د. ساندرا خوام لـ “أحوال”: إقفال المدراس أخطر على الطفل من كورونا
الطفل يدفع ثمن كورونا والوضع الاقتصادي من صحته العقلية
ألقى وباء كورونا بظلاله على جوانب عديدة من حياة الأطفال والمراهقين، أبرزها إغلاق المدارس.وبحسب منظمة اليونيسكو، فإن الوباء تسبب في انقطاع 1.6 مليار تلميذ في 190 دولة حتى الآن عن التعليم، وهذا يمثل 90 في المئة من أطفال العالم في سن المدارس.
والطفل اللبناني يعيش أزمات أخرى مقنّعة، الى جانب أزمة كورونا منها ضيق حال الأهل بسبب سوء الوضع الاقتصادي والأمني، والخوف الذي يستشعر به الطفل من خلال مجتمع قلق وأهل متعبين.
وكل هذه الامور كانت مدار بحث لـ”أحوال” مع الدكتورة في الصحة النفسية سندرا خوام وتأثير حجر الأطفال في المنزل دون مدرسة.
وضع الطفل اللبناني أفضل من غيره
تقول الدكتورة خوام :”بأن وضع الطفل اللبناني افضل من ناحية وأسوأ من ناحية اخرى مقارنة بأطفال العالم.
الناحية الإيجابية تتمثّل بأن فترة الحجر الصحّي في لبنان كانت متقطعة، ولم تكن جدية أسوة ببلاد العالم الاخرى، وكان هناك دوماً وقتاً مستقطعاً، يمكن الأهل ان يرافقوا أطفالهم في مشاريع ونزهات خارجية.
وهنا لا بد للأهل أن يكسروا هذا الحجر بهدف مساعدة أطفالهم لتخطي الأوقات الصعبة من خلال القيام بزيارات عائلية، خاصة اذا كانت العائلة التي نزورها حريصة في الوقاية والحجر مثلنا. كما يمكن الخروج الى الطبيعة ونحن في لبنان لدينا طبيعة جميلة.
أما الوضع السيء الذي يعيشه الطفل اللبناني اكثر من سواه، هو القلق والخوف الذي يعيشه الأهل، وهذا ينتقل بطريقة غير مباشرة الى الطفل الذي يستشعر هذا الخوف ويزيد من أزماته النفسية”.
وجود الطفل في البيت يعرضه لأمراض نفسية أصعب من كورونا
تعتبر الدكتورة خوام أنّ “كورونا تركت ترتيبات نفسية وصعوبات على الطفل أصعب من المرض نفسه، بحيث زادت عند الأطفال حالة الكأبة والانزواء والخوف والقلق.”.
تتابع “الطفل ولد ليذهب الى المدرسة ،والتعليم في البيت مسألة غير عادية وغير طبيعية. لأن الأهل غير مؤهلين لتعليم الطفل في البيت مهما كانت ثقافتهم ولا يوجد عندهم الكفاءة للقيام بذلك. ولو كان هذا الأمر صالحاً كنا كأهل وفرّنا على أنفسنا من الأساس ذهاب الطفل الى المدرسة وعلمناه في المنزل.”
وتضيف خوام :”جّل ما يقدر الأهل على القيام به هو مساعدة الطفل في المنزل والإشراف على تدريسه بعد أن يأتي من المدرسة. لكن من المستحيل أن يحلّ البيت مكان المدرسة. فالطفل يتعلّم من خلال المكافأة والمنافسة وحب أجواء المدرسة. والطفل المجتهد الناجح هو الطفل الذي أحبّ مدرسته ومعلمته ورفاقه. فجو المدرسة هو الجو الصحي للتعليم وجو البيت هو الجو الخطر للتعليم.”
التعليم online كارثة
وتنتقد الدكتورة خوام مسألة التعليم online للأطفال.” فهذا ليس بتعليم وقد يصح هذا الأسلوب مع تلامذة الثانوي أو الطلاب الجامعيين لكن أصغر من ذلك يكون كارثياً. غير مطلوب من الطفل أن يركّز على الشاشة ليتعلّم ونحن أساساً ننصح الأطفال بالابتعاد عن هذه الشاشة، سواء كان كومبيوتر أو تلفزيون. وإذا بنا الآن نطلب منه أن يجلس عدة ساعات أمام هذه الشاشة. التعليم online يمكن أن يكون كماليات وليس أساسياً. لهذا يجب أن يلغى هذا الخيار ويجب إعادة فتح المدراس مع مبدأ المداورة في الحضور وتعليم الطالب على مسألة التباعد الاجتماعي. أضف الى ذلك بأن البيوت قد تكون صغيرة والعائلة كلها مجموعة، وثمة أكثر من طفل يريد أن يدرس أونلاين في الوقت نفسه، فلا المكان يتسع ولا قدرة الاهل ان يكون لديهم أكثر من كومبيوتر، فنحن أمام واقع اقتصادي صعب وسيء وهناك عائلات تجد صعوبة في تأمين لقمة العيش وليس شراء كومبيوتر لكل ولد! اضف الى ذلك مسألة الانترنت السيئة في لبنان وانقطاع الكهرباء بشكل مستمر والأم أحيانا تكون عاملة خارج المنزل او حتى لو كانت ربة منزل كيف سيكون بإمكانها ان تتابع تدريس عدة اولاد. لذا يبدو الامر مستحيلاً وغير نافعاً.”
وجود الطفل في البيت سيجعله عرضة لمرض الارتيابparanoia
وماذا لو خسر الطلاب سنة دراسية اخرى خاصة وإن العام المنصرم لم يكن عاماً جدياً وخسر فيه الطلاب الكثير؟
تقول د.خوام :” العام الماضي نال الطلاب نصف عام دراسي تقريباً بين كثرة العطل الناتجة عن وضع البلد السياسي، وبين كورونا، وهذا يمكن أن يعوّض. لكن أن يخسر الطلاب عاما أخر فهذا أمر من المستحيل تعويضه. ما سيترك بعداً نفسياً سيئاً على الأطفال سواء من ناحية الخوف الذي يعيشه الأهل نتيجة كورونا، وهذا الخوف طبيعي خاصة اذا كان في البيت شخصاً مريضاً أو مسناً. ويجب ان نعرف بأن الخوف سواء كان طبيعياً او مبالغاً فيه ينتقل ويؤثر على الطفل. وأنا عاينت عدة اطفال يعيشون الخوف والقلق وباتوا يخافون من كل شيء. الطفل ليس لديه القدرة على فهم الفيروس او طريقة انتقاله وهناك اطفال يظنون بأن الفيروس ينتقل كما في الصور المتحركة من مكان الى آخر، ما يخلق عند الطفل نوع من البارانويا او مرض الارتياب، ويعيش الخوف المبالغ ويصبح مرتاباً وخائفاً من كل شيء. وهنا دور الأهل أن يفسروا للأطفال ولا يدعوهم يخافون ويحملوهم اكثر من طاقة استيعابهم، لأن الطفل غير قادر على فهم ما يفهمه الكبار. ومن الضروري أن نبسّط الامور ونحمي الطفل من الحقيقة. ولا داعي أن نخبره بأن كورونا يسبّب الموت حتى يبقى واثقا بنفسه وبجسده.”
الاطفال والأذى العقلي او trouma والحل هو فتح المدرسة
من خلال هذا الواقع تدلف د.خوام لتقول إنّ أطفالنا يعيشون في هذه البيئة غير الصحية بحيث أن الكبار يعيشون حياة غير مستقرة لا نفسياً ولا عقلياً وفي بيئة تسبب التروما او تلف عقلي، ما ينعكس على الطفل المتواجد في البيت حيث الأم الكئيبة والأب العاطل عن العمل، وبات هذا الطفل يتحمّل هموم الكبار وهموم الدولة وهموم العالم .
ولا شفاء من ذلك الا بفتح المدراس، لأنّ في المدرسة يوجد الجو الطبيعي ليلعب مع ابناء جيله ويحكي معه ويناقش أوضاعه وحياته ويخبره عما يشعر به. في المدرسة يوجد الأنس ويوجد جو الطفل الحقيقي. بينما في البيت يوجد جو الكبار بكل همومه وأفكاره وأخباره والطفل بغنى عنها. لهذا يجب أن تفتح المدراس مهما كان الثمن حتى نقدر أن نحافظ على عالم الأطفال وبراءته ووجدانه لأنّ عالم الكبار ليس صحياً لهم. والتربية الحقيقية لا تكون إلا في المدرسة حيث هناك نمط ملائم للأطفال. بينما قضاء وقت طويل في البيت سيجعل الطفل يدمن على ألعاب الكومبيوتر ومشاهدة التلفزيون وكلّها تقتل الذكاء وتوقف الإبداع.”
كمال طنوس