“نياللو أحمد تزوّج وزمط بهالأزمة” جملة قالها حسن جواد (عيتا الشعب)، شقيق أحمد، حصلت على إطراء من مجالسيه، الذين بدأوا بتعداد حالات الزواج المستجدة بين معارفهم، “الزواج في مثل هذه الأيام فرصة لا تعوّض”، يقول محمد عطوي، مدعّماً كلامه بأنّ “أحمد وفّر على نفسه نفقات العرس، وتكاليف سيارة الأجرة والأوتيل، والكثير من الذهب والحلويات، إضافة إلى الكلفة الأكبر على بناء منزل جديد”.

يؤكد المجتمعون على أنّ “الأزمة الاقتصادية استطاعت تبديل الكثير من العادات، بل أدّت إلى تراجع مطالب الصبايا الراغبات بالزواج، حتى أنّ المهر انخفض كثيراً، ما يعني أنّ أولياء الأمور يفضلون تزويج بناتهم، بشرط وحيد هو “أن يكون العريس من الأوادم”. هذا الواقع يناقض التوقعات التي تفترض أن “نسبة الزواج انخفضت، بعكس نسب الطلاق”، وهي تتناقض أيضاً مع احصاءات المديرية العامة للأحوال الشخصية في لبنان التي أشارت إلى أنّ “معدلات الزواج للعام 2020 تراجعت بنسبة 13.5 بالمئة عن العام 2019، وبنسبة 17.9 بالمئة عن معدل الأعوام الخمسة الماضية”، بينما تؤكدها إحصاءات محكمة النبطية الشرعية لحالات الزواج والطلاق، في مدينة النبطية مع 31 بلدة، باستثناء بلدات اقليم التفاح، والتي تشير إلى  أنّه تمّ تسجيل 1419 حالة زواج و378 حالة طلاق في العام 2018، أي قبل بدء ارتفاع الدولار. وأنّه أثناء الأزمة الاقتصادية المستجدة في العام 2019 وفي المنطقة نفسها، تمّ تسجيل 1294 حالة زواج و340 حالة طلاق، وفي العام 2020 حتى مطلع العام الحالي تم تسجيل 1298 حالة زواج و351 حالة طلاق. ما يؤكد أنّ نسبة الزواج والطلاق لم تتغيّر بشكل ملحوظ، بل كانت النسب متقاربة. وهذا هو الحال أيضاً في منطقة بنت جبيل، فيشير قاضي الشرع في بنت جبيل السيد حسين تفاحة إلى أنّ “أعداد حالات الزواج  بقيت على حالها أثناء الأزمة لا بل ارتفعت قليلاً، بينما انخفضت حالات الطلاق”، ويبدو أنّ من أهم الأسباب التي يشير إليها عدد من أبناء المنطقة هي “انخفاض أعداد موظفي الدولة في المنطقة، كون المنطقة تعجّ بالأهالي الذين لا يمكنهم الانتساب إلى الوظيفة العامة بسبب عدم التقسيم الطائفي، فاستفادت الأقليات الطائفية نسبياً من الوظائف العامة، ليضطرّ معظم الشباب الجنوبيين إلى البحث عن أعمال أخرى في لبنان وخارجه، ويبدو أنّها كانت سبباً في التخفيف من التأثّر بحدّة الأزمة وارتفاع الدولار”. ولذلك يبيّن القاضي تفاحة أنّ “عدداً لافتاً من المتزوجين الجدد يسافرون إلى الخارج، أو من الذين يتقاضون رواتب بالعملة الأجنبية”، مؤكّداً على أنّ “أحد أسباب عدم انخفاض حالات الزواج هو انخفاض المهر وحياء الأهل من مطالبة العرسان بتكاليف تزيد من الأعباء الاقتصادية”.

أمّا بالنسبة لانخفاض حالات الطلاق بشكل كبير في المنطقة، فيشير السيد تفاحة إلى أنّ ذلك “قد يعود إلى خوف المتزوجين من الكلفة المالية الكبيرة التي ستواكب عملية الطلاق، خاصة على المهر والنفقة والزواج الجديد، إضافة إلى أنّ معظم المتزوجين الجدد هم من الذين لديهم التزامات أخلاقية ودينية تحدّ من نسبة الطلاق”، واللاّفت بحسب القاضي تفاحة أنّ “وجود العملة الأجنبية بين المئات من أبناء الجنوب، لم يؤدِّ خلال الأزمة الراهنة إلى وجود حالات الزواج الثاني”.

ما يؤكده العديد من أبناء القرى الحدودية هو أنّه “قبل استفحال الأزمة كان الزواج أكثر صعوبة”، ليس بسبب الوضع الاقتصادي السيّء، بل “بسبب ارتفاع كلفة الزواج التي تحدّدها الأعراف المحليّة ومطالب الأهالي”، وهو اليوم تمّت مواجهته “ليس بالامتناع عن الزواج بل بتخفيض كلفة الزواج والاستغناء عن معظم المطالب المكلفة”، كما يشير رجل الدين السيد علي مسرّة ( عيتا الشعب) الذي بيّن أن “المهر الذي كان معتمد عند أبناء البلدة قبل الأزمة مقدّمه 3 ملايين ليرة ومؤخره 15 مليون ليرة لبنانية، وبقي كذلك ولم يرتفع تشجيعاً للزواج “، لافتاً إلى أنّ “معظم الآباء باتوا يقسمون منازلهم إلى أقسام تصلح لسكن أولادهم، كما باتت حفلات الزواج مقتصرة على أهل العروسين وداخل المنازل”، أمّا بالنسبة لأعداد حالات الطلاق، فيؤكد مسرّة أنّ “أعداد الطلاق لم ترتفع خلال الأزمة، ومعظم حالات الطلاق هي لأسباب تتعلّق بعدم التفاهم  والانسجام، كما كان يحصل سابقاً”. وهذا ما يؤكده امام بلدة يارون الشيخ حسين سليمان الذي بيّن أن “مهر الزواج لم يرتفع عن ما كان عليه سابقاً، وحالات الزواج بقيت ضمن النسب المتعارف، باستثناء تسجيل انخفاض نسبة الزواج عند الموظفين”.

الأمر بدا مختلفًا جداً في البلدات المسيحية، لأنّ “أغلب المقيمين فيها هم من الموظفين في الدولة” ، فيقول راعي أبرشية رميش الحدودية، الأب نجيب العميل “كان عدد الأعراس في البلدة سنوياً زيد على 50 عرساً، وفي العام الماضي انخفض إلى 16 عرساً، وهذا العام لن يزيد على 20 عرساً”. ويؤكد على أنّ “الموظفين امتنعوا عن الزواج، أما المتزوجين الجدد فهم في معظمهم من المغتربين، الذين باتوا يفضلون عدم الاحتفاء بأعراس كبيرة، احتراماً للأهالي، الذين لا يقدرون على تقديم هدايا الزواج للمحتفى بهم”.

ويشير إلى أنّ تكاليف الزواج انخفضت كثيراً أيضاً، لكنّها لا تزال مكلفة، بسبب الأعراف والعادات “. وبحسب جورج الحاصباني (مرجعيون) فإنّ “العديد من أبناء القرى المسيحية باتوا يشجعون على زواج الخطيفة، الذي أصبح عادة مقبولة يلجأ إليها كل عاشقين إذا ما واجها رفضاً من ذويهما، أو عسراً مادياً”. حتى أنّ بعض أولياء الأمر “يساعدون على حصول هذا النوع من الزواج، لمساعدة أولادهم على الهروب من نفقات الزواج”.

 

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى